الزبيدي:انتمائي إلى السينما وفلسطين سيان

 الدكتور قيس الزبيدي مخرج وناقد وأكاديمي وسينمائي عراقي يعتبر من العرابين الأوائل للفيلم الوثائقي العربي ومن المتخصصين في الوثائقي الفلسطيني.. التقيناه على مساحات الكتابة والنقد ليشرح لنا علاقته بالسينما من ناحية وبفلسطين من ناحية اخرى. وليحدد بعض المقدمات النظرية كي يصبح الوثائقي فنا من الفنون.

الدكتور قيس الزبيدي  

العلاقة بين السينما والنقد تبادلية بين المؤثر والمتأثر
المطلوب نوعية فنية جديدة للفيلم الفلسطيني
النقد السينمائي العربي بقيّ ذاتياً وهامشياً
 

أنت من أكثر المهتمين بفلسطين في السينما والسينما في فلسطين، نريد أن نعرف إلى أين وصل مشروع المكتبة السينمائية الفلسطينية الذي تعمل عليه؟

كان عندي باستمرار ارتباط خاص بين موضوعين، موضوع فلسطين وموضوع السينما. محاولة انتماء إلى السينما ومحاولة انتماء إلى فلسطين. أغلب أفلامي في سوريا كانت عن القضية الفلسطينية، أيضا أفلامي في ألمانيا. وحينما بدأت العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأفلام الفلسطينية المفقودة تحقق الانتماءان: فلسطين كتاريخ والسينما كذاكرة. المهم أن هناك أفلاماً تم جمعها وحفظها في الأرشيف الألماني الاتحادي، وهناك مشروع جاهز لبناء أرشيف في فلسطين وصدر “كتاب فلسطين في السينما” عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وهو بمثابة فيلموغرافية من 799 فيلما تناولت القضية الفلسطينية في العالم.
وقادت خطواتي الأولى، خصوصا بعد صدور كتاب “فلسطين في السينما” إلى إعادة إحياء الاهتمام بالفيلم الفلسطيني الذي بدا في نهاية السبعينيات في الأردن والذي صاحبه اهتمام عالمي من المخرجين التقدميين الأجانب الذين شرعوا أيضا في عمل أفلام مهمة عن فلسطين، وعرضت تلك الأفلام أكانت فلسطينية أو عربية أو أجنبية في أمريكا وانكلترا وفلسطين ومصر وفي أبو ظبي وفي مدريد…

كتابك (فلسطين في السينما) شمل أسماء 799 فيلما لعرب وأجانب، برأيك ماذا يخبرنا هذا الرقم؟.
 
حاولنا أن نوثق في الكتاب ما تم تحقيقه في العالم من أفلام حملت مع الزمن ذاكرة وهوية فلسطين وناسها لتكون هذه الأفلام مستقبلا هي أساس للأرشيف السينمائي الوطني الذي انصرفت جهودنا مع غيرنا لتأسيسه في فلسطين! ولا شك أن هذه الأفلام وغيرها كمرجع لا تسجل فقط تراجيديا الفلسطيني إنما أيضا تساهم في تسجيل صراعه ومعاناته التاريخية وهي إذ تخص ذاكرته تخص أيضا وطنه الفلسطيني!
وكما ينوّه فيصل دراج في مقدمة الكتاب: “استطاعت الأفلام عن القضية الفلسطينية أن تختزن ذاكرة غنية لا يمكن إغفال أهمية وضرورة الرجوع إليها، ما دامت تنتمي، بحق، إلى تاريخ الناس، وشكلت بالتالي، وفقاً لخصوصية هذا التاريخ، ذاكرة وهوية للشعب في فلسطين وفي الشتات. بهذا المعنى سجلت “الكاميرا”، في أزمنة مختلفة، ذاكرة فلسطينية حقيقية. (…) تصل بين ماضٍ لا يمكن نسيانه وبين مستقبل يحتاج إلى وعي بخبرة الماضي ليستقيم.
السينمائي الحق يتعامل مع قضية شعب، من حيث وجودها في فضاء شاسع متعدد التجارب والأماني والمنافي، على هذا تظهر فلسطين، التي تعامل ويتعامل معها فنانون من مختلف الجنسيات: من وعد بلفور إلى حصار غزة سنة 2008،  تتوزع على موضوعات متفرعة تقابل، المصائر المأساوية التي جاءت بها “النكبة” وقيام دولة إسرائيل”.

ما هي المشكلة الأكبر التي تعاني منها السينما الفلسطينية؟.

مشكلة السينما الفلسطينية الحقيقية كانت بقدر اقل وأصبحت بقدر أكثر، تكمن في عدم وجود أساس مادي إنتاجي لها وكانت المحاولات دائماً متواضعة الإمكانات. وجرت في بيروت، قبل الغزو بسنوات، محاولة لإنشاء مؤسسة للسينما الفلسطينية – على غرار مركز الأبحاث الفلسطيني – تتمتع بشخصية مستقلة وبميزانية خاصة، إلا أن الظروف السياسية لم تسمح بقيامها. ولم يكن أمام السينما الفلسطينية،  بعد ذلك، لتأسيس سياسة إنتاجية تتيح المجال أمام الإبداع الفني الذي يلتزم بنوعية جديدة للفيلم الفلسطيني… فليس المطلوب فقط، عمل أفلام عن فلسطين، إنما نوعية فنية جديدة للفيلم الفلسطيني..
ومما لا شك فيه أن الموضوع الفلسطيني خلق شكلاً فنياً خاصاً به. أكان القيمون عليه فلسطينيين أو عرباً أو أجانب. لذلك نستطيع القول إن هناك سينما موضوع فلسطيني من زاوية ارتباطها بالقضية والثورة والمقاومة.
إذا أخذنا عملياً تاريخ السينما التسجيلية (بشكل خاص كصورة للواقع) أو (كدور سياسي في الواقع) فسنجد الفيلم الفلسطيني ليس سياسياً إنما وجود فيلم كهذا يصبح حالة ناتجة عن سياسة وبالتالي يصب في السياسة بسبب الحالة وليس بسبب المادة التي يعالجها. الحالة تأتي من الاحتلال، من القمع، من المداهمة والاعتقال، من الاستيلاء على الأرض، من اضطهاد المواطنين الفلسطينيين في الدولة الإسرائيلية وما إلى ذلك. الحالة الحاضرة غير سياسية لكنها، شئنا أو أبينا تحضر الغائب الذي هو سياسي. هكذا أتصور الأمر، وإلا يتحول عشرات المخرجين الفلسطينيين والعرب إلى مخرجين سياسيين، بينما هم في واقع الحال غير ذلك.
في السينما التسجيلية لديك طريقتان، الأولى أن تصور الواقع كما هو، وهذا ما بدأت به السينما التسجيلية العربية، لكنها لم تصل لمنهج الفيلم الذي لا يتوقف فقط عند الواقع كما هو، إنما يذهب إلى كشف الأسباب الجوهرية التي تجعل الواقع كما هو الآن، هنا لابد من وجود منهج سينمائي يصل إلى اكتشاف ما وراء الواقع ويحلله.
من جهة أخرى إذا أخذنا التطورات التقنية التي جرت في التلفاز، فسنجد أن هذه التقنيات موظفة، أولا، لتغطية الأخبار في الفضائيات، وبالتالي نكتشف الآن أن الكثير من الفضائيات بدأت تهتم بإنتاج أفلام تسجيلية، إضافة إلى وجود محطات بدأت تختص بالبث الفيلمي الوثائقي والتسجيلي. لقد جرت محاولات كثيرة لتوظيف هذه التقنيات في صنع أفلام سينما، أي سينماتوغرافيا، بمعنى آخر، إن الذي تغير هو الشريط الذي يحفظ الصورة، أما طريقة المعالجة الفنية وبناء الصورة والصوت واستخدام تراث تاريخ السينما الفني والجمالي فقد بقيّ في جوهره سينمائياً. إذاً على المعيار ألا يتوقف عند استخدام هذه التقنيات فقط، وإنما أيضا عند كيفية استخدام هذه التقنيات وتوظيفها. إن كل الذين دخلوا إلى الساحة السينمائية في كل العالم كان عليهم  أن يؤهلوا أكاديميا قبل أن ينخرطوا في ممارسة صنع الأفلام، لأن التقنيات  الفيلمية كانت صعبة الاستخدام، أما التقنيات الحديثة فإنها من جهة تتيح لأي شخص أن يستخدمها في تصوير الأفلام. بحيث اصبحنا نرى (مخرجين) بخبرة متواضعة وتأهيل أولي، لكنهم يصنعون فيلمهم بدون مشاركة من كوادر أخرى، فهم يكتبون النص ويصورون ويمنتجون ويشرفون على كامل العملية السينمائية. وإذا تأملنا هذه الظاهرة في السينما العالمية فسنجدها حالة نادرة، أما الآن فهذه الحالة التي كانت استثنائية أصبحت قاعدة عندنا. ماذا نستنتج من ذلك؟..
يبقى السؤال كيف نستطيع أن نحاكم ما ينتج الآن من سينما فيديو، والذي يجد له مكاناً واسعاً حتى في الفضائيات المنتشرة، التي تستطيع استيعاب كم هائل من الأعمال على مدار ساعات البث المستمرة.
المسألة إذن كيف يتم استخدام التقنية في الفيلم وضمن أية معايير! هناك الآن تجارب إنتاجية مثلا في مصر وسوريا، يتم إنتاج فيلم سينمائي باستخدام التقنيات الحديثة (الديجيتال) وينقل فيما بعد على الأشرطة السينمائية التقليدية (قياس 35 ملم). المهم أن تتم معالجة الموضوع السينمائي وفقا لتقاليد وتراث السينما وجمالياتها؟..

إلى أي حد توحد منفاك الخاص بالمنفى الفلسطيني؟.

قضيت في ألمانيا وبعدئذ في سوريا سنوات حياة أكثر مما قضيتها في وطني العراق، لكن ما يربطني بسوريا هو أكثر مما يربطني بأي بلد آخر. غير أن علاقتي بسوريا ذات مفارقة ومحفوفة بالمشاكل لأنها ليست وطني، فأنا اخترتها وهي لم تخترني. عشت فترة في لبنان واخترت من ثم فلسطين، غير أن فلسطين ليست وطنا لأهلها حتى تكون وطنا لي، وأنا الآن مواطن ألماني لكن ألمانيا هي ليست وطني. أنا لست حرا في اختيار العودة إلى أي مكان، ومن الناحية الواقعية لا أجد في أي من هذه البلاد أو الأماكن أو الأوطان وطنا لي، مع أنى أتصرف كما لو أنها كلها أوطاني.

تكتب في النقد السينمائي والدراما.. كيف ترى حركة النقد عربيا في هذين المجالين؟.

يمكن النظر إلى حركة النقد السينمائي العربي نظرة تحليلية جادة، فمع حضور أسماء بارزة من أجيال مختلفة، إلا أن الجهود النقدية ارتبطت بالدرجة الأولى بالتناول النقدي في الصحافة اليومية، وظهر بالتالي في مراحل عديدة، ما يمكن تسميته بالنقد السينمائي الصحافي، الذي يتوجه بالنقد لعروض الأفلام في الصالات أو في المهرجانات أو في العروض الخاصة، ويمكن اكتشاف نوعية نقدية متنوعة ومختلفة، لكن ما يجمعها هو تناولها النقدي السريع للأفلام!
وظهرت الكثير من الكتب التي تم فيها جمع هذه المقالات والدراسات الفيلمية.
وإذا ما عدنا إلى تاريخ النقد الفيلمي في العالم فسنجد أن النظرة النقدية للأفلام لم تكن تتعامل مع الفيلم كمنتَج فني بمعزل عن فن السينما، بل بالعكس، كان النقد يتوقف عند هذا الفيلم أو ذاك ضمن سياق سينمائي تاريخي ويكتشف في بعض الأفلام انتماءها كتعبير بتيار ما أو بأسلوب ما وبالتالي البحث فيها عن تطور اللغة السينمائية وخصائص التعبير المبتكر الذي قاد إلى ظهور أشكال جديدة طورت من وسيلة التعبير ووضعت أمام السينمائيين والنقاد وحتى المشاهدين مهمة استقبال وتحليل مركبة وصعبة!

عقدت ندوة خاصة في مهرجان دمشق السينمائي الدولي، ساهم فيها نقاد عديدون من الوطن العربي ووضعت فيها أربعة محاور: دور الناقد وعلاقة النقد مع المجتمع، وهل النقد هواية أم علم؟ وما هي مهمة النقد الحديث وهل هناك صفات يجب أن يتمتع بها الناقد؟

تم التأكيد على أن الخطاب النقدي جاء إلى السينما من نظريات الفلسفة والأدب وهو آخر مولود لها، ومع أن بعض النقاد حقق بعض الانجازات الهامة في النقد، إلا أن النقد العربي السينمائي بقيّ ذاتياً وهامشياً.
انطلقت ممارسة النقد من تجارب نوادي السينما العتيدة في مصر وتونس ودمشق، وبتأثير من رواد النقد الأوائل أمثال صلاح دهني ورفيق الصبان واحمد الحضري، واخذ النقد، بعدئذ، ينتشر في الصحافة، خصوصا وان البلاد العربية لم تعرف المجلات السينمائية المتخصصة، على هذا ما زال ينظر إلى هذا النوع من النقد، الذي احتل الساحة، نظرة غير جادة.
إن حالة النقد ترتبط بالحالة السينمائية، فالنقد يتطور بتأثير السينما والسينما تتطور بتأثير النقد، دور الناقد، الأساس، في إقامة جسر ثقافي بين الفيلم والجمهور والمخرج وبين فن السينما نفسه، مما يتطلب من الناقد تملكه لأدوات تؤهله  لقراءة الفيلم وتحليله.

هل يجب أن يفهم الناقد أدوات التعبير السينمائي تقنيا وفنيا لكي يكتشف مفاتيح السرد في السينما؟ وإلى أي مدى يفهم النقاد التقنيات الحديثة، التي قلبت مفاهيم صنع الفيلم من الناحية الفنية والإنتاجية؟ وإن كان النقد ملكة يمنحها الله للإنسان، فإن الناقد، أكثر من ذلك، يحتاج إلى الموهبة والتذوق الفني! بدورنا نقول: ماذا على الناقد أن يعرف؟

عليه، أولا، أن يلم بالمناهج النقدية الحديثة، التي أعادت النظر، جذريا، في عملية تحليل الفيلم، ويبدو أنها، وحدها،  تؤهله لقراءة الفيلم ولاكتشاف مفاتيح تفسيره، عندها يستطيع أن يساعد المشاهد ويعينه في فهم الفيلم.
وعليه، ثانيا، أن يلم بنظرية الاستقبال الحديثة، لأنها تساعده، أيضا، في فهم المؤثرات المختلفة التي يخضع لها مشاهدو السينما!
أما في موضوع الدراما التلفزيونية، فإن المسلسل، الذي تمتد جذوره، كعمل درامي جديد، إلى الماضي، فإنه يوجد الآن ويتطور ضمن شكل جديد مميز وغير مألوف من قبل، وهو لم يكتسب شرعيته اعتباطا، إنما نشأ وينشأ تطوره الطبيعي وفق عملية شائكة، لكن أصبح وسيصبح من حقه، كجنس فني جديد، أن يتمتع بشرعيته الكاملة، كما أنه يستطيع، تدريجيا، أن يتحرر، من القيود التي تكبل حركة تطوره كفن.

كيف؟

من ناحية الشكل:
حاولت في دراسة شاملة لبنية المسلسل الدرامي التلفزيوني رسم معالم نموذج إجرائي، يتناول ليس فقط عناصر ووظائف البنية الدرامية السائدة إنما تحديد عناصر البنية العميقة الأساسية، لكي تساعد معرفتها على تحليل النص التلفزيوني الدرامي أو كتابته، وفق خصوصيته الدرامية والجمالية. ووضعت في خاتمة الدراسة وصفا موجزا لبعض العناصر الفاعلة في كتابته وفي إخراجه!
المشكلة الأولى هي سيادة نمط حكاية لدراما تلفزيونية متكرر، يتعارض مع زمن سرد هذه الحكاية. ومفهوم إن اختيار نمط الحكاية، منذ البداية، هو الأمر الحاسم في تطوير بنية المسلسل الدرامية.
وقد تم التعارف، لأسباب إنتاجية غير درامية، على كتابة وإخراج حوالي ثلاثين حلقة يحدد غالبا عرضها في شهر رمضان!
ويعتمد سرد الحكاية في هذه الحلقات ليس فقط على الحوار، بالدرجة الأولى، إنما على المحادثة اليومية. وإذا ما انتبهنا إلى وظيفة الحوار فسنجده ينفصل عن أداء مهمته الدرامية ويتحول، غالبا، إلى محادثة يومية، لا ينتج عنها سوى الحشو والتكرار والإسهاب. وبما أن المحادثة ليس لها زمن سردي موجب، فإنها في هذه الحالة تشترك في مجرى الزمن الواقعي، وتنتقل من زمن الحكاية الخاص إلى زمن سرد الحكاية الخاص، وتقود بالتالي، إلى تطويل زمن السرد، عبر هيمنة الزمن الواقعي ـ زمن البث ـ على حساب حضور الزمن الفني ووظيفته في سرد الحكاية. وينتج عن ذلك علاقة، غير متجانسة وخلل كبير في بنية السرد الدرامي التلفزيوني.
كما نرى، فان العملية الفنية ترتكز على مرحلتين: الأولى، مرحلة كتابة النص الدرامي الأدبي من قبل المؤلف. والثانية، مرحلة كتابة نص التصوير – الديكوباج – من قبل المخرج. ولا شك أن مرحلة الكتابة الثانية هي عملية إبداعية فنية وفكرية معقدة، وتستطيع أن تعيد، إلى حد ما، التوازن إلى بنية النص الفني، وتخفف من مظاهر الخلل التي تنشأ فيه من اتساع بنية النص اللافني في نسيج النص السردي الفني. غير أن أسلوب الإنتاج وتقاليده تتوقف، في الغالب، عند النص الأدبي الأول، وتلغي، غالباً، الكتابة الثانية! من هنا يصبح غياب الديكوباج في العملية الفنية التلفزيونية غيابا للفرصة، التي يمكن أن يعاد فيها التوازن إلى العمل الفني، الأمر الذي يصيب، أيضاً، مرحلة التصوير بالخلل ويجعلها عاجزة عن إيجاد حلول سردية خاصة تنتمي إلى بنية النص الفني.

أما من ناحية المضمون:
فنرجع إلى الكاتب الدرامي أسامة أنور عكاشة صاحب “ليالي الحلمية” و”ارابيسك”، الذي يرى أن سقوط الدراما المصرية، عموماً، أنها وقعت في فخ المنتج التاجر، الذي استطاع أن يبعدها عن تناول مشاكل المواطن المصري الحقيقية، كما: “إن وحش المعلن استولى على شاشات التلفزيون، المغرية بالنسبة للجميع والمشاهدة من قبلهم. وأصبح المهم، بالنسبة له، أن يجيب النجم ويدفع له الملايين لتتفصل عليه أي حدوتة، كنوع من التوليف أو التلفيق، بهدف اللحاق بقمة موسم الإعلان في رمضان الذي تحول إلى سوق للأعمال الدرامية”!
كذلك يؤكد محفوظ عبد الرحمن الكاتب الدرامي الكبير: “أن المعلن، هو من يحدد ماذا يظهر من أعمال درامية، في التلفزيون، إلا أنه لا يعرف الدراما ولا يعرف الناس، إنما يسعى لإنتاج عمل براق ليسوّق سلعته” في سوق عكاظ الرمضاني! حيث تجلس كل الناس أمام التلفزيون وتنتظر مشاهدة مسلسلاته الثلاثينية، التي تخطط الفضائيات العربية لإنتاجها أو دعم إنتاجها قبل عام!
   
مررت بعملية توقف طويلة بعض الشيء قبل أن تعود بسلسلة مياه تحت الاحتلال، لماذا توقفت وكيف عدت؟

أنا في الواقع، كسينمائي، توقفت عن الإخراج فترة طويلة، لأن كل ما حاولت أن أنجزه من مشاريع سينمائية، لم تجد من يموّلها. لكني، كسينمائي، تابعت عملي الفني والثقافي، ولم أتوقف! منتجت أفلاما وكتبت عن السينما ونفذت ورشات عمل سينمائية مهمة وكتبت سيناريوهات لأفلام روائية. وعندما جاءتني فرصة عمل مجموعة أفلام “مياه قيد الاحتلال” وجدت فيها محاولة لعمل تجربة مختلفة في المشهد التلفزيوني-السينمائي العربي، كان طموحها، بغض النظر عن أهمية الموضوع الذي يعالجه العمل “مياه قيد الاختلال” في حلقات تسع، إلا أن المحاولة أرادت الذهاب إلى ابعد من  “المـــــــاذا” التي يتناولها العمل إلى “الــكيـــــف” الذي يعالج فيه العمل موضوعه، فالموضوع، في هذه الحالة، يتم تقديمه فنيا، وبالتالي يتحول إلى  موضوع فني يتطلب معالجة فنية مناسبة. 
النتيجة “سلسلة” أفلام تسجيلية ، تروي “حكاية مفتوحة” في تسع حلقات، كل حلقة منها تروي قصة مغلقة مكتملة، وترتبط كل حلقة، في نفس الوقت، بالعلاقة مع الحلقات الأخرى. من هنا يمكن مشاهدة قصة- كل حلقة على حدة، كما يمكن أيضا مشاهدة الحكاية-المفتوحة كاملة في تسع حلقات متتابعة.


إعلان