في مهرجان أوسيان للسينما الآسيوية العربية…

الجائزة الكبرى لفيلم “الليل الطويل” من سوريا

أمير العمري- دلهي

كانت تلك هي المرة الأولى التي أذهب فيها إلى الهند، تلك الدولة العظيمة بتاريخها الشامخ، لكي أشارك في حضور الدورة الحادية عشرة من مهرجان أوسيان، الذي خصص برنامجه منذ عامين للسينما العربية والآسيوية في مبادرة هي الأولى من نوعها في العالم غير الناطق بالعربية، أقصد أنها المرة الأولى التي تبدي فيها دولة من الدول الكبرى في مجال صناعة السينما هي الهند (التي تعد الأكبر على الإطلاق) اهتماما بالترويج لسينما أخرى ضئيلة الحجم مقارنة معها، هي “السينما العربية”، أو بالأحرى، الأفلام التي تنتج بشكل متفرق في البلدان العربية (باستثناء مصر).
المهرجان أقيم في الفترة من 24 إلى 30 اكتوبر. وكان قد تعرض لبعض المشاكل التي أعاقت انطلاقه في موعده المحدد في شهر يوليو الماضي، فتأجل إلى الشهر الخريفي، وكان هذا مناسبا أكثر لضيوف المهرجان، لأن الطقس أفضل كثيرا بالطبع في هذا الفصل عنه في قمة فصل الصيف، لكن يبدو أن المشاكل المالية التي ترتبت على الأزمة الاقتصادية العالمية ألقت بظلالها على المهرجان بشكل ما، فتقلص عدد المدعوين، خصوصا من الإعلاميين العرب (لم يحضر سوى كاتب هذه السطور والصحفي سعد القرش) كما تقلص حضور السينمائيين العرب أيضا (حضر من سوريا المخر ج حاتم علي دون أي من أبطال فيلمه “الليل الطويل”، كما حضر المخرج التونسي الياس بكار بفيلمه التسجيلي “حائط المبكى”).

الطابع التعليمي
الأمر الأول الذي يلفت النظر في هذا المهرجان أنه يعتمد بدرجة أساسية، على الجهود الفردية لرئيسه ومؤسسه نيفيل تولي، وهو شاب هندي من رجال الأعمال، لكنه شديد الاهتمام بالسينما، لدرجة أنه مشغول بفكرة بعيدة كل البعد عما يجري عادة في مهرجانات السينما العالمية، وهي فكرة تحويل المهرجان بشكل أو آخر، إلى ساحة لتعليم السينما على طريقة الورشة المفتوحة يوميا لمئات الطلاب ودارسي السينما. وخلال الكلمة التي ألقاها في حفل الافتتاح ركز تولي على تلك الناحية، مؤكدا أنه يرغب في رؤية كل من يتطلع لفهم ودراسة السينما يأتي إلى هذا المهرجان ليتعلم ويستفيد. ولهذا أقيمت الكثير من الندوات والمناقشات المفتوحة مع الطلاب الذين جاء الكثيرون منهم من أقاليم أخرى، كما أقيم عدد من ورش العمل السينمائية.

نيفيل تولي
 

يأتي نيفيل تولي بالمال لتمويل مهرجانه من المزادات التي يقيمها للأعمال الفنية والأثرية (اللوحات والمنحوتات والجداريات وغيرها).
وتقدم حكومة دلهي دعما محدودا للمهرجان بشكل غير مباشر يتمثل في توفير مجمع سينمائي بقاعاته المتعددة، وإن كانت كل الدلائل تشير إلى أنه قد اصبح حاليا في حاجة إلى ترميم وإعادة إحياء لاستعادة بهائه القديم.
ولعل من الأشياء التي تلفت النظر كثيرا في هذا المهرجان الطابع العام “غير الرسمي” أو الـ casual وتلك الأجواء من الألفة التي تربط بين البشر بحيث يسهل كثيرا التعامل مع الجميع ببساطة، ومنهم المسؤولين الحاليين عن المهرجان وعلى رأسهم مديره ماني كاول ورامان شاولا، أو السيدتين اللتين سبق لهما الاضطلاع بمسؤولية المهرجان من قبل: السيدة إندو والسيدة لاتيكا. وانت تشعر وأنت تتكلم مع هؤلاء الأشخاص الذين قد يبدون غرباء عنك، أنهم قريبين منك كثيرا، ربما أكثر مما تعتقد، بل وأنهم على اضطلاع جيد بالسنيما العربية، وبكل الشخصيات الفاعلة فيها، ماضيا وحاضرا.
المشكلة التي أحسست بها، أو بالأحرى، ما خطر لي وأنا وسط كل هذه الأجواء الحميمية، سؤال يتعلق بالجانب الآخر، العربي الرسمي، والقائمين على أمر المؤسسات السينمائية والمهرجانات السينمائية في بلادنا.. أين هم من كل هذا الدفء، ولماذا يتقاعسون عن مد أيديهم للصداقة مع الهند. وسرعان ما جاءت الإجابة: إنهم مشغولون بالاحتفال بمهرجاناتهم في موسم المهرجانات العربية!

معرض مفتوح
في دلهي، معرض مفتوح، ممتد أمامك، من البشر ومن الآثار التاريخية العملاقة الباقية التي تشهد على عظمة تلك الحضارة التي حفرت لها مسارا عميقا في تاريخ البشرية في ذلك الجزء من العالم. ةمهما تمتع المرء بالإرادة فلن يتمكن من سبر أغوار دلهي وما حولها في بضعة أيام، لكن الزيارة تصبح محفزا لك على العودة لاكتشاف ما فاتك. ولعل من الأشياء التي تفوت إدارة المهرجان تنظيم جولة لنصف يوم لضيوف المهرجان للتعرف على أهم المعالم التاريخية في المدينة، وهو جزء أساسي في مسألة “المعرفة” والعلاقة بين السينما والحياة!

طريق الحرير
هناك أيضا يخطر لك خاطر آخر يؤرقك: كيف أهملنا الاهتمام بحضارات الشرق، تلك الحضارات القريبة منا: اليابانية والهندية والصينية، أو التي كنا نرتبط بها تاريخيا ولو عبر “طريق الحرير”، والتي أثرنا وتأثرنا بها كثيرا: في اللغة والكتابة، وفي البعثات التجارية والغزوات، وفي البحث عن مصير مشترك سياسي في العصر الحديث من خلال كتلة عدم الانحياز التي ولدت في باندونج – أندونيسيا منذ أكثر من خمسين عاما، ثم حمل نهرو العظيم لواءها مع تيتو وعبد الناصر.. ولازلت أتذكر كيف كانت الشوارع في القاهرة تمتليء بالبشر في استقبال الزعيم الهندي نهرو، استقبالا شعبيا يليق بالأبطال، وكيف كان نهرو محبوبا في العالم العربي بسبب نجاحه في التقدم بأمة هائلة في العدد وفي التنوع الكبير في اللغات والأديان، وكيف نجح في الإبقاء على التجربة الديمقراطية العظيمة في الهند، وهو ما جعلها تمتد بعده وتستمر ليومنا هذا.
حديث الذكريات له شجون، لكن حديث السينما يعيدنا إلى أرض الحقيقة. والحقيقة أن لا أحد يمد يده من عالمنا العربي لهذا المهرجان كما ينبغي، بل وكما يجب، أي بمبادلة الاهتمام باهتمام مواز.
السينما الهندية الأم (باعتبار حجم إنتاجها وتنوعه وانتشاره) هي التي تمد يديها للسينمات الآسيوية في اليابان والصين وتايوان وكوريا وإيران، كما تفتح ذراعيها أيضا لسينما أخرى في أوروبا الشرقية مثل السينما الرومانية الجديدة التي كانت ضيفا بارزا في هذه الدورة.

تجربة من رومانيا
فقد افتتح المهرجان بفيلم روماني جديد مصور بكامرا الديجيتال، ولو لم تكن هذه الكاميرا متوفرة ربما لما أمكن تصوير هذا الفيلم، ليس فقط بسبب التكاليف الزهيدة التي أنفقت على انتاجه، بل بسبب حميمية الموضوع الذي يصوره.
الفيلم بعنوان “الصيد” أو Hooked وهو يدور على صعيد وجودي ويطرح الكثير من التساؤلات حول نسبية الحقيقة، ومسؤولية الإنسان عن اختياراته، وفكرة الخيانة، وكيف يمكن لمؤثر خارجي ذي فتنة طاغية (وهو هنا فتاة من بائعات الهوى تصادف وجودها في طريق سيارة البطلين مما يؤدي إلى اصابتها) أن يتلاعب بزوجين شابين ويستغل خلافاتهما من أجل إحكام السيطرة عليهما، وذلك على نحو ربما يذكرنا بفكرة فيلم بازوليني العظيم في فيلم “حظيرة الخنازير” (1968).
المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة شارك فيها 12 فيلما من تونس وسورية وتركيا وايران والهند واليابان وكوريا الجنوبية والصين واندونيسيا.
وخارج المسابقة عرض “أيام الضجر” لعبد اللطيف عبد الحميد من سوريا، وفيلمين من إسرائيل هما “إخوة” لإيجال نيدام، وفيلم “الرقص مع بشير” لآري فولمان الذي اختتم به المهرجان. وجدير بالذكر أن المهرجان يعتبر إسرائيل هنا من الدول الآسيوية!

إيجال نديم

وفي مسابقة الأفلام القصيرة شارك من العالم العربي “ليش صابرين” لمؤيد عليان من فلسطين، و فيلم “رؤية شرعية” لرامي عبد الجبار من مصر، و”حدث في مهرجان برلين” لنيفين شلبي.

فيلم الليل الطويل

 
ورغم الوجود المحدود للأفلام العربية في المهرجان عموما فقد فاز الفيلم السوري “الليل الطويل” للمخرج حاتم علي، وهو من إنتاج هيثم حقي، بالجائزة الكبرى للمهرجان، ويروي الفيلم قصة أربعة من السجناء السياسيين في سورية قضى بعضهم نحو عشرين عاما في المعتقلات، وخرجوا لكي يواجهوا واقعا متغيرا خاصة والأبناء أيضا مختلفين حول كيفية التعايش مع الموقف الجديد بعد أن كيفوا حياتهم على أساس غياب الأب!
وفاز يجائزتي التمثيل الممثل الإيراني علي رضا أغا، والممثلة الايرانية نيجار جافريان عن دوريهما في فيلم “قبل الدفن”.

الوثائقي “حائط المبكى”

وحصل الفيلم التونسي “حائط المبكى” وهو عمل تسجيلي عن حائط الفصل العنصري في الضفة الغربية وتأثيره على حياة الفلسطينيين، على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
وجدير بالذكر أن لجنة التحكيم هذا العام تكونت من شخصيات متعددة تجمع بين الهواة والمحترفين في شكل جديد تماما، وبلغ عدد أعضائها 22 عضوا. وشارك المبرمج العربي للمهرجان ومدير مهرجان روتردام العربي انتشال التميمي في لجنة التحكيم.


إعلان