ملف القدس عاصمة للثقافة العربية 1/ 2
هل فعلا : ما تفرقه السياسة تجمعه الثقافة ؟؟
شهدت الاستعدادات لافتتاح فعاليات “القدس عاصمة للثقافة العربية” لغطا كبيرا خلال الآونة الأخيرة. في ظل الانقسامات السياسية الفلسطينية بين فتح وحماس. وقد تفاءل الكثيرون لاختيار القدس عنوانا لهذه التظاهرة باعتباره عنوانا موحدا للفصائل والأطياف. ولكن يبدو أن الخلافات السياسية ألقت بظلالها على الثقافة أيضا وشهد هذا الميدان تجاذبات سياسية وبيروقراطية تكاد تهدد المهرجان نفسه. وقد أراد موقع الجزيرة الوثائقية أن يقترب أكثر من هذه الخلافات حول تنظيم التظاهرة والاستماع إلى الآراء المتداولة والمختلفة حول الموضوع.
فبعد إقرار موعد جديد لانطلاق احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية في 21 آذار القادم، ما زالت الانتقادات توجه للاحتفالية، فيما بين اتهام باستثناء الـمثقفين الفلسطينيين، واستقالات متتالية، وأزمة مالية ترجمت نفسها بوصول شحيح للأموال، حيث وصل أول مليون دولار لحساب الاحتفالية الأسبوع الفائت فقط، إضافة لوجود تباين كبير في الـميزانية الـمرصودة بين القائمين على الاحتفالية يصل لعدة ملايين من الدولارات.
حيث أكد رفيق الحسيني رئيس ديوان الرئاسة، رئيس الـمجلس الإداري أن الـمبلغ الـمرصود “20 مليون دولار للـمشاريع والفعاليات والبنية التحتية”، بينما تؤكد وزيرة الثقافة “أن القائمين على الحدث يتطلعون لرصد ( 50 مليون دولار) لإجمالي احتياجات الاحتفالية من مشاريع وفعاليات وبنية تحتية، أما مديرة الـمكتب التنفيذي الدكتورة فارسين أغابكيان فتؤكد” أن 8 ملايين دولار “الـمرصودة تكفي للفعاليات والـمشاريع الثقافية فقط”.
![]() |
رفيق الحسيني رئيس ديوان الرئاسة الفلسطينية
أما أسوأ ما ينتظره الجمهور الفلسطيني والعربي أنه سيكون على ثلاثة مواعيد لاحتفاليات جميعها تحمل ذات الاسم “القدس عاصمة الثقافة العربية 2009″، الأولى للحكومة الـمقالة في قطاع غزة في 7 آذار، والثانية تنظمها السلطة الوطنية الفلسطينية في 21 آذار، والثالثة للحملة الأهلية في الخارج التي جمعت حتى الآن عشرات ملايين الدولارت، وستطلق احتفاليتها بالقدس في 30آذار.
تركيبة الاحتفالية
في العام 2006 أقر وزراء الثقافة العرب في دورتهم الخامسة عشرة في مسقط أن تكون القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009، وفي العام 2007 أصدر الرئيس محمود عباس مرسوماً رئاسياً بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لاحتفالية القدس.
وبذلك تكون التركيبة الحالية للاحتفالية هي كالتالي: اللجنة الوطنية العليا وعدد أعضائها 47 شخصاً منهم مثقفون وشخصيات وطنية وإسلامية ومسيحية ومدراء مؤسسات ثقافية، منهم من قدم مشاريع لـمؤسساتهم لتموّل من الاحتفالية!!!.
لاحقاً أدرك الجميع أنه من الصعب أن تجتمع كل هذه الشخصيات معاً لتدير الاحتفالية، فجرى تشكيل الـمجلس الإداري، وبتكليف من الرئيس محمود عباس جرى تكليف مدير ديوان الرئاسة، الدكتور رفيق الحسيني رئيساً للـمجلس الإداري الذي ضم 22 عضواً منهم خمس وزارات هي: الإعلام، الخارجية، الثقافة، التربية والتعليم والأوقاف، مع ملاحظة أن وزير الخارجية لـم يحضر أي اجتماع ومنذ شهر فقط بدأ وكيل الوزارة بالحضور ليمثل الوزارة، أما وزيرة التربية والتعليم فلـم تحضر سوى مرة واحدة.
وتضم التركيبة، أيضاً، الـمكتب التنفيذي الذي سينفذها على الأرض ويضم مديراً للـمكتب، ومدير الحدث، والـمدير الإعلامي، وموظفين إداريين. وبعد أسبوع ينتهي الشهر الثاني في عام احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية دون أن تنطلق الاحتفالية التي يتطلع لإنجازها الجميع لأنها استحقاق وطني فلسطيني، ولأنها فرصة استثنائية لتعود القدس التي تجمع كل عناصر القضية الفلسطينية لدائرة الضوء عربيا وعالـميا، وإلا يجب الانتظار 22 عاما لنحصل على فرصة مماثلة.
غياب الـمثقفين عن الاحتفالية
من أبرز الانتقادات التي توجه إلى الاحتفالية هو غياب واضح للـمثقف الفلسطيني سواء في اللجنة الوطنية العليا أو الـمجلس الإداري، بشكل يتناقض مع احتفالية دمشق على سبيل الـمثال التي برز فيها دور الـمثقف والفنان السوري بل كان واجهة الاحتفالية، بدءاً من الأمين العام للاحتفالية السيدة حنان قصاب حسن، انتهاء باللجنة الاستشارية الذين كانوا نخبة الـمثقفين والفنانين السوريين.
في بداية احتفالية القدس ُكلّف الشاعر الراحل محمود درويش بترؤس اللجنة الوطنية العليا لكنه سرعان ما انسحب لأسباب صحية، لكن بذات الوقت أكمل عمله على مشروع مسارات الثقافة بين فلسطين وبلجيكا، ولاحقا خلفته حنان عشراوي، لكنها انسحبت بعد شهر من تكليفها، ليكون الرئيس محمود عباس هو رئيس اللجنة الوطنية العليا منذ ذلك الحين.
ويعلق أحمد داري المدير الأسبق للحدث ” كانت العناوين الأولى عناوين ثقافية تتناسب مع الاحتفالية، لكن بعد انسحابهم أصبح التعاطي مع الـمكتب التنفيذي الذي يقوده أشخاص ناجحون في مجالاتهم لكنهم بعيدون عن الشأن الثقافي”.
![]() |
أحمد داري
كثيرون يوجهون انتقادات لغياب أسماء ثقافية بارزة في الـمشهد الثقافي الفلسطيني عن الاحتفالية، سواء في القدس أو فلسطين 48 أو قطاع غزة.
الأديب الـمقدسي محمود شقير فضل عدم التعليق على هذا الـموضوع، لكن بعد إلحاح قال: “أنا تم استثنائي من الاحتفالية ولا أعرف السبب”.
وقال: “أنا أعمل بالثقافة منذ 50 عاما أي قبل أن يولد قسم كبير من أعضاء اللجنة الوطنية العليا للاحتفالية، هناك تجاهل كبير لي لا أعرف سببه”. ويعلق: “ما يجوز يشتغلوا ثقافة ويتجاهلوا الـمثقفين سواء الـموجودين داخل القدس أو خارجها”.
![]() |
أما الكاتب علي الخليلي، فيقول أيضا: “أعمل في حقل الثقافة منذ 50 عاما، ولكني لا أعرف من هم الـمسؤولون عن هذه الاحتفالية حتى الآن، وكيفية تشكيل اللجنة الـمسؤولة؟”.
وقال: “أعتقد أنه لـم يتم الإعداد الجيد للاحتفالية، وهذا يدل عليه الحضور العابر وغير المهم للاحتفالية في وسائل الإعلام، وذلك لأنها لـم تطرح نفسها بشكل قوي ومنهجي منذ البداية”.
ويرد الحسيني على هذه الانتقادات قائلا: “بعض هذا العتب صحيح ومقبول لكن ظروف الاحتفالية وصعوبة التفاعل أدتا إلى عدم الاتصال بجميع الـمثقفين، لكن نأمل خلال العام الحالي أن نكون قد تواصلنا وتفاعلنا مع الجميع”.
ويعلق إسماعيل التلاوي الأمين العام للجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم: “من الظلـم أن نقول لا توجد شخصيات ثقافية في اللجنة الوطنية العليا للاحتفالية، كل وزراء الثقافة الذين قابلتهم عانوا من انتقادات بهذا الخصوص مهما بلغ عدد الـمثقفين الـمشاركين، ثم إن كل اللجان العاملة على الأرض هم من الـمثقفين والفنانين الفلسطينيين”.
إضافة إلى الـمثقفين كأفراد، كان هناك احتجاج من الـمؤسسات والـمراكز الثقافية مفاده أنه تم تهميشهم طوال الفترة الـماضية، ولـم يتم الاجتماع معهم سوى مرة واحدة العام الـماضي وفي خطوة عملية قاموا بالاجتماع يوم الخامس من الشهر الجاري، وأرسلوا للرئيس محمود عباس كتابا عبروا فيه عن احتجاجهم، وسرعان ما جاء الرد عمليا بدعوتهم لاجتماع مع رئيس الـمجلس الإداري رفيق الحسيني يوم السبت 17 شباط..
يقول خالد عليان الـمدير التنفيذي لـمسرح وسينما القصبة: “حتى الآن لا نعرف أي شيء.. نسمع أحيانا أن هناك ميزانية، وفي أحيان أخرى هناك من يقول إن الدول العربية لـم تفِ بالتزاماتها الـمالية التي كانت سترصد لـميزانية الاحتفالية، وهناك من يقول إن السلطة الوطنية حولت قسما من الـمال إلى حساب الاحتفالية، لكن الأكيد أنه لا أحد عنده معلومة نهائية وصحيحة عن أي شيء يخص الاحتفالية”.
وفي ما يتعلق باجتماع الـمؤسسات الثقافية مع رفيق الحسيني مؤخرا، علق عليان: “الاجتماع كان بادرة جيدة لكنه غير كاف، ولـم يضف شيئا جوهريا إلى ما هو حاصل”.
وقال: “ربما تكون الإضافة الوحيدة هي إعلان منظمي الاحتفالية عن قبول 175 مشروعا، وسيتم الإعلان عنهم لاحقا في وسائل الإعلام، والـمشاريع التي ستنفذ بعد منتصف العام سيعلن عنها لاحقا وستوقع الاتفاقية بعد الحصول على تمويل لأن الـمال الـمتوفر لا يكفي حسب ما فهمنا”.
ويخلص عليان إلى القول: “نحن كمؤسسات ثقافية لا نتحمل مسؤولية ماذا سيحدث للاحتفالية لأننا منذ البداية لسنا شركاء، وهناك أخطاء حدثت منذ بداية التنظيم”..
استقالات متتالية
بعد أربع استقالات وإقالة واحدة في الـمكتب التنفيذي للاحتفالية، يخرج الـمتابع بانطباع أن الـمكتب التنفيذي للاحتفالية في حالة تخبط. فقبل هؤلاء استقالت الدكتورة حنان عشراوي ووزير الثقافة الأسبق يحيى يخلف.
استقالة أحمد داري مدير الحدث في الاحتفالية قبل أسبوعين كانت آخر الاستقالات، وبعد كل استقالة أو إقالة هناك تعيين سريع لـموظف جديد، قبل الداري استقال باسم الـمصري الـمدير التنفيذي للـمكتب، خالد الخطيب مدير البنية التحتية في الاحتفالية، ورامي مهداوي مدير العلاقات العامة والـمشاريع في الاحتفالية. وجرت إقالة حسان بلعاوي على خلفية تصريحات صحافية حول كتابه عن غزة عنونت بطريقة إشكالية.
![]() |
حنان عشراوي
الدكتورة حنان عشراوي اقتصر تعليقها على جملة واحدة “الاحتفالية مشروع مهم، ويجب أن تكون على أساس مهني، وكان الـمفروض من الجميع أن يدعموا الـمشروع ليس على أساس الـمحاصصة بل لأن الاحتفالية تخدم فلسطين والقدس”. بينما امتنع الأديب ووزير الثقافة الأسبق يحيى يخلف عن التعليق.
أما منسق الـمشاريع والإعلام في الاحتفالية رامي مهداوي ــ عمل قبل بلعاوي ــ فعلق على استقالته: “طريقة العمل في الاحتفالية لا تقود إلى النجاح الـمطلوب، وهناك غياب للآليات الواضحة التي تحقق الهدف الأساسي من الـمشروع”.
ويقول رئيس الـمجلس الإداري الدكتور رفيق الحسيني: “الحديث عن تعثر الـمكتب التنفيذي مرفوض، أية مؤسسة تحدث بها بعض الاستقالات، وأربعة موظفين استقالوا على فترات متباعدة ضمن عشرين موظفا لا يعني أي تعثر، إضافة إلى أن بعض الاستقالات ذكر أصحابها أنهم غير قادرين على تحمل الـمسؤولية الـمعطاة لهم بالشكل الصحيح”.
وحول عشراوي ويخلف قال: “استقالة حنان عشراوي ويحيى يخلف، ليست جديدة وحصلت منذ عام ونصف، واستقالتهما لا تعني أن العمل تعطل أو تعكس مشاكل في تنظيم إدارة الحدث، وإنما تعكس التفكير الفردي لكل شخص منهم، حيث ربما يرى أن الحدث لا يتجه باتجاه ما يعتقده وهذا يحدث في أي عمل، لكنه بالشأن الثقافي يصبح مضاعفا، لأن لكل فنان ومثقف رأيا مستقلا ودون هذه الاستقلالية ما كان ليسمى مثقفا أو فنانا”.