هل تصالحنا السينما على أوروبا ؟
مبروكة خذير – تونس
كشفت الدورة السادسة عشر لأيام السينما الأوروبية بتونس عن أسرارها بالفيلم الأسباني الحائز على جوائز عالمية “أسرار القلب”.و قد امتلأت قاعة البرناص بالعاصمة تونس رغم سوء الأحوال الجوية و الوقت المـتأخر نسبيا الذي عرض فيه فيلم الافتتاح. ضربة البداية لهذه الدورة شهدت حضور العديد من البعثات الدبلوماسية للبلدان الأوروبية المشاركة في هذه التظاهرة التي ما انفكت تكتسب قيمة مضافة في المشهد الثقافي التونسي.
هذا العام لم يغادر الجمهور القاعة مثل ما حصل في الدورة السابقة، حين تم عرض فيلم عن محرقة اليهود أثار حفيظة المتفرجين في ظرف كانت فيه فلسطين تعاني ويلات الاعتداء الإسرائيلي على شعبها و ساكنيها.
جلس الجمهور على أرضية القاعة لمتابعة اختلاجات طفل أسباني صغير تملؤه التساؤلات حول كل ما يدور حوله من ألغاز حاول فك رموزها بأسئلة تتجلى فيها براءة الأطفال الذين يبحثون عن فهم كل شيء. “أسرار القلب ” من إخراج المخرج مونتثو ارمينداريس وهو درامي للطفولة والعائلة والصداقة والمراهقة. وكان هذا الفيلم قد نال جوائز منها بلو انجيل برلين بألمانيا عام 97 19 ، أما في شيكاغو فقد تحصل على جائزة الحضور ، وكارتجينا دي اينداث في كولومبيا عام 1998 …
السينما الأوروبية جسر التواصل بين أوروبا و تونس
قبل أن تنطلق دورة هذا العام من أيام السينما الأوروبية بتونس و التي تمتد من غرة ديسمبر الحالي إلى حدود 18 من الشهر نفسه،تساءل أحدهم :”هل تصلح الثقافة ما أفسدته السياسة؟” ،و ذلك في إشارة لما عاشته تونس خلال الأيام الأخيرة من تجاذب مع مواقف خارجية بشأن مسائل تهم الحقوق و الحريات .
السينما قد تكون فعلا جسرا للتواصل و أفقا آخر لدعم التعاون و انفتاح تونس على تجارب سينمائية أوروبية تتميز في هذه الدورة بثرائها و مواضيعها و مصادرها المختلفة.
أيام السينما الأوروبية في تونس هي تأشيرة الجمهور التونسي نحو أوروبا التي يحلم جل الشباب العربي بالهجرة إليها بالطرق المشروعة و غير المشروعة ..و حسب برنامج الدورة الحالية سيتم عرض 35 فيلما بين قصير وطويل من 15 بلدا أوروبي من بينها فرنسا وايطاليا وبلجيكا وألمانيا والمجر واليونان و3 بلدان مغاربية وهي تونس والجزائر والمغرب، وذلك في العديد من المدن التونسية منها العاصمة و كذلك مدن جندوبة والقيروان وصفاقس والمهدية وقابس وسوسة.
وبهدف هذا المهرجان الى فتح نافذة للحوار أمام الحاضرين و نقل ثقافات و أساليب عيش و قضايا قد يلتقي فيها العربي بالأوروبي و قد يختلف فيها .كما سيتم تنظيم مائدة مستديرة حول إمكانية النهوض بالسيناريو في أوروبا وجنوب المتوسط وذلك يومي 4 ديسمبر بالمسرح البلدي بسوسة و يوم 5 من نفس الشهر بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون بالعاصمة تونس.
![]() |
اسرار القلب – فيلم الافتتاح |
أما الطفل سيكون هو الآخر حاضرا في أيام السينما الأوروبية بتونس حيث سيتم عرض 5 أشرطة من هولندا واسبانيا وفرنسا وبلجيكيا وايطاليا وذلك في المدن التونسية التي ستحتضن هذه التظاهرة التي تقيمها المفوضية الأوروبية بتونس بالتعاون مع سفارات البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ووزارة الثقافة والمحافظة على التراث بتونس .
اختلاط التجارب بين مغاربي و أوروبي
لئن كان اسم التظاهرة أيام السينما الأوروبية فإن الواقع لا يعني ضرورة أن مهرجان الأفلام الأوروبية لن تؤثثه تجارب سينمائية عربية و مغاربية بالأساس .ذلك أن ما نعرفه عن هذه السينماءات ارتباطها الشديد بالرؤى و المساهمات من البلدان الأوروبية منها فرنسا بالتحديد.
و بعد أن كانت تونس حاضرة في أغلب دورات أيام السينما الأوروبية الفارطة، فإن دورة هذا العام تدعمت بحضور بلدين مغاربيين آخرين هما المغرب و الجزائر .فأما التجارب السينمائية التونسية الحاضرة فستكون من إمضاء المخرجة التونسية رجاء العماري بفيلم ” الدواحة ” الذي يغوص في عالم النساء المنزويات وأسرارهن الدفينة و ذلك بأسلوب يكتسي طابعا روائيا يرتبط في بعض اللقطات بأجواء كابوسية يخيم عليها التوتر والتوجس في دائرة من العزلة الاختيارية .
كما سيشاهد الجمهور التونسي لأول مرة في قاعات السينما التونسية فيلم المخرج التونسي رضا الباهي “صندوق عجب” الذي لم يتم عرضه قبل الآن إلا خارج تراب الوطن في المهرجانات العالمية الكبرى.
ختام العروض بالعاصمة تونس سيكون أيضا ببصمة تونسية من خلال فيلم المخرجة كلثوم برناز ” شطر محبة” الذي يتناول الصراع حول التساوي في الميراث بين المرأة و الرجل في تونس علما و أن موضوع الفيلم أثار ضجة حين عرض لأول مرة في قاعات السينما التونسية السنة الفارطة.
و علاوة على هذه الأشرطة الثلاث الطويلة سيكون جمهور السينما في تونس على موعد مع أشرطة تونسية قصيرة من خلال العديد من العناوين وهي “الخشب” لمنير مسلم و”لمبوبة” لنادية الرايس و”الو” لمديح بلعيد ” و” ذاكرة امرأة” للسعد الوسلاتي ” و”وسواس” للمين شيبوب” و”مثل الآخرين” لمحمد بن عطية و”العبور” لنادية تويجر …
![]() |
ملصق فيلم الدواحة |
الجمهور حكم و خصم في المسابقات
جرت العادة أن تمنح المهرجانات السينمائية الكبرى مسألة التحكيم على التجارب الناجحة و منحها جوائز للجنة خاصة يجتمع فيها المخرج بالممثل بكاتب السيناريو ليجمع الكل على أن هذا الفيلم أو ذاك جدير بالتكريم.لكن أيام السينما الأوروبية خرجت في دورتها هذا العام عن القاعدة و منحت الجمهور نفسه مسؤولية الحكم على الأفلام من خلال قصاصة توزع بداية الفيلم على المتفرجين ثم تسترجع منهم نهاية العرض ليضع فيها المشاهد عددا يتراوح بين 1 و 5 حسب رؤيته هو للفيلم.
هذا التصويت على مدى نجاح الفيلم قوبل باستحسان بعضهم ممن يرون أن الجمهور كفيل بأن يعبر عن رأيه و أن يسند جوائزه لمن يراه مناسبا من الأشرطة.لكن السؤال المطروح هنا: ألا يمكن أن نظلم بعض الأفلام و نحن نعلم أن مثل هذه المهرجانات في السينما قد يخفت بريق أهميتها بعد سهرة الافتتاح ليلمع من جديد ليلة الاختتام ؟و بالتالي فإن بعض الأفلام خلال الأيام العادية للدورة قد لا تحظى بإقبال جماهيري يمنحها فرصة للبروز . لقد تعودنا أن يتدافع الجمهور في السينما على القاعات مثل ما حصل البارحة في سينما البرناص أول أيام الدورة ثم يتفرق بعدها و لا نرى له أثرا سوى ليلة الاختتام حين توزع جوائز المسابقات.
كما يجب الحديث هنا عن العروض التي ستوزع على باقي ولايات الجمهورية الأخرى ،فهل ننتظر هنا أن يكون الإقبال عليها بقدر ما شهدناه في افتتاح أيام السينما الأوروبية في العاصمة تونس؟
قد تكون مسألة تصويت الجمهور صائبة أو مخطأة و لكن أيا كانت الجوائز الممنوحة فحسب المشاهد التونسي أنه سيعيش خلال الأيام القادمة على إيقاع عروض سينمائية أوروبية فيها ما فيها من تميز و عليها ما عليها من انتقادات ،و المهم في كل هذا تبادل الثقافات و حوار التجارب في وقت يعسر فيه الحديث عن تقارب بين عالم أوروبي دخل طور ما بعد الحداثة و عالم عربي يلهث وراء بلوغ القدر الأدنى من التقدم في تجارب سينمائية تحتاج شئنا أم كرهنا إمكانيات تقنية متطورة في عصر الصورة.