الدورة 59 لمهرجان برلين السينمائي

بين الاهتمام بالواقع وخيالات الدراما السينمائية
رفع الستار يوم 28 يناير الماضي عن برنامج فعاليات الدورة الـ59 لمهرجان برلين السينمائي العالمي المعروف بـ”برلينال” وذلك بعد ترقب وتردد وتساؤلات عن مدى تأثير الأزمة المالية العاليمة في الفن السابع. ولعل ما يزيد من قيمة دورة مهرجان برلين لهذا العام هو أنها تناسب الاحتفال بالذكرى العشرين لسقوط جدار برلين. ولعل هذا هو السبب في مشاركة عدد قياسي من الأفلام الألمانية إذ يشارك 98 فيلما من إنتاج ألماني او اشترك في إنتاجها مخرجون أو ممثلون ألمان في فعاليات المهرجان.
 
وقد كشف مدير المهرجان ديتر كوسليك Dieter Kosslick الذي يرأس المهرجان منذ سنة 2001 ويعرف بتعنته وتشدده وكذلك تجديده الدائم، عما يمكن اعتباره شعاراً للدورة الحالية للمهرجان بقوله “إن الاهتمام بالواقع في الافلام المعروضة في هذه الدوة قد تجاوز الاهتمام بالدراما وخيالاتها”. وتدور فعاليات المهرجان من الخامس إلى الخامس عشر من فبراير الجاري. ويشارك في فعالياته أكثر من 380 فيلما من 120 دولة تتوزع على مسابقات مختلفة ومحاور متعددة. ففي المسابقة الرسمية يشارك 26 فيلما ينافس 18 فيلما من بينها للحصول على الدّب الذهبي رمز المهرجان ورمز مدينة برلين كذلك.


صورتان للدب الذهبي رمز مدينة برلين ورمز البرلينال

افتتاح مهرجان برلين الذي يعد أكبر مهرجان سينمائي عالمي من حيث عدد المشاهدين سيتم يوم 5 فبراير بعرض الفيلم ذي القصة المثيرة “العالمي the international ” الذي يعالج مشكلة التداول العالمي للاموال واستثمارها في المحرمات، إذ يلاحق الانتربول مؤسسة بنكية متهمة بتمويل الإرهاب. هذا الفيلم من إخراج توم تيكوه Tom Tykwer . كما تُعرض عدة أفلام شهيرة مثل “عقول خطرة ” لجورج كلوني و”زهور الشر” للمخرج الفرنسي كلود شابرول و”جراح صغيرة” لباسكال بونيتو.
 لجنة تحكيم المهرجان لهذا العام ترأسها السينمائية الاسكتلندية تلدا سوينتن Tilda Swinton وتضم كذلك كاتب الدراما البولسية هنيش منكال والمخرج المسرحي كريستوف شلنغنزيف والمخرجة الاسبانية إزبال كواكسات، كما تضم لجنة التحكيم المخرج قاستون كابوري من بوركينا فاسو والمنتج السينمائي الامريكي واين وانغ. مفاجأة لجنة التحكيم تتمثل في مشاركة أليس واترز صاحبة مطعم “عند بانيس” الهوليودي التي تعرف
بطباخة مشاهير هوليود. وقد سبقت لها المشاركة في لجان تحكيم مهرجانات أخرى عديدة. إلى هؤلاء سيستقبل المهرجان عددا من النجوم مثل كات وانسلي، ميخائيل بفايفه، ديمي مور، كليف اون وغيرهم.
ومما يشد انتباه الجمهور هذا العام الأفلام الوثائقية ففيلم فود إنك Food inc. للمخرج روبرت كاننه Robert Kenner ويترقبه المتفرجون بلهفة لانه يطرح بشكل فاضح واضح مشكلة الغذاء العالمي من زاوية التعديل الجيني للغذاء ويوثّق لزراعة البندورا / الطماطم وكيف تزرع في فلادلفيا بالولايات المتحدة ثم يقع تعليبها بالأوروغواي لتباع من جديد في أسواق نيويورك الامريكية. والطريف في هذا الفيلم أنه يذكر أسماء الأشخاص والأماكن والشركات المعنية بالمشكل صراحة ودون مواربة. اما الفيلم الوثائقي الثاني فهو فيلم “عالم عمال النظافة الغريب” وهو فيلم ألماني يعرض فيه المخرج نزلا فاخرا في مدينة برلين يرسل لحافات الاسرة والأغطية الوسخة إلى دولة بولندا المجاورة ليتم غسلها بسعر منخفض ولا يعرف عمال الغسل شيئا عن هوية ما يقومون بتنظيفه يوميا. الطريف في هذا الفيلم أن عمال التنظيف هؤلاء قد وقعت دعوتهم لحضور أول عرض للفيلم وسيقيمون في النزل الذي يعملون لحسابه.
مهرجان برلين العالمي لا يخلو كعادته من مشاكل وتساؤلات ومطارحات. فقد رافق إعلان البرنامح جدل حول عرض الفيلم الإيراني “رسالة إلى الرئيس”. يتلخص المشكل في أن الفيلم يعرض صورة أخرى عن الرئيس الإيراني غير تلك التي تتردد في الغرب. إذ يعرض الوجه الإنساني للرئيس الايراني الذي لا يكاد يُعرف في الغرب إلا من خلال معاداته للغرب وبالاخص لإسرائيل. معارضو الفيلم لوحوا بالاعتصام والتظاهر ضده. أما إدارة المهرجان فلم تتأثر لهذه الحساسية، وقالت إن هذا الأمر مألوف لديها عندما يتعلق الأمر بعرض الأفلام الإيرانية. “رسالة إلى الرئيس” من إخراج المخرج التشيكي بيتر لوم وهو من إنتاج كندي – إيراني ويسعى إلى دفع الحوار بين الغرب وإيران.
المواضيع العامة المطروحة في هذا المهرجان تتراوح بين موضوعي الأزمات والمشاكل العالمية من جهة والعائلة كمؤسسة اجتماعية يلوذ بها الفرد إذ تتزايد عليه الضغوط الخارجية. وتعبر هذه التعادلية عن مزاوجة دأب عليها المهرجان بين عالمي الحقيقة والخيال.
المتغيب بامتياز عن هذه التظاهرة العالمية هو الأفلام العربية. غير أن ما يمكن أن يذكر الجمهور بالعالم العربي ويشد الحنين إلى فترة متميزة من تاريخ المنطقة العربية هو عرض الفيلم القديم “لورنس العرب” (1961) للمخرج ليفد لين على هامش المهرجان وضمن تظاهرة “ذاكرة البرلينال” احتفاء بمؤلف موسيقى هذا الفيلم الموسيقار المعروف موريس جارّ Maurice Jarre .


سكان برلين تعودوا تحدي الطقس البارد

برمجة مهرجان برلين السينمائي في مثل هذا الوقت من السنة تتناسب مع فترة البرد التي تشتد في أوروبا في هذه الفترة من السنة وتنعدم فيها الشمس ويزيد الاكتئاب. بتجوالنا في شوارع برلين وحديثنا إلى الناس لمسنا تعطشهم للمهرجان ككل سنة، فالمهرجان يمثل بالنسبة إليهم بارقة الربيع الأولى ومناسبة للخروج إلى الشارع في سبات شتوي عميق.
مهرجان برلين السينمائي في سطور:
مهرجان برلين العالمي للسينما هو مهرجان سنوي من الصنف الأول “أ”. ويبلغ عدد المشاهدين سنويا ما يقارب 430000 يفدون عليه من شتى المدن الألمانية والاوروبية والعالمية وهذا ما يجعل الحركة السياحية في برلين تشهد أوجها. كما يتابع المهرجان ما يزيد على 4200 صحفي متخصص يفدون من ما يزيد على 120 دولة.
بُعث مهرجان برلين السينمائي إلى الحياة سنة 1951 في برلين المحررة من قبل الحلفاء. لكنه بقي في إطار محلي يلعب فيه الجمهور دور لجنة التحكيم ويخضع لطابع يومي بسيط. تواصل ذلك إلى سنة 1956 وهي السنة التي دعيت فيها لاول مرة لجنة تحكيم عالمية. وتعود فكرة تأسيس مهرجان برلين السينمائي إلى أسكار مارتاي وهو ملحق سينمائي بالجيش الأمريكي ساهم ماديا وأدبيا في تأسيس المهرجان ودفعه. وقد التأمت الدورات الأولى من المهرجان وحتى سنة 1977 في الصيف. ثم تحول المهرجان بدءاً من 1978 إلى مهرجان شتوي يعقد في شهر فبراير من كل سنة.
وقد مر مهرجان برلين في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بفترة تقلبات تبعا للظروف العالمية وقتذاك. إذ استمر منع أفلام أوروبا الشرقية من المشاركة إلى سنة 1970 حيث عرض أول فيلم من الاتحاد السوفييتي وكان ذلك جرّاء سياسة الانفتاح على الشرق التي اتبعها المستشار الالماني فلي برانت. فساهم ذلك في دعوة أول فيلم من ألمانيا الديمقراطية للمشاركة سنة 1974.

إعلان