سينما السلام في تونس
محاور دورة السلام:العولمة والطفولة والموسيقى والتعصب وفلسطين و البيئة
تونس: كمال الرياحي
نظمت الجامعة التونسية لنوادي السينما ونادي سينما جبريل ديوب ممبتي وفضاء التياترو بتونس من16 إلى 22 مارس2009 الدورة التاسعة لسينما السلام التي طرحت مجموعة من المحاور هي: العولمة والطفولة والموسيقى والتعصب وفلسطين وأخطار بيئية وعُرضت ضمن هذه التظاهرة مجموعة من الأفلام الأجنبية بينها الوثائقي والروائي منها فيلم “نهاية الفقر” للمخرج الأمريكي فيليب ديار ومدته ساعة و48 دق وهو فيلم وثائقي من إنتاج سنة 2008. كما سيعرض الفيلم الألماني أربع دقائق للمخرج كريس كراوس وبطولة مونيكا بلاييترو وحنا هريشرونق والفيلم الأمريكي الانكليزي شارع الهوليفنز الأخضر للكسي الكسندر ومدته ساعة و50 دق وفيلم معركة سياتل سنارت تاوساند وهو من إنتاج سنة 2009 ومدته 99 دق وفيلم ماشوكا لاندريه وود وهو فيلم مشترك شيلي فرنسي بريطاني من إنتاج سنة 2003 ومدته 120 دقيقة وفيلم شجرة ليمون للمخرج الإسرائيلي اليساري عيران ريكليس وهو فيلم من إنتاج مشترك مدته ساعة و45 دق.
الفيلم الوثائقي “نهاية الفقر”
ضمن محور “أخطار بيئية” عرض الفيلم الوثائقي نهاية الفقر” الذي كتب نصّه وأخرجه المخرج فيليب دياز بعنوان “نهاية الفقر”، يسبر غور السبب الرئيسي من وراء القمع والاضطهاد في العالم. فالتقديم لقصّة الفيلم الذي يظهر في البداية، يوضّح أن الفيلم “استوحي من أعمال عالم الاقتصاد هنري جورج من القرن التاسع عشر، الذي فحص أسباب الكساد الصناعي”.
يتكوّن الفيلم من ثلاثة أجزاء متمازجة متسلسلة على مدار 106 دقائق هي مدّة الفيلم:
1. مقابلات مع أشخاص مفقرين من “العالم الثالث”، وهو مصطلح يوازي مصطلح “الجنوب” الأمريكيّ في هذا السياق.
2. مقابلات مع مفكّرين سياسيين واقتصاديين ومؤرّخين (معظمهم من “العالم الأوّل”) الذين يلقون نظرة على الاستعمار الأوروبي وتأثيره على المستَعمَرين.
3. بيانات إحصائية تظهر على الشاشة حول نسب مئويّة حول الاستهلاك وخلافه. كما ويشير بعض المعلّقين خلال الفيلم إلى أن ارتفاع الرأسماليّة اعتمد أساساً، ولا يزال يعتمد في أرباحه الغزيرة على الاستغلال القاسي الذي ينتهجه العالم المستعمر.
لاحظنا من خلال الفيلم أن المقابلات التي أجريت مع الأشخاص المفقرين وأوضاعهم المعيشيّة المزرية، أجريت مع أشخاص من جنوب أمريكا، وفي الأساس من بوليفيا. أما الوقت الذي خصص لإفريقيا فقد كان قصيراً جداً وتم التركيز فيه على كينيا، وبشكل أقل على تنزانيا. وقد تم ذكر آسيا كذلك. معظم الذين أجريت معهم المقابلات كانوا مرتبطين بالأرض بشكل أو بآخر، وقد تم تجاهل العمال الصناعيين.
بدخول الفيلم مرحلته الأخيرة يأتي ذكر لعالم الاقتصاد الأمريكيّ المعروف هنري جورج، الذي اقترح في كتابه الصادر عام 1879، “التقدم والفقر”، مسألة احتمال إنهاء الفقر وذلك عن طريق إلغاء مبدأ الضرائب عدا ضريبة الأرض. يحاول الفيلم في خضمّ النقاش هذا حول هذا المعيار تقديم بديل له هو النموذج “العام”. حيث اقترح المؤيدون لهذا النموذج حلا لإنهاء الفقر من العالم بتحويل الأراضي من الملكية الخاصة إلى الملكية العامة لكنّهم، وهذا من المشاكل التي تعترض مشاهد هذا الفيلم الوثائقي، لا يقدّمون منهجاً لتحقيق هذا الحلّ.
في الدقائق الأخيرة للفيلم يثير بعض المعلّقين محدوديّة الموارد مقابل الاستهلاك الضخم وغير المتكافئ لهذه الموارد من قبل “الشّمال”، وفيه يعبّر دياز عن قلقه حيال الاستهلاك الشماليّ لهذه الموارد. في هذا الفيلم، ينظر دياز إلى الشمال على أنّه كتلة أو كيان واحد دون التفريق بين طبقاته. فهو لا يأتي على ذكر الطبقة العاملة مثلاً، التي يبقى استغلالها أمراً ضرورياً لبقاء النظام الرأسمالي، ويتغاضى عن مسألة دور الطبقة العاملة في الدول المتطورة التي بوعيها لمصالحها التاريخيّة ولقوتها الاجتماعيّة، قد تعيد تنظيم عملية الإنتاج وفق قواعد منطقيّة وعالميّة واسعة النطاق.
ملصق فيلم نهاية الفقر
فيليب دياز: وُلد في باريس، درس الفلسفة في السوربون وبدأ حياته المهنيّة في الإخراج عام 1980. بعد أن أخرج وأنتج عدّة أفلام وثائقيّة قصيرة، انتقل دياز إلى دور المنتج في فيلم Havre ثم فيلم Rue Du Depart. وقد حصد فيلمه Mauvais Sang (أول فيلم عن مرض الإيدز) أهم جائزة في فرنسا، هي جائزة لويس ديلوك لعام 1986.
وقد قام بإنتاج فيلم “ليلة بنغالي” الذي كان فاتحة للمهنة الحقيقيّة للمخرج نيكولاس كلوتس. وفي عام 2003 أسس أستوديو السينما الحرة مع مجموعة من الشركاء يهدف إلى تطوير وتمويل وإنتاج وتوزيع الأفلام المستقلّة.
أدار حصة النقاش كل من هشام الشابي وأنيس منصوري.
فيلم أربع دقائق
في محور «الموسيقى» عرض يوم الأربعاء 18 مارس فيلم أربع دقائق تأليف وإخراج كريس كراوس، ومن إنتاج مايك كوردس (2006) وهو فيلم في 112 دقيقة، يروي حكاية السيّدة كرويغر (مونيكا بلابتروي)- التي كانت تعطي دروساً في تعليم البيانو لبعض المساجين ولحارس الأمن موتزي (سفين بيبغ). تتّجه أحداث الفيلم صوب وجهة جديدة مع دخول السجينة جيني فون ليبن (حانا هيرتسشبرونغ)، فتاة موهوبة في العزف لكنّها تعاني من العدوانيّة وتمتلك قدرات تدميريّة عنيفة جرّاء عمليات تنكيل عانت منها في سنّ المراهقة، حيث تم زجّها في السجن بتهمة قتل أحدهم. كرويغر التي تتحفّظ وتمتعض من وصول جيني، تكتشف سريعاً مواهبها وطاقاتها الكبيرة في العزف، حيث تقترح عليها تدريبها وتحضيرها لدخول مسابقة العزف على البيانو. كراوس الذي يُعتبر واحداً من أفضل صنّاع الأفلام في ألمانيا (وهو فيلمه الثاني) ينجح في الدّمج والموازنة بين شخصيّتين مختلفتين بخلفيّتين شاذّتين: فتاة لها تاريخ عنيف وقاسٍ وامرأة تعيش داخل ذكريات تراجيديّة عاشتها فترة الحرب العالميّة الثانيّة مع امرأة كانت تحبّها (وهي امرأة سحاقيّة)، فينتهي بهما الحال إلى هارمونيا من نوع خاصّ وسط أجواء التحضير للعرض الموسيقيّ.
يحاول كراوس من خلال هذه العلاقة المركّبة الكشف عن قضايا وصراعات داخليّة على النطاق الواسع، قضايا معجونة بذاكرة الحرب. فالسيّدة كرويغر مثلاً تكشف من خلال بعض تصريحاتها عن العنصريّة التي تعاني منها ألمانيا، وعن خوفها الدائم (وهي ابنة الثمانين) من فقدان النظام الذي تعوّدت عليه في ظلّ الحياة العصريّة، وبهذا يكشف الفيلم أيضاً عن صراع الجيل القديم الذي يمثّل الماضي، وعن الصعوبات التي يواجهها في التأقلم مع الحياة الحديثة. يمكننا أن نقول إن كراوس ينجح كمخرج في التصوير الدمجيّ بين قضايا الحرب وجرائمها والعنصريّة والانتحار والتنكيل، بمعنى قدرته على التوفيق بين المستوى الفرديّ والمستوى الجماعيّ من خلال أحداث الفيلم. ويكاد الفيلم يخلو من العاطفة أو من تسليط الضوء على الجانب العاطفيّ للشخصيّات، كما يتمثّل في جملة جيني “أمن المفروض أن أبكي؟” عندما تحكي لها السيدة كرويغر حكايتها.
ونشط الحوار بعد عرض هذا الفيلم الذي تحصل على أكثر من 20 جائزة، كل من هشام بوزيدي وياسر جرادي.
مخرّبون
محور«التعصب» استضاف فيلم مخرّبون للمخرج لكسي ألكساندر، وبطولة أليجيه وود وتشارلي هانهم، حيث تطرّق الفيلم إلى ظاهرة التخريب في ألعاب كرة القدم في انجلترا. فبعد أن تم العثور على مادة الكوكايين في غرفته، تقوم جامعة هارفارد بطرد مات باكنر (أليجيه وود). على الرغم من أنّ هذه الموادّ الممنوعة لم تكن لمات وإنّما لشريكه في الغرفة جيرمي فان هولدن، إلاّ أن باكنر يتردد في الكشف عن هويّة صاحب السموم وذلك لشهرة عائلة هولدن المعروفة بنفوذها في أرجاء الحرم الجامعي.
يتلقّى باكنر مبلغًا يقدّر بـ10000 دولار لقاء الاعتراف بالتهمة الموجّهة إليه، ويقوم باستخدام هذا المبلغ لزيارة أخته (كلير بورلني) وزوجها وابنها المتواجدين في بريطانيا. خلال الفيلم، نكتشف أن ستيف (مارك وورن) زوج أخته هو زعيم نخبة غرين ستريت المهتمّة بكرة القدم، والمشجّعة لفرقة وستهام يونايتد الإنجليزيّة. ومع تواصل الأحداث، يتعرّف باكنر على بيت (تشارلي هانهم) شقيق ستيف، والزعيم الحالي للفرقة، وهكذا يدخل باكنر عالم التخريب في مجال كرة القدم الإنجليزيّة.
يصل الفيلم لحظة الذروة عند إصابة ستيفن في عراك مع الفرقة الخصم (فرقة من ملفيل) ويُقتل بيت ويعود باكنر الى الولايات المتحدة مواجهاً شريكه في الغرفة ومعلناً عن عودته للتعليم في هارفارد.
تحصّل الفيلم على عدّة جوائز أهمّها جائزة أفضل فيلم لعام 2005 في مهرجان أفلام ماليكو.
وقد أدار اللقاء بعد الفيلم كل من مجدي قرباعي ورضوان فديني.
فيلم شجرة ليمون
ضمن محور«فلسطين»عرض فيلم شجرة ليمون الذي يعتبر من الأفلام الإسرائيلية النادرة التي عرضت في تونس يروي قصة معاناة أرملة فلسطينية تدعى سلمى في الريف بعد أن ينتقل وزير الدفاع الإسرائيلي وزوجته إلى بيتهما الملاصق لحقل ليمون تلك المرأة الفلسطينية، حيث انتبه الوزير إلى أن حقلها يهدد أمنه فأمر بقطع أشجاره. غير أن الفلسطينية تقدم قضية في شأنه وتوكل محامياً فلسطينياً للدفاع عنها والدفاع عن حقلها وليمونها.
من فيلم شجرة الليمون
وعلى الرغم من موضوع هذا الفيلم الذي يبدو أنه متعاطف مع القضية الفلسطينية فإن هذا الفيلم تعرض لانتقادات كبيرة إن كان ذلك على مستوى التيمة التي شكك فيها بعض النقاد واعتبروا اهتمامه بالوضع الفلسطيني يرجع إلى مآرب دعائية، أما على المستوى الفني فأكد أكثر من متابع للفيلم انه لم ينجح في الموازنة بين الدرامي الاجتماعي والسياسي.
يعتبر عيران ريكليس من المخرجين السياسيين الإسرائيليين المناهضين للصهيونية والسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والسوريين في الجولان وسبق له أن أخرج عددا من الأفلام في هذا الاتجاه منها: «نرى دمشق في يوم مشمس» «نهايات الكأس» و«مفرق فولكان» و«العروس السورية».
وسهى عراف صاحبة السيناريو كاتبة فلسطينية عرفت بالكتابة للسينما الوثائقية نذكر من أعمالها الوثائقية والتجريبية: “يأخذ أختي ويعطيني لك”، (فلسطين، 1997) “غجري تربّع”، (فلسطين، 1998) “نهاية الخط”ّ، (فلسطين، 1999) “قصّتها”، (فلسطين، 2000) “أرض غامضة”، (فلسطين، 2000) “نار مقدّسة”، (فلسطين، 2001) “مراقبو النفاية” (فلسطين 2001) “طرق رام الله المختصرة”، صيف 2001، (فلسطين، 2003) “صمت” (فلسطين، 2004).
نشطت الحوار كل من نادية بن حليمة وحنان عوذاني.
ورشات عن السينما الآسيوية وتحليل الأفلام والوضع البيئي
نظمت الجهة المشرفة على التظاهرة عددا من الورشات انشغلت الأولى بعرض ونقاش لفيلم عن “السينما الآسيوية الجديدة” أدارها الناقد الجامعي الطاهر الشيخاوي السينمائي والعضو بالجمعية التونسية للنقد السينمائي وذلك يوم الخميس 19 مارس.
أما الورشة الثانية فاهتمت بتحليل الأفلام وتقطيعها وأدارها كذلك يوم الجمعة 20 مارس الطاهر الشيخاوي، بينما انشغلت الــورشــة الثـالثة يوم السبت 22 مارس بـ”الوضع البيئي” وأدارها أنيس منصوري المختص في علم النفس مقيم بجنيف وهو عضو مؤسس لنــادي جبريــل ديوب وتظاهرة “سينما السلام” والملتقى الدولي للأفلام التونسية القصيرة.
انطلقت التظاهرة بمحور “العولمة” وعرض شريط “معركة في سياتل” للمخرج ستيوار تونساند ولحقه نقاش أداره كل من ياسر جرادي ومجدي قرباعي، كما مثل محور “الطفولة” شريط “صديقي ماشوكا” للمخرج اندري وود، وأدار النقاش بعد الفيلم كل من غادة مذهباوي ومنال بن خليفة. وجدير بالذكر أن الجامعة التونسيّة لنوادي السينما تأسّست سنة 1950 ظهرت نواتها الأولى في صفاقس مع الطاهر شريعة، وهي من الأعضاء المؤسسين للجامعة الدوليّة لنوادي السينما، وقد ساهمت في ترسيخ تقاليد إنشاء نوادي السينما بكامل المدن التونسية واليوم تنشط باستمرار رغم ضعف إمكانياتها وحاجتها إلى فضاءات.