حين يتسرب الوثائقي لخشبة المسرح…
مبروكة خذير – تونس
يعتريك الإحساس و أنت تشاهد مسرحية المخرج المسرح التونسي لطفي عاشور “حب ستوري ” و التي تم عرضها خلال الدورة الحالية الرابعة عشر لأيام قرطاج المسرحية ،يعتريك الإحساس بأنك غير قادر على تصنيف هذا العمل المسرحي الذي ينهل من فن صناعة الوثائقي و يمزج السينما بالموسيقى و بالمسرح.
امتلأت قاعة المسرح البلدي بتونس العاصمة،و جلس جمهور المهرجان فوق بساط الأرضية ،ليشاهد الجميع هذه المسرحية التي أخذت صيتا كبيرا قبل عرضها و انتظرها محبو المسرح تونسيين و أجانب ضيوف الأيام.
“حب ستوري “: بانوراما المفارقات
خشبة المسرح و فوقها تتحرك شخصيات الممثلين :معز التومي و أنيسة داود و شاكرة الرماح و فاتن الرياحي و جوهر الباسطي .بالجسد و الروح و الكلمة، يحاول هؤلاء تجسيد الواقع التونسي بشتى تناقضاته و يصورون عقلية المواطن و تجليات معيشه اليومي من تصرفات ونظرة للأشياء على قدر كبير من التناقض و الانفصام.
وراء الممثلين شاشة عملاقة تروي هي الأخرى روايات عن الحب و الجنس و عن العلاقات الحميمية بين الرجل و المرأة و نظرة الشاب و العجوز و التونسي و الأجنبي و العربي والغربي لهذه العلاقات التي تحكمها مفارقات كبيرة بين ما يؤتى في الخفاء و ما يظهر من آراء متصلبة و نفاق علني .
ما يسكت عنه الممثل فوق الخشبة تكشف عنه الشاشة في الوثائقيات المعروضة و الشهادات المصورة في الخلفية ، و بين سكوت هذا و رواية الآخر و تبادل الأدوار بين الوثائقي والمسرحي يتعرى المسكوت عنه في المجتمع التونسي و خاصة في مؤسسة الزواج، لنشاهد على الخشبة و في الخلفية تجليات نفسية من فئات اجتماعية تونسية نتعايش معها بشكل يومي لكننا لا نغوص في انفصامها مثل ما حملنا لذلك لطفي عاشور.
“حب ستوري ” نالت استحسان النقاد و المسرحيين و تغلغلت في قلوب المشاهدين لأنها دغدغت في دواخلهم تجليات شخصياتهم المتضاربة من خلال الوسائل السمعية و البصرية و من خلال الأجساد و انتفاضاتها فوق الخشبة و من خلال اللوحات التي علقت في ثنايا المسرح لنستحضر معها نحن المشاهدون لحظة الخطيئة الأولى و قصة أبونا آدم و أمنا حواء مع تلك التفاحة المحرمة التي أنزلتهما إلى الأرض علاوة إلى قصة شهرزاد و شهريار وصولا إلى قصص الحب التي تعيشها المرأة اليوم في علاقتها مع الرجل.
خلاصة القول، في مسرحية “حب ستوري ” يمتزج كل شيء بكل شيء ،فيعانق المسرح الوثائقي و تعانق الموسيقى اللوحات التي تؤثث ديكور خشبة المسرح و يعانق الرجل المرأة في قصص من الواقع المعيش في أعمق تجلياته و في عالم هاذين الطرفين الذي تعودنا أن نعيشه بعيدا عن عين الناس فما بالك و نحن نعيشه على شاشة السينما و على خشبة المسرح ليتجسد لنا لحما و دما و روحا تنبض بالحياة.
لطفي عاشور يبث روحا جديدة في المسرح التونسي
من تحدثنا معهم من العالمين و المطلعين على تطور مسارح العالم و تحولاتها التاريخية، يجمعون على أن المسرحي التونسي لطفي عاشور بصدد إعادة تكوين نظرة مغايرة للمسرح التونسي.
فخلال السنوات الأخيرة برز هذا المخرج بأعمال فيها العديد من الإضافات التي خرجت بالمتلقي التونسي من النمط الفني التقليدي للمسرح إلى عوالم أخرى تتوالد فيها الفنون و تتمازج لتكتمل في إتقان يصور الحياة و الواقع و الوجود.
و يقول لطفي عاشور في حديث له عن أبعاد مسرحية “حب ستوري” : ” لقد أردت من خلال هذا العمل التساؤل حول ما نبرزه من تحضر و تفتح في معيشنا اليومي و علاقاتنا الأسرية المتشابكة،و ما تعكسه عقلياتنا من تمسك بالعادات و التقاليد المتصلبة خاصة في إطار مؤسسة الزواج”.
و في الحقيقة أن يجمع مسرحي مثل لطفي عاشور بين المسرح من جهة و الوثائقي من جهة أخرى فهذا ليس بالأمر الصعب على شخص مثله.إذ أن تكوين لطفي عاشور الأكاديمي مكنه من خلق هذا التآلف و الالتقاء بين فنين كبيرين فقد درس عاشور المسرح في “معهد الدراسات المسرحية” في فرنسا كما درس أيضا الإنتاج الوثائقي.
و بالتوازي مع إخراجه العديد من المسرحيات في فرنسا و تونس و مصر و لبنان، أخرج لطفي عاشور أفلاما سينمائية قصيرة منها “العز”و “نفايات” و حصل بهذه الأفلام على جوائز عديدة.