المخرج المغربي محمد إسماعيل: السينما أداة تواصل
وأرفض احتكارها من طرف مصر وسوريا
حاوره : فوزي بن جامع
قالت عنه زوجته- ماريا الصقلي- إنه عصبي جدا قبيل إقدامه على عمل جديد، هادئ بعده. وكل هذا عنوان لنجاحاته، هو المخرج المغربي – محمد إسماعيل- ابن مدينة تطوان-، خريج كلية الحقوق، أحب السينما والإخراج فأحباه، ومنح لهما كل وقته وجهده من خلال أعماله على غرار: رجال الليل، نافذة على الحياة، لن أعود، والوجه والمرآة.. نلمس تلك العلاقة المميزة بينه وبين الإبداع، ونراه ربانا متألقا لسفينة الإخراج في بحر السينما العربية والمغاربية، وها هو يفتح قلبه لموقع الجزيرة الوثائقية ويتحدث بكل عفوية عن السينما وخصوصا الأفلام الوثائقية منها وأشياء أخرى نكتشفها في هذا اللقاء:
بداية، مثلما صرحت مرارا بأنك متابع وفيّ للأفلام الوثائقية، فهل هو استمتاع وتعلق أم لك وجهة نظر أخرى؟
الأفلام الوثائقية حياة وروح، هي تلك المعادلة التي نراها في شاشات التلفزيون، مطبوخة بشكل توثيقي وأنا أحب الطبخ في هذا اللون من السينما، أعتبرها مرآة عاكسة لثقافات الشعوب وحديثا مميزا عن تاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم المميزة وأشير فقط إلى تلك الأفلام التي تنتج في الوطن العربي رغم قلتها بأنها غير جامعة للمحيط العام للشعوب العربية وتجد منافسة شرسة من قبل الأفلام المنتجة في الدول الأوروبية، ولكن أنا صراحة مدمن عليها وأعتبرها رابع أبنائي.
أين تصنفه بين الألوان السينمائية الأخرى؟
هناك بعض الافلام الواقعية القريبة في شكلها الخارجي للفيلم الوثائقي، وهناك تواصل بين المضامين ولكن يبقى لها طابعها الخاص والمميز، وبالنسبة لي أعتبر ذلك أول اهتماماتي لأنه تقليص للواقع، وحبكة مميزة لما يعيشه المواطن، فتلك الحكايات تلامس الواقع المعاش وتصاغ في قالب درامي مميز وتكون قريبة من الشعوب واهتماماتهم، فهي بعيدة عن سينما المؤلف ولكن قريبة من سينما الجمهور.
لك باع طويل في المجال السينمائي الذي أفرز عديد الأعمال المتنوعة، كيف ترى واقع السينما العربية حاليا؟
بصراحة ووضوح أنا غير راض تماما عن واقع السينما العربية، التي مازالت تحتكم إلى الجهوية والمحسوبية في التعامل من المنتجات السينمائية، فمصر مثلا تخلت عن الإنتاج السينمائي الملتزم وفي سوريا نلاحظ اضمحلالا كبيرا للرؤية الدرامية للأحداث فأصبحنا نلاحظ أفلاماً بعيدة كل البعد عن احتياجات الجمهور، وفي غالب الأحيان أجلس مع قهوتي لأسرح بخيالي متأملا حال السينما عندنا وكذا الرهانات المستقبلية القادمة التي تنتظرنا وكلي أمل في التطور نحو الأمام، فقط علينا إذابة الجليد بين ثنايا وطننا العربي، مشرقاً ومغرباً وخليجاً.
هل هناك تقزيم للسينما الفرنكوفونية في المشرق والخليج أم أن الهوية اللغوية هي العائق؟
صحيح، هناك هجوم كبير على السينما الفرانكفونية وأكرر أن مصر تحتكر الآراء والمواقف والأعمال وتحاول تغييب الأعمال المغاربية وهذا ما أعاق أعمالنا عن الدخول إلى الأسواق المختلفة في الخليج والدول المشرقية، وقد بادرنا حتى إلى تمرير مجموعة من الأعمال مجانا ولم تقبل مصر بهذه الفكرة، أما عائق اللغة فأظن أنه سيتلاشى مع مرور الوقت، وتبادل الأعمال والخبرات سيساعد على تقريب العادات والتقاليد بين شعوب المنطقة العربية، وباختصار فالأنظمة العربية وبعض الشركات تحارب المنتجات السينمائية المغاربية وهناك شركة مصرية في الإمارات تحتكر العروض وترفض تمرير الألوان السينمائية الخاصة بمنطقة المغرب العربي وأنا أقدر صعوبة هوية اللغة عندنا ولكن مع مرور الوقت أكيد أننا سنتجاوزها، وأنا من مشجعي التعاون المشترك وإن شاء الله تزول الحساسيات السياسية بين البلدان وترفع راية السلام عن طريق السينما.
نعود للفيلم الذي أثار الكثير من الحبر وهو– وداعا أمهات- ما سر ذلك؟
هو عبارة عن صفحة من تاريخ المغرب ولا يجب تجاهلها وأدرك جيدا نتائج وتبعات الفيلم ولكنني أوثق الأحداث بعين سينمائية، وقد أثار العديد من المواضيع المسكوت عنها، ففترة هجرة اليهود المغاربة خارج المغرب إلى أمريكا اللاتينية وإسبانيا وفرنسا كانت صعبة جدا نظرا لتسييس هذا الموضوع، وقد هدفت إلى إطلاق مبادرة للسلام والتعايش الأخوي بين المغاربة وقرنائهم من اليهود الذين عاشوا بالمغرب ونسبتهم هي 10% من السكان وسبب هجرتهم هو تلك المعاناة التي كانوا يعيشونها بين 1960 و1961 بعد أن طردوا من كل مكان بالعالم وحتى إسرائيل رفضت استقبالهم مما دفعهم إلى الهجرة، وأنا لا أتعاطف مع اليهود بصفة عامة ولكن أنا مع من لهم أصول مغربية، ولا أرى بعين إيديولوجية ولكن بأخرى إنسانية.
ما سبب تكرار فكرة الهجرة عند اليهود المغاربة خصوصاً وأنه قد تم تناولها في فيلم –”ين ما شي يا موشي”؟
أريد أن أتحدث عن الموضوع لأزيل بعض اللبس الحاصل في هذه النقطة، وهو أنني لم أكن أعلم بالفيلم الثاني الذي كان يصور في نفس الوقت، فالصدفة لعبت دورها في الموضوع، وأود الرد على من اتهمنا بأننا نروج لليهود وندافع عنهم فأقول بأنني عربي أعشق القدس وفلسطين إلى أبد الآبدين، والمغرب بلد يملك تاريخا مميزا ولا يجب السكوت عمن يريد طمس التاريخ ولدينا سينما مميزة، هي سينما الموضوع فنتحدث عن كل شيء، وهناك فترة تاريخية في حياة المغرب يجب الوقوف عندها والتفريق بين اليهود المغاربة وبين الصهاينة بهدف التعرف على الآخر، كيف تصف لنا ما حدث في غزة،..؟
![]() |
يقاطعني منفعلا: يا أخي الكريم أقيمت عديد المظاهرات في المغرب للتنديد بما يحصل في غزة وقد خرج إلى الشارع ما يقارب 4000 يهودي رفضا لما يحدث لأبناء غزة وهم يختلفون كثيرا عن قاتلي الأطفال في غزة.
قدمت للسينما العربية الكثير فماذا منحتك كعربون محبة؟
بصراحة لم تمنحني شيئا، لأنني أبدأ حياتي كل يوم من جديد وأرى أن طموحاتي في السينما العربية لم تر النور بعد، أنا لا أحب التكريمات رغم أنها تشجيع معنوي مميز لأن البعض أصبح يشتريها، منحتني السينما حب الجمهور وهو الأهم في حياتي، أعاني المشاكل اليومية في العمل والبيت ولكن احترام من يحبني ومن ينتقدني يزيدوني أملا وإصرارا على تقديم الأفضل دائما وخصوصا زوجتي ماريا الصقلي.
لك حرية إنهاء اللقاء:
السينما أداة تواصل مع كل شعوب العالم كما تعتبر جسر التعارف بين الشعوب، هي تأريخ مميز للأحداث، أعشق السينما وأتمنى أن نضع دائما الأحداث والمشاكل السياسية جانبا، وأود أن أقدم شكري العميق لقناة الجزيرة الوثائقية على مجهودها الرائع في مجال السينما الوثائقية، ولي عتب على الجميع لأن دبلجة الأفلام وعرضها لا تكفي بل يجب أن يكون هناك توازن بين المنتجات المستوردة وتلك المنتجة داخل القنوات وكذا في الوطن العربي ومستعد لاحتضان أي عمل جاد ومميز خصوصا مع قناتي المفضلة الجزيرة الوثائقية ..