غزة 2009 : بدأت حربا وانتهت سينما
هوس ما أصابَ قطاع غزة وأغرقه بالأفلام، فلم يكد ينتهي هذا العام الذي ابتدأته الحرب، إلا لينتهي بتكدس غريب من مهرجانات الأفلام و العروض السينمائية و التسجيلية، بعد ذلك الزحام الذي شهدته غزة من صحفيين و مصورين جاؤوا بعد الحرب، ليوثقوا الحياة على تلك الجغرافيا بصورهم و أفلامهم، حتى كادت الصورة التسجيلية في غزة، أن تصبح َ مسرحا كبيرا ً لاستسهال واستهلاك أحداث القطاع بأفلام هي أقرب للسطحية و الانحياز أحيانا، في معالجتها للقضايا السياسية و الاجتماعية، إضافة إلى اقترابها مهنيا من ” الريبورتاجات ” والقصص التلفزيونية .
ورغم ذلك، فان الاهتمام بإنسانية الصورة في قطاع غزة لم ينقل حقيقة الواقع بشكل منطقي في أحيان كثيرة، وهو ما أثر على مصداقية الصورة بشكل واضح، لارتباطها الدائم بالعاطفة المفرطة.
غير أن العديد من الأعمال الوثائقية العربية و الفلسطينية الحديثة، كانت أكثر توازناً و عمقا ً في تناولها للحرب على غزة وما بعدها، إضافة إلى تداعيات الحصار الإسرائيلي و المتغيرات الحياتية التي طرأت على القطاع. وهو ما لفت الانتباه إلى الوعي البصري في رؤية جيل المخرجين الشباب للواقع، بأسلوبهم ومفاهيمهم .
مهرجانات الأفلام الوثائقية والسينمائية في غزة، أثارت حوارات و أسئلة كثيرة، عن ماهية تلك المهرجانات الممولة في الغالب من جهات مختلفة، و الهدف الذي يكمن وراء تتإلىها في فترة زمنية قصيرة.
فبعد التجربة الأولي في قطاع غزة التي كانت في ” أسبوع الفيلم التسجيلي الفلسطيني”، بدأت الأسماء تتوإلى باحثة عن مداخل صغيرة دعائية، كالولع باستخدام عبارة ” أول ” و “مهرجان”..، أول مهرجان دولي، أول مهرجان للمرأة، أول مهرجان للسينما، وهكذا دوإلىك!
على الرغم من كثافة حجم تلك التجربة التي ظهرت في العديد من الفعاليات الإفيلمية، كمهرجان أفلام المرأة الأول، الذي اعتمد على صياغة الواقع بمنظور جندري (جندري تعني الجنس أي مؤنث أو مذكر)، معالجا العديد من المواضيع الحساسة والمحظورة اجتماعيا ً وسياسيا ً .
كذلك تجربة ” أيام السينما الخليجية في فلسطين”، والتي جاءت بالتعاون بين الملتقي الفلسطيني السينمائي ومهرجان الفيلم الخليجي في دبي، حيث اقتصرت تلك الأيام على عروض أفلام خليجية مهمة من دول المجلس الخليجي، مما ترك إضافة مميزة في ثقافة المشاهدة البصرية، و تنوع الصورة المختلف في طريقة تناولها للمجتمعات العربية المجاورة .
![]() |
بنت مريم لسعيد المري
لكن فوضي المهرجانات بدأت تظهر على سطح الإعلام بشكل دعائي أكبر، في كل من “مهرجان غزة للأفلام الدولية” ، و “مهرجان القدس السينمائي الأول” ، حيث ضم الأخير مشاركة 10 دول عربية، بعروض 28 فيلما، كانت في الأغلب أفلام مكررة في فعاليات مشابهة سبقت المهرجان الذي استمر 3 أيام : كفيلم “بنت مريم” للمخرج الإماراتي سعيد المري، فيلم “عيد ميلاد ليلي ” للمخرج الفلسطيني رشيد مشهرواي، كذلك فيلم ” إلى أبي ” لعبد السلام شحادة، و فيلم المقدسية ساهرة درباس “غريبة عن بيتي”، وفيلم المخرجة المصرية أمل رمسيس ” بس أحلام ” .
![]() |
رشيد مشهراوي |
المهرجان الذي جاء بالتعاون بين ملتقي الفيلم الفلسطيني و جامعة فلسطين، لا يعدو عن كونه “عروض” لأفلام وثائقية في أغلبها، فعلى ما يبدو لم تستطع إدارة المهرجان تحديد الفارق بين ما هو سينمائي و تسجيلي، ليأخذ المهرجان ذلك المسمي “السينمائي” المخالف نوعا ما من حيث طريقة عرضه و من حيث مضمونه .
أما جائزة وسام القدس، فقد منحت لكل من ساهمت أفلامهم في إبراز القضية الفلسطينية، من بينهم المخرج السينمائي الراحل “مصطفي أبو على” ، و المخرج غالب شعت، إضافة للفلسطيني ميشيل خليفة، و المخرجة مي المصري، و الفلسطيني رشيد مشهراوي، عربيا.. فقد كرم المهرجان كلا من المخرج العراقي قيس الزبيدي واللبناني رفيق الحجار، و المخرج السوري محمد ملص، و الأردني عدنان مدينات، كما تقدمت إدارة المهرجان بالشكر للفنان “تامر حسني” لمساندته غزة عبر أغنيته بالفيديو كليب !!
وقد حصلت العديد من الأفلام على جوائز “الزيتونة الذهبية” لمهرجان القدس _ تيمنا ً بـ “السعفة الذهبية ” _، لأفضل فيلم عن القدس للمخرج المصري عز الدين سعيد، كذلك حصل فيلم “مصطفى بولعيد ” للمخرج الجزائري أحمد الراشدي على الزيتونة الذهبية في الفيلم الروائي. أما فيلم المخرج الفلسطيني عبد السلام شحادة ” إلى أبي ” فقد نال زيتونة أفضل فيلم وثائقي، كذلك فيلم “ظلال الصمت” الحاصل على جائزة لجنة التحكيم، فيما حصل فيلم “بنت مريم” على جائزة المهرجان الأولى .
![]() |
أحمد الراشدي
لكن الكثيرين يطرحون التساؤل حول ما تحتويه هذه المهرجانات من بهرجة دعائية مبالغ فيها، و اختفاء عنصر النقد الفني المتأصل لتقييم الأعمال السينمائية، الأمر الذي قد يصيب الأعمال المميزة بالإحباط، نظرا لسطحية واستسهال المسألة.