مروان عكاوي: |
- خبرة الاختصاصي لا يمكن تعويضها
- عندما أقوم بإخراج فيلم لا أقوم بإنتاجه
- سينما الدولة محددة بكل الخطوط الملونة
- كل جائزة يعقبها رعب حقيقي
|
|
– عملتَ بأنواع مختلفة من الأفلام، الروائي والتوثيقي والتعليمي – التدريبي، وتكتب أيضا السيناريو.. ما الذي يشدك للعمل الفيلمي الوثائقي؟ |
|
- في الواقع أنا أحب السينما بكل نواحيها وأنواعها وقد كانت بالنسبة لي طريقة حياة أكثر مما هي مهنة. وكنت أقوم بتنفيذ كل أنواع الأفلام بنفس الشغف والمحبة والمتعة، ولكن الفيلم الوثائقي كان دوماً يتمتع بنكهة خاصة لأنه يمنح السينمائي نافذة أوسع للتعبير عن آرائه وأفكاره، بينما نجد أن أنواعاً أخرى مثل التعليمي مثلا تقيد السينمائي بحدود الموضوع الذي يعالجه دون التدخل أو إضافة رأي أو فكرة ما، وبالتالي فإن الفيلم الوثائقي يعطي السينمائي هامش حرية أوسع يستطيع من خلاله إضافة رؤى جديدة تغني العمل وتوسع آفاقه.
|
|
|
– لديك تجربة تعامل في مجال الفيلم مع الأوروبيين، ما الفوارق الأساسية عدا الإمكانيات بين الحالة العربية والأوروبية في مجال الفيلم الوثائقي كما ترى؟ |
-
لا نستطيع في هذا المجال إلغاء الإمكانيات فهي تشكل عاملا مهما في إغناء النوعية، على سبيل المثال لا الحصر معظم الأفلام الوثائقية العربية عادة ما ينقصها البحث الكافي حول الموضوع المعالج، كما أن البحث غالبا ما يقوم به المخرج نفسه بدل باحث مختص فيأتي العمل غير مكتمل أو تنقصه بعض المعلومات التي يمكن أن تكون هامة في بعض الأحيان، وذلك بسبب نقص الإمكانيات، وقد يقول قائل إن شبكة الانترنت تقوم اليوم بتعويض الفارق ولكن هذا غير صحيح فخبرة الاختصاصي لا يمكن تعويضها ولا يمكننا أن نطالب مخرجينا بأن يكونوا على دراية وخبرة بكل المواضيع التي يعالجونها في أفلامهم.
طريقة العمل في أوروبا تتيح للسينمائي فضاء رحبا للعمل الفني، فهي تبعده عن كل ما يشتت أفكاره من متابعات يومية وجهد متواصل في إنجاز التحضيرات اللازمة للفيلم فيدخل مجال التنفيذ وهو مرتاح يتمتع بتركيز عال لا يشغل باله سوى المادة التي سيتعامل معها، بينما يدخل مخرجنا العمل وهو منهك من متابعة التفاصيل اليومية فيفقد جزءاً من تركيزه أثناء التنفيذ.
وعلى هذا فإن الفارق الأساسي هو توفير مناخ أفضل للعمل ينعكس بالتالي على نوعية العمل المنجز.
| أحب السينما بكل أنواعها ونواحيها |
|
|
– أنت مشارك ومؤسس لشركة إنتاج أفلام في اليونان، كيف تقيم التجربة، وهل تعيش كفنان حيرة بين كونك منتجا وكونك فنانا مخرجا وكاتب سيناريو؟ |
- لا توجد حيرة أبدا فالموضوع هو موضوع تنظيمي بحت، عندما أقوم بإخراج عمل ما لا أقوم بإنتاجه إلا اسميا إذا اقتضت الحالة، بينما يقوم شريكي بالإنتاج عمليا، أما كتابة السيناريو فهي هواية أمارسها في أوقات فراغي ولا ترتقي أبدا إلى المستوى المهني. العمل السينمائي هو بالطبيعة عمل جماعي ولا يمكن لشخص واحد مهما كبرت موهبته أن يقوم بعدد من الأدوار في نفس الوقت ولكن يمكن التنسيق والعمل على ألا تتداخل الأدوار فيتعطل أحدها على حساب الآخر.
|
|
– عشت التجربة كمسؤول في المجال السينمائي العربي التابع للقطاع العام كما عشت التجربة كفنان حر، ما الفوارق الأساسية عربيا بين الاثنين؟ |
-
أنا أحد الفنيين المؤسسين في مؤسسة السينما السورية، وفي ذلك الوقت كنا مجموعة من الشباب المملوء حماسا وشغفا بهذا الوليد الجديد على الحياة الثقافية السورية، وبدافع من هذا الشغف عملنا بلا توقف على إغناء التجربة وفي نفس الوقت التأسيس لقواعد وتقاليد سينمائية خاصة تحمل ملامح السينما التي كنا نريد تقديمها، ولكن العمل في القطاع العام محدود دائما بأطر عامة وخطوط حمر وزرق وخضر ومن كل الألوان لا بد من مراعاتها عند تنفيذ أي فيلم، وبعد فترة من الزمن أحسسنا أن السينما لا يمكنها أن تحمل طابعا واحدا يقيد مسيرتها، فاندفعت مع مجموعة من السينمائيين السوريين للعمل في سينما القطاع الخاص أولاً للتخلص من الخطوط التي كانت تحد من انطلاقة السينما كما كنا نتمناها، وثانياً لمحاولة مساعدة سينما القطاع الخاص على ألا تغرق تماما في وحل الإسفاف والتجارية المفرطة (نجحنا أم لم ننجح هذا أمر يعود البت فيه للتاريخ والجمهور)، وثالثاً كان السبب اقتصاديا ففي تلك الأيام لم تكن رواتبنا في المؤسسة تكفي لسد الرمق.
من حيث متعة العمل لم يكن هناك من فارق فالسينما هي السينما أينما مارستها، ولكن القطاع الخاص كان يوفر لي متنفسا يبعدني عن قيود العمل في القطاع العام، وهذا لا يعني أنني أفضل أحد القطاعين على الآخر بل بالعكس كلا القطاعين لا بد من تواجدهما بجانب بعضهما، فالمتفرج بحاجة إلى النوعين معا، بحاجة إلى سينما تخاطب عقله وسينما تداعب عواطفه.
|
|
– فزت بجوائز عديدة عبر مسيرتك الفنية. ما الذي تمثله لك الجائزة، هدف أم صدفة أم تتويج مستحق أم ماذا؟. |
- كنت كلما فزت أو فاز فيلم شاركت فيه بجائزة أصاب بحالة رعب حقيقي وكان السؤال الوحيد الذي يتبادر إلى ذهني هو: ماذا سأفعل بعدها وكيف سأتفوق على نفسي مرة أخرى؟ وفي كل مرة كنت لا أجد الجواب إلا بعد إنجاز العمل التالي. إن الجائزة كانت بالنسبة لي دوما حافزاً خفياً على بذل المزيد من الجهد وعلى الوصول إلى حالة إبداعية مختلفة عن سابقاتها ولكن بدون تخطيط أو وعي مني فقد كان هذا الحافز أو حالة الرعب تلك تتملك لاوعيي وتقودني دون دراية مني.
|
|
– هناك مهرجانات عربية تأسست منذ فترة للفيلم التسجيلي – الوثائقي، كما في الإسماعيلية بمصر والجزيرة بالدوحة، كيف تنظر إلى ما تحقق خلالها وكيف تتمنى أن تكون مستقبلا؟. |
- كانت الأفلام التسجيلية والوثائقية لا تأخذ حقها من الاهتمام ليس في الوطن العربي فحسب بل في العالم كله، وذلك بسبب صعوبة عرضها جماهيريا ولكن التلفزيون قدم حلا بديلا فشد الانتباه أكثر إليها، ومن هذه الزاوية فإن المهرجانات هي أحد أساليب شد الانتباه إلى هذا الفن المتفرد، وهي وسيلة من وسائل التعريف بهذا القطاع السينمائي المهم، وهي ظاهرة صحية جدا فهي تسلط الأضواء على أهمية هذا الجانب السينمائي وتنمي رواده وعشاقه وبالتالي تزيد من انتشاره وهذا الانتشار هو بالضبط ما يحتاجه الفيلم الوثائقي وآمل أن يزيد الدعم المقدم إلى هذه المهرجانات حتى تصبح أكثر عالمية وشمولية لكي يزيد الألق والانتشار ويكبر حجم جمهور هذه الأفلام.
|
|
– عملت في أفلام مثل فيها نجوم مثل دريد لحام، وفى افلام وثائقية اخرى أبطالها قد يكونون أناسا عاديين فرضهم الحدث، كمخرج، كيف تتعامل مع الحالتين؟. |
-
إن بنية الفيلم الوثائقي تختلف اختلافاً جذرياً عن بنية الفيلم الروائي ولا مجال للمقارنة بينهما، ففي الفيلم الروائي يقود المخرج الممثلين ويستطيع تكرار التصوير إلى أن يأخذ منهم أفضل أداء، بينما في الفيلم الوثائقي لا يسيطر المخرج على الحدث بل عليه أن يتفاعل معه فقط خلال المدة التي يستغرقها هذا الحدث، وهنا تختلف الحالة الإبداعية ففي الأولى يكون متأنياً متمحصاً وفي الثانية يجب أن يكون سريع البديهة جاهزاً بحلول تمليها عليه طبيعة الحالة.
وفي هذه الحالة يصبح المونتاج أكثر أهمية في الفيلم الوثائقي منه في الفيلم الروائي حيث يجري تنضيد وتنسيق كل تلك المواد المصورة آنيا وإضافة رؤى المخرج وأفكاره إليها، بينما تكون هذه الإمكانية في الفيلم الروائي بحدود ما تسمح به المادة المصورة حسب سيناريو مسبق.
وكما ذكرت سابقا فإن لكل صنف من السينما روعته ورونقه ووسائله وتفاصيله الخاصة به ولكل تجربة سينمائية خصوصية لا تشبه خصائص التجربة الأخرى.
|
|
– ما هي أهم العقبات التي تواجه صناعة الفيلم الوثائقي العربي حسب تجربتك؟ |
- برأيي، هناك عقبتان يجب معالجتهما بالكثير من الجدية، الأولى هي أنه يجب إعادة النظر بالطريقة التي تدفع بها محطات التلفزيون أجور العرض للفيلم الوثائقي فمن المعيب أن تقدر هذه الأجرة حسب زمن الفيلم فقط دون النظر إلى موضوعه أو طريقة معالجته وتنفيذه، والثانية هي توفير مناخ من الحرية في انتقاء المواضيع ومعالجتها، فالفيلم الوثائقي يحتاج إلى هامش واسع من الحرية وهذا الهامش ضيق في عدد من الدول العربية وأحيانا غير متوفر في دول أخرى.
|