أفلام أردنية قصيرة تستلهم الوثائقي والكرتون

 
أقامت الهيئة الملكية للأفلام في العاصمة الأردنية عمان عروضاً لجملة من احدث الأفلام القصيرة التي حققها مخرجون أردنيون شباب ضمن متطلبات دراستهم في “اس ايه اي” وجامعة اليرموك ومعهد في مجال صناعة الأفلام.

غلب النوع الوثائقي وتقنيات الرسوم المتحركة على العروض التي كان من بينها: “تهجير الشركس” لمحمد مريان، و”محمد علي” لعمر عبد النبي، و”بيبي” للين فاخوري, و”شيري” لريم عمري و”رحلة العشرة دولارات” لمحمود الشولي بالإضافة إلى الأفلام الروائية القصيرة المعنونة: “عندما تغرب الشمس” لسلمان عواملة, و”سلمى والذئب” لفادي العمرات, و”خيانة عيد الميلاد” لإبراهيم القاضي, و”الإمبراطورية المستعمرة” لعاصم العمري.

لفتت تلك الأفلام إلى مواهب وقدرات بصرية أردنية شابة تنضم إلى حصيلة تلك الجهود في حقل صناعة الأفلام الوثائقية والرسوم المتحركة وهي تتفاوت بين الاشتغال على العناصر والمفردات في الفيلم الوثائقي والصور المتحركة ثلاثية الأبعاد والروائي القصير.

 ارتكزت تجربة الفيلم الوثائقي “تهجير الشركس” لمحمد مريان على حوارات يحتل فيها مدرب الرقص الشركسي الحيز الواسع كاشفاً عن أشياء وتفاصيل تتعلق بهوية الشركس والظروف التاريخية والاجتماعية والسياسية التي وجدوا أنفسهم فيها موزعين على بلدان إسلامية جراء الصدام مع روسيا القيصرية.

وخاض الفيلم بقوة في هذه الشريحة الإنسانية من خلال رقصات وتدريبات على الرقص تحمل إشارات ودلالات عميقة عن الظروف والأحوال والعادات والتقاليد السائدة في مجتمعهم.

وفي منحى آخر أظهر العمل فئة جديدة من هذه الشريحة الإنسانية التي تأخذ حيزا في النسيج الاجتماعي للأردن وقد وجدت نفسها تنصهر في بوتقة المجتمع المعاصر لكنها لا تفقد الحنين إلى ارض الأجداد.

افتقر العمل إلى كثير من الحقائق والأحداث التي تتعلق بموضوعه نظرا لضآلة ميزانيته والبساطة الشديدة التي رغب تقديمها بينما كان يمكن أن يعمل على تضمينه بالعديد من المواد الفيلمية المستمدة من الأرشيف بحيث تثري العمل وخطابه الإنساني وتزيد من ذائقته الجمالية دون أن يكتفي بسرد الشهادات المباشرة من وراء المايكروفون!.
 

جاء فيلم “بيبي” لفاخوري من نوعية رسوم الكارتون المليء بالمواقف والدعابات الآسرة عن شخصية امرأة عجوز تجد نفسها فريسة العزلة والوحدة وتتواصل مع الخارج عبر شاشة التلفزيون كان يمكن للعمل أن يصل ذروته وبهجته لولا ذلك الإصرار على التغريب للأحداث الذي افقده صدقه وحميميته.

لكن المخرجة في إطلالتها الأولى على هذا النوع من الاشتغال البصري اقتحمت بجرأة مواضيعها من تلك القضايا والمواقف الحيوية التي يتعايش فيها أفراد وجماعات مثقلون بهموم العولمة والبطالة والكوارث والحروب والعزلة.

وتضمن الفيلم الكارتوني الثلاثي الأبعاد “شيري” لمخرجته ريم عمري وقائع ومواقف رومانسية طافحة بالأحاسيس والمشاعر وتدور قصته حول امرأة في خريف العمر تبحث بكل طاقتها عن التواصل الإنساني الذي تجده في متعة الذهاب إلى صالة السينما بدا فيها الفيلم وكأنه مثقل بإيقاعه البطيء لكنه لا يغفل تلك التفاصيل الدقيقة في حراك شخصياته الرئيسية بين أمكنة تتدرج فيها الألوان ودرجات الضوء وإن ظلت تعوزه الحيوية والرشاقة التي تتسم بها هذه النوعية من الأفلام.

وعلى الرغم من رؤيته الإنسانية العميقة تجاه بطله الذي يعيش على هامش المجتمع فان المخرج الشاب محمود الشولي بفيلمه الكارتوني “رحلة العشرة دولارات” يقع في فخ الاستعراض المجاني في كثير من أحداثه التي ظهرت وكأنها منتزعة من قصص مثيرة ويحسب له فطنته في إلمامه بمفردات بصرية وزوايا تحكم رؤيته المشهدية للعمل الكارتوني.

 في الفيلم الوثائقي “محمد علي” يختار المخرج الشاب عمر عبد النبي بطله من واقع حقيقي في زحام العاصمة يوزع وقته بين الجامعة والعمل خارج ساعات الدراسات كمتطوع في خدمة المجتمع المحلي أو البيع على أرصفة الطرقات بصحبة والده رغم العراقيل التي يواجهها من القائمين على نظافة وتنظيم البيع على الأرصفة.

وترك المخرج لبطله أن يسرد جوانب من حكايته وحالته الاجتماعية على ارض الواقع سواء بين أهله أو في حرم الجامعة أو في قيامه بالبيع وكل ذلك على إيقاع أغنية وموسيقى من الفولكلور الأردني في إظهاره لقوة الإرادة الإنسانية المفعمة بالأمل والطموح.

 أكثر ما لفت بأغلبية الأفلام هو الإصرار العنيد على إبراز التكوينات والتشكيلات البصرية دون أن يتوازى ذلك مع رؤية العمل الوثائقية والدرامية.

اعتبر عدد من النقاد والمهتمين أن تلك الأفلام بمثابة بشائر أمل لصناعة الأفلام الأردنية القادمة التي تعانق الهموم والتفاصيل السائدة في الحياة اليومية في تقنيات وأساليب سمعية بصرية مبتكرة ترنو إلى مواكبة ما وصلت إليه لغة الفيلم الوثائقي من قدرة وبلاغة في التعبير والتأثير.

عملت الهيئة على انتقاء وعرض ومناقشة تلك الأفلام بحضور صانعيها من المخرجين والمخرجات الشباب في نقاش وإشراكهم في الجدل الذي دار حول الأفكار والأساليب ورؤاهم الجمالية وعلاقتهم بتلك التيارات والمدارس والمناهج في السينما العالمية.


إعلان