فيلم ” مائة متر هناك”
عزالدين الهيشو
عجوز في ستنيات من عمرها تشق طريقها وسط حشد من المهربين، حاملة على ظهرها ماوزنه ستون كيلوغراما من البضائع المهربة من مدينة مليلية المحتلة( من قبل الإسبان) إلى داخل المغرب. فصل من فصول الدراما اليومية، مسرحها شريط الحدودي بين المغرب و مدينة مليلية المحتلة ، مشهد يختزل كل مضمون الفيلم.
فيلم ” مائة متر هناك” للمخرج الإسباني خوان لويس نو، يحكي قصصا مروعة لمسلسل المعاناة اليومية التي يتعرض لها المهريبون المغاربة، جلهم من النساء . أجبرهم قصر ذات اليد إلى عبور الحدود يوميا طلبا في كسب لقمة العيش.
لقد كان موضوع الفيلم حول ظاهرة التهريب بين المغرب و بين مدينة مليلية المحتلة، وقد قسم المخرج موضوعه إلى ثلاثة محاور. المحور الأول وقد تطرق فيه إلى معاناة المهربين وفي المحور الثاني تطرق إلى السياج الفاصل بين مدينة مليلية المحتلة و بين المغرب، أما المحورالثالث فخصصه للضرر الذي يلحقه التهريب بالإقتصاد المغربي.
![]() |
من الفيلم |
المحورالأول : يعرض أشكال المعاناة اليومية التي يلاقيها المهربون من ضرب و إهانة وتجريح من شرطة الإحتلال الإسباني و الشرطة المغربية، من أجل إجتياز الحدود فمنهم من يفقد وعيه ومنهم من يموت بسب التدافع. دراما يومية أبطالها أناس بسطاء يسعون إلى البقاء على قيد الحياة عن طريق التهريب.
المحور الثاني : فقد خصصه المخرج للسياج الفاصل بين مدينة مليلية المحتلة و المغرب ، سياج مزدوج يمتد على طول ثمانية أميال ، الذي أطلق عليه المخرج إسم ¨الخط الأحمر¨، نظرا للمخاطر التي تحدق بكل عابرا لهذا الخط . رمزا للانفصال كبير بين عالمين ، عالم الشمال الغني والجنوب الفقير. ينتقد المخرج هذا الجدار الفاصل ولكن ليس من زاوية سياسية و إنما رفضه للجدار نابع من شعور إنساني بسب ما يشكله هذا الجدار من مخاطر على المهربين وطامحين في الوصول إلى الضفة الأخرى.
المحورالثالث : تطرق المخرج للبعد السلبي لعمليات تهريب على الإقتصاد المغربي، و سياسة الإقتصادية الممنهجة لسلطات الإسبانية من أجل إغراق الأسواق المغربية و الإفريقية بالسلع المهربة، مستفيدة من قربها الجغرافي ووضعية المنطقة الحرة التي يمتاز بها ميناء مليلية.
لقد كان المخرج بارعا في في توظيف الكميرة لإصال المعاناة المهربين. لقد وظف الكميرة توظيفا كلاسيكيا، كانت حركة إتساع الكميرة تنقل الواقع كماهو، متجولة بين الحشود المهربين قاطعة المخاطر و الحواجز التي يمر منها المهربون. لقد طغت لقطات التأسيسية و لقطات البعيدة جدا على الفيلم، بهدف تقديم صورة متاكاملة و شاملة عن مكان حدوث الوقائع. فالكميرة كانت شاهد من أرض الواقع على مايقاسه هؤلاء الناس أمل في حصول على رغيف الخبز.
أما فيما يخص الصوت، فقد وظف المخرج أسلوبين : أسلوب التعليق وأسلوب “وجهة النظر”. في المحور الأول غاب تعليق ليطغى أسلوب “وجهة النظر”. وجهة النظر المهربين لكي يتحدثوا بأنفسهم عن معاناتهم و مآسيهم. فقد أدرك المخرج أنه لن يوفق في إيصال معاناة التي يقسها هؤلاء مهما ختار و نتقى كلمته، تركا لهم الكلمة ليسردو مرارة ما يقاسونه. وقد لجأ المخرج إلى توظيف أسلوب وجهة نظر في المحور الأول، من أجل إضفاء المصداقية و الواقعية على الأحداث التي يتطرق لها الفيلم. أما المحورين الآخرين فقد استثمر أسلوب التعليق حتى يرشد المشاهد إلى حقائق كان يجهلها عن السياج وعن التأثير السلبي لتهريب على الإقتصاد المغربي.
لقد كان هدف المخرج من هذا الفيلم تسليط الضوء عن قضية كانت منسية أو تكد تكون مجهولة لدى القاطنين في الضفة الآخرى، التي تكفهم حياتهم الراغدة عن الإلتفاف إلى معاناة الآخرين. منذ لحظة الأولى كان المخرج فيلم يدرك جمهوره المستهدف، هو الجمهور الإسباني لذلك إستطاع أن يختار طريقة فعالة لمخاطبتهم وتأثير فيهم.
“لقد حققت هدفي المنشود من وراء إنتاج و إعداد هذا الفيلم. بتعريف بمعاناة هؤلاء الناس الذين يتواجدون في ضفة الآخرى، وإن لم أستطع تغير تلك الأحوال على الأقل أكون قد إستطعت أن ألفت إنتباه الناس”.
لقد كان تأثير الفيلم كبيرا على المشاهدين، ففي جل المهرجانات التي شارك الفيلم فيها، كان دائما يظفر بجائزة الجمهور و التي إن دلت على شيء إنما تدل على رضى و إعجاب الجمهور. وبهذا يكون المخرج قد حقق الهدف السلوكي المنشودة من وراء هذا الفيلم.