المخرجون الشبان: الذهاب بعيدا في التجريب

سمة مشتركة أجمع عليها جيل الشباب من التسجيليين في مصر، فقد دفعهم عشق الفن السابع للذهاب بعيداً عن مجال دراستهم، بل إن منهم من ذهب بعيداً عن بيئته ومحيطه الأسرى بحثاً عن المعرفة والإبحار في مجال السينما.
 التقينا مع مخرجي الأفلام الفائزة بمهرجان الإسماعيلية الدولي الأخير للتعرف عن قرب على أعمالهم، وأهم المعوقات التي تواجههم في آمالهم وأحلامهم المستقبلية.

إبراهيم عبلة: فيلمي للأبطال العاديين

عن رحلته مع الإخراج يحكي إبراهيم عبلة: تأثرت كثيراً بدور الأسرة في حياتي، والدي محمد عبلة هو فنان تشكيلي مصري، عشقت الألوان من خلال أعماله، ووالدتي كريستينا عبلة من سويسرا ولها اهتمامات فنية عديدة، وعلى الرغم من أنني ولدت في سويسرا، إلا أن أسرتي استقرت إقامتها في مصر منذ أن كان عمري عامين، والتحقت بالمدرسة الألمانية في مصر، وبعد ذلك التحقت بكلية الآثار جامعة القاهرة، ولكن بعد عام واحد أصبحت أكثر واقعية وأدركت أنه ليس هناك مفر من دراسة ما أتمنى العمل به، وبالفعل التحقت بمعهد السينما.
بالتوازي مع الدراسة، اشتركت في تجمع فني للشباب ينعقد مرة كل عام يطلق عليه اسم  “صالون الشباب”، وتقدمت فيه بعمل حصلت به على الجائزة الأولى، وفى السنة الأولى بالمعهد أخرجت مشروع فيلم روائي قصير، عرض بعد ذلك في مهرجان نابولي بإيطاليا، ولكن بعد تقديمي لمشروع السنة الثانية وجدت نفسي أصطدم بالواقع المر الذي كنت أحاول التغلب عليه، مما جعلني في حالة ارتباك وتصميم على التغيير.

فالحقيقة أن دارس معهد السينما لا يجد المعلومة التي تفيده في الحياة العملية، حتى المشاريع التي يكون تقديمها إلزاما علينا كل عام، كانت تقابل بإحباط شديد من إدارة المعهد، ولذا لا يجد الدارس دعما ماديا ولا معنويا،”بالبلدي حسيت إني بأدن في مالطة”.

ويضيف إبراهيم قائلا: أعتقد أن الأجانب لم يولدوا عباقرة كل الحكاية أن موهبتهم ولدت في بيئة جيدة تدعمها، فقررت أن أجرب نصفى الآخر السويسري، وأسافر لدراسة الإخراج، وهناك كانت الصدمة الكبرى، لدى تقديم أوراقي اكتشفت أن معهد السينما في مصر – والذي كان في يوم من الأيام من أفضل خمسة معاهد سينمائية في العالم – ليس معترفا به على الإطلاق في أي مكان في العالم، ولم يكن مناسبا لي أن أبدأ من جديد وكأن السنوات السابقة لم تكن… ولكنى بحثت قبل العودة عن نصيحة المتخصصين هناك والذين أذهلني سؤالهم عقب مشاهدتهم لمشروعي في السنة الثانية بالمعهد، وسألوني: أنت “عايز تكمل دراسة ليه” ؟! كل ما تحتاجه هو الخبرة، وهو ما يمكنك الحصول عليه بالعمل مع مخرج كبير، واضطررت للعودة إلى دراستي في مصر.

وعن فيلم “مننا فينا” يقول إبراهيم: أما عن فيلمي المشارك به في مهرجان الإسماعيلية هذا العام، فلم أكن أتوقع نجاحه بهذا الشكل، وإعجاب الناس به في أماكن عرضه جعلني أكتشف أن انبهار الناس وإعجابهم بالفيلم لا يعنى إلا أن الناس في حاجة إلى هذا النوع من الفن، فقد حاولت فيه أن أكون صادقا لأقصى درجة، وموضوعه لم أقصد فيه النقد من أجل النقد فقط، ولكنى أرى أن حل المشاكل لا يأتي إلا عن طريق الاعتراف بها  أولا، ولهذا سميته (مننا فينا)، فهو يصور زحام القاهرة الخانق وشوارعها التي تدور فيها كل يوم أحداث غير عادية أبطالها أناس عاديون مثلي ومثلك، وقمت فيه بالتركيز على صراع “المثلث الشيطاني” لعربات الميكروباص (السائق ـ الزبون ـ الشرطي) وطلبت من كل طرف منهم التحدث عن رأيه في الطرف الآخر مع الحفاظ على الإيقاع السريع للفيلم بقصد كسر حالة الملل المعروفة عن الأفلام التسجيلية، فالمدة الزمنية للفيلم (18 دقيقة).

وعن أعماله القادمة يقول: مشروعي القادم هو فيلم (الحب في زمن الكلة) وتدور فكرته عن الكبت الجنسي، ولكن في إطار جاد جدا إلى جانب بعض اللقطات الكوميدية، فواجبنا كصناع سينما هو تقديم الرسالة بأسلوب يقبل المجتمع فهمه.
ويختتم إبراهيم عبلة كلماته قائلا: “إحنا أد التحدي”.

كريم الشناوي: اتجاه المرج يرصد تناقضات اللغة والواقع

حاول كريم أن يهدي صديقته ياسمين فيلما جذابا يخالف جميع التوقعات التي حذرته منها، ويناقض ما درسه في كلية الإعلام وخاصة المفاهيم الخاطئة عن الفيلم التسجيلي والتي تؤكد أن الفيلم التسجيلي يكون دائما مملاً وبطيئاً وغير جذاب.

بميزانية لا تتعدى “6 ” آلاف جنيه، وكاميرا ديجيتال وعدد من الأصدقاء في كلية الإعلام بجامعة القاهرة تطوعوا بالعمل، صور كريم الشناوي فيلمه التسجيلي القصير “اتجاه المرج” وشارك به في مهرجان الجزيرة السينمائي الدولي، وقد حصل به على الجائزة الذهبية، وكذلك في مهرجان الإسماعيلية الدولي للسينما التسجيلية والقصيرة.
يقول كريم الشناوي: فيلم “اتجاه المرج” هو مشروع تخرجي الذي تقدمت به للجامعة ولكن للأسف حصلت على المركز الثالث، وأقول للأسف لأن الفيلم الذي حصل على المركز الأول لم يكن بمجهود الطلبة بل كان مدفوع الأجر وصنع عن طريق شركة إنتاج وكأن هناك اتفاقا ضمنيا بين الجامعة والطلبة نصه يقول (إحنا مش حنديكم حاجة، بس ممكن تدفعوا فلوس لأنكم مش تعرفوا تعملوا حاجة).

وعن قصة الفيلم يقول كريم: الفيلم رغم بساطة فكرته حيث تم تصويره بالكامل داخل محطات مترو الأنفاق، ورغم قصر مدة عرضه التي لا تزيد على “10” دقائق إلا أنه يناقش الانقسامات التي يعيشها المجتمع المصري سواء من الناحية الطبقية أو الفكرية أو الثقافية، بوضع علامات استفهام وتعجب، تجعلنا نضع أيدينا على الأوضاع المتناقضة التي نعيشها وذلك من خلال شخصية “تامر” وهو شاب حصل على منحة دراسية في الجامعة الأمريكية ويركب المترو يوميا ليحتك بطبقات وثقافات المجتمع المصري على اختلافها وتباينها، وفى وسط كل هذا مطلوب منه المحافظة على هويته، وأن يكون متسامحا وابتسامته لا تفارق وجهه.
ويضيف كريم قائلا: من حسن الحظ أننا صورنا هذا الفيلم باعتبارنا طلبة، وإلا كنا سنعاني معاناة شديدة في استخراج تصاريح التصوير، ولا نستطيع أن نغفل الدور الذي قامت به كلية الإعلام وذلك بمخاطبة وزارة الداخلية لتسهيل مهمتنا، ومنحنا التصاريح اللازمة.

وعن اختيار اسم الفيلم يقول كريم: تمت تسمية الفيلم “اتجاه المرج” تبعا لتقسيم اتجاه محطات المترو تبعا لاسم المحطة الأخيرة فمثلا (اتجاه المرج، اتجاه حلوان ـ…..وهكذا)، وأيضا لتوضيح التناقض بين كلمة “المرج” بما تعنيه في اللغة العربية الفصحى “المكان الأخضر الجميل” وما تعنيه في الفيلم ” الحي العشوائي المزدحم بالسكان”، وهذا التناقض اعتبرته امتدادا للتناقض والانقسامات بين الناس في المترو.
وعن مشروعه القادم يقول كريم: أحلم بأن أصور فيلما تحكي فكرته عن لجوء الشباب للهجرة غير الشرعية رغم علمهم أن نسبة نجاتهم تكاد تكون منعدمة.
وأخيرا يرد كريم على الاتهامات بأن مثل تلك الأفلام تعمل على الإساءة إلى سمعة مصر، ويقول: أقول لمن يطلق مثل تلك الاتهامات، إنهم في الخارج يعرضون ما هو أسوأ، وهناك من يدفعون له لكي يخرج لهم أسوأ السلبيات ولا يتم التعرض لهم، أما نحن فلا نريد لوطننا إلا التغيير إلى الأفضل، لا نريد استمرارية أزمة الهوية.


إعلان