“حالة بنيامين بوتون”: الأوسكار أو الاعتراف المتأخر

عشية حفل الأوسكار تتوجه الأنظار والأضواء نحو الفيلم صاحب الثلاثة عشر ترشيحاً “حالة بنيامين بوتون الغريبة”. وكما هي العادة في فبراير من كل عام تتمحور النقاشات حول الأفلام المرشحة، مستواها وخلفياتها وكواليسها وأسرارها. وأسرار هذا الفيلم غريبة كقصته، أبرزها تلك المتعلقة بصاحب القصة الأصلية الكاتب الأميركي سكوت فتزجيرالد (1896 – 1940) والتي أخذ الفيلم عنوانها الحرفي، وهي أنه عمل في سنواته الأخيرة في هوليوود كاتباً وسيناريست من دون تحقيق أي نجاح أو انتزاع أي فرصة لإثبات نفسه. فهل الاحتفاء باسمه وأدبه واعتراف هوليوود بأنها بقيت لعقود عاجزة عن تقديم فكرة قصته هذه، اعتذار متأخر له؟

قبل 28 عاماً بدأ العمل على التجسيد السينمائي لقصة فتزجيرالد التي نشرت مطلع عشرينيات القرن الماضي أي في عزّ “عصر الجاز الأميركي” الممتد بين 1918 و1929، والذي كان فتزجيرالد أبرز اصواته الأدبية روايةً وقصةً، وقصة “بنيامين بوتون” ليست سوى واحدة من قصص “عصر الجاز” رغم أن صناع الفيلم غيروا مصيرها هذا (سنعود لهذه النقطة لاحقاً) وهي رغم كونها قصة قصيرة الا انها ترصد حقبة تاريخية مهمة في عمر الولايات المتحدة وتركز تحديداً على الحرب العالمية الأولى وتحولات المجتمع الأميركي خلالها وبعدها، وليست صعوبة تنفيذها عائدة الى العصر الذي ترصده أو لعبة “الحب والموت والزمن”، بل بسبب اللعبة الجوهرية للقصة: “العمر التراجعي”، والتي بقيت العوائق التي تحول دون تنفيذها تقنيةً حتى الأمس القريب. 
فبنيامين بوتون وفق فتزجيرالد يولد عجوزاً ويروح يصغر يوما بعد آخر حتى يصبح كهلاً ثم شاباً ثم طفلاً، وحين أراد منتجو الفيلم تجسيد فكرة “العمر التراجعي” هذه فكروا بأربعة ممثلين يجسدون شخصية بنيامين في مراحل مختلفة من عمرها بينهم روبرت ريدفورد  لدور العجوز وبراد بيت لدور الشاب… لكن هذا الحلّ لم يرض أحداً من المخرجين الذين طمحوا الى اخراج الفيلم، وهم كثيرون، بينهم سبيلبرغ وورون هوارد وسبايك جونز.. الى أن أمسك ديفيند فنشر (مخرج “سبعة” و”اللعبة” و”نادي القتال”) السيناريو، الذي استقرت كتابته بعد عدة محاولات على إريك روث، وقال بفرح وتحدّ للمنتجين: “لا تقلقوا .. سأخرج هذا الفيلم ومع بطل واحد ووفق مؤثرات صورية عالية”.
يتكلم فنشر للصحافة عن القلق الحقيقي الذي اعترى المنتجين، لكنه وبراد بيت أرادا أن يلعب الأخير دور بنيامين بوتون منذ الولادة وحتى الموت، ودعم فنشر رغبته هذه بالامكانيات التكنولوجية المتوفرة اليوم والتي يجيد استخدامها وفق تعبيره.

بين قصة فتزجيرالد وفيلم روث وفنشر
ان كان أي قلق لم يعتر فنشر من الناحية التقنية الا أن الانتقادات حول الوفاء لقصة فتزجيرالد الأصلية وفكره ورؤيته ستؤرقه من دون شك. فالبعض لم يعثر في الفيلم من القصة الأصلية الا على العنوان، وآخرون رأوا أن الفيلم شوّه القصة… أما فنشر فيردّ عليهم بانه نفذ سكربت روث، الذي نال عن فيلمه “فورست غامب” اوسكار أفضل سكربت منقول، والآن هو مرشح للقب نفسه.
اذاً نفّذ فنشر نصّ روث الدرامي، فأي قصة وعن أي بنيامين كتب روث؟ يجيب أنه كان مخلصا جداً للفكرة الجوهرية للقصة: “العمر التراجعي”، مع حرية كبيرة في التصرّف بما عدا ذلك، فهو سيناريست “كاتب دراما” وقد قام بعمله “حوّل القصة الى دراما”. وحين يُسأل عن مساحة الحرية  التي تحرك فيها يقول انها كانت كبيرة، لقد سمح له المنتجون باطلاق العنان لخياله شرط عدم المساس بأمرين: العمر التراجعي (وهذا بديهي) وقصة الحب بين بنيامين وديزي (تقوم بالدور كيت بلانشيت) وهي في رأي فينشر من اجمل قصص الحبّ وأكثرها جاذبية وواحدة من أبرز العناصر التي جذبت فنشر لاخراج العمل.

زمن اعصار كاترينا بدل زمن الجاز
التعديل الأكبر والأبرز الذي أجراه روث على القصة الأصلية هو الحقبة الزمنية التي يدور خلالها الفيلم، فقصة فتزجيرالد تبدأ العام 1860 وتنتهي خلال الحرب العالمية الثانية، أما روث فأراد أن يولد بنيامين مع الحرب العالمية الأولى ليمرّ الفيلم بالحقبة المعاصرة ويقفز الى القرن الواحد والعشرين وتحديداً اعصار كاترينا (2005) حيث ديزي زوجة وحبيبة بنيامين عجوز معمرة بينما تحتضر في احد مستشفيات “نيو اوليانز” تروح تروي حكاية الرجل الغريب الذي ولد عجوزاً ومات طفلاً وتزوجته بينما كانت هي في العقد الثاني وهو في العقد الخامس، وكيف أنه رغم كونهما من جيل واحد الا أنها كبرت في السنّ بينما هو بعكسها صغر.

ويردّ روث سبب هذه النقلة الزمنية الى رغبته في أن يؤرخ للحقبة المعاصرة، والتغييرات التي عصفت بأميركا بعد وفاة فتزجيرلد وفق رؤية الأخير الفانتازية وروحه الساخرة. من جهة ثانية يُلاحق روث في كل مكان بشبح “فورست غامب” الفيلم الذي نال عن كتابته الأوسكار، وحين تكثر المقارنات والتساؤلات يؤكد روث أنه متأثر بفورست غامب فهو كاتبه!! ولكنه يرى أن فيلمه الجديد أكثر نضجاً وعمقاً، موحياً بأن من يفهم هذا العمق لا بدّ من أن يمنحه اوسكاراً جديداً!

رغم التغييرات التي أجراها على قصته يصرّ روث على أنه  حافظ على روحها، ويتمنى أن ينال الفيلم اعجاب فتزجيرالد ورضاه.
يحقّ لفتزجيرالد أن يكون راضياً، فبعدما خذلته كسيناريست ولم تمنّ عليه بأكثر من كتابة سيناريو واحد قبل وفاته بثلاث سنوات ووضع حوار قصير في فيلم “ذهب مع الريح”، ها هي رياح هوليوود تواتيه وتعيد اليه الاعتبار واضعة اسمه تحت الأضواء، دافعة كثيرين لاعادة اكتشافه، وقراءة مجمل أعماله.. يذكر أنها ليست المرة الأولى التي تقتبس فيها قصص وروايات فتزجيرالد درامياً لكنها لم تحظ بهذه الشهرة وهذا الصخب، اذ تحولت الكثير من قصصه القصيرة الى أفلام تلفزيونية، كما اقتبست روايته “غاتسبي العظيم” الى فيلم سينمائي عام 1974 قام ببطولته روبرت ريدفور.

دعوى حقوق ملكية
في ايطاليا والمحاكم الرومانية تحديداً يدور فصل آخر من فصول ضوضاء فيلم “الحالة الغريبة لبنيامين بوتون” اذ رفعت كاتبة ايطالية تدعى أدريانا بتشيني دعوى ضدّ منتجي الفيلم تتهمهم بسرقة فكرة قصتها! ورغم أنها لم تنشر القصة الا أنها تدعي تسجيلها في سجلات حقوق الملكية الفكرية الايطالية، قبل ارسالها الى أميركا للعمل على تحويلها الى عمل درامي. ان كانت تعني ما تقول فسيكون علينا اتهامها بسرقة فكرة قصتها من فتزجيرالد، ويبدو أن الصحافة الأميركية فطنت لأمرها ورغبتها في جذب الأضواء الى مسرحها، فتجاهلتها تماماً غير سامحة لها بالتشويش على طفل الأوسكار المدلل لهذا العام ونجم الترشيحات وشبك التذاكر “بنيامين بوتون”. 

استعدادات الأوسكار في هوليود

أوسكار فتزجيرالد
مهما كان عدد التماثيل الذهبية التي سيحملها صناع فيلم “حالة بنيامين بوتون الغريبة” من الثلاثة عشر تمثالاً المفترضة فقد رُفع أوسكار فتزجيرالد في سماء هوليوود قبل اعلان النتائج بقليل لكن بعد أن توقف هو نفسه عن انتظار هذا التكريم.


إعلان