المخرج حر في اختياره

الناقد المغربي مصطفى المسناوي
 المخرجون المغاربة يركزون أكثر على المشاركة في الغرب

المسناوي

حاورته: سميرة المزاحي
أكد الناقد المغربي مصطفى المسناوي ـ الأستاذ بكلية آداب جامعة الدار البيضاء ـ، وعضو لجنة التحكيم بمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية بدورته الثانية عشرة أن السبب الرئيسي لغياب الفيلم المغربي عن المشاركة بالمهرجان هذا العام، يعود إلى أن الإنتاج السينمائي في المغرب هذا العام لم يكن حصاده جيدا، حتى إنه يصعب العثور على فيلم صالح لتمثيل المغرب في مهرجان دولي مثل مهرجان الإسماعيلية.
في هذا الحوار حذفنا الأسئلة التي لن تخفى على القارئ من خلال اطلاعه على الإجابات.

* أرى أنه لدى المخرجين المغاربة ـ بصفة عامة ـ عدم اهتمام بما يجري في المشرق العربي، هم يركزون أكثر على المشاركة في المهرجانات الغربية، وهذا هو الخطير في الأمر.. فإذا قلت لأحدهم هل تريد أن تشارك في مهرجان الإسماعيلية لهذا العام، يرد متسائلا: … وما هو هذا المهرجان؟.  في حين إذا علم أي من المخرجين بأن هناك مهرجانا (صغيرا جدا) للأفلام التسجيلية في إسبانيا، أو إيطاليا، أو في فرنسا سيبذل كل جهده للمشاركة فيه بفيلمه.

* المغرب تاريخيا لديه ارتباط قوي بالثقافة المصرية في عدة مجالات منها (المسرح ـ الأدب ـ الشعرـ الموسيقى…) إلا أنه في المجال السينمائي ليس هناك أدنى ارتباط، لأن فن السينما إضافة إلى الفنون التشكيلية، هي فنون وردت إلى المغرب عن طريق فرنسا، ونتج عن ذلك أن كل المشتغلين بالسينما أو بالفنون التشكيلية في المغرب تتجه أنظارهم إلى فرنسا وأوروبا، أكثر مما ينظرون إلى المشرق العربي، أو إلى العالم العربي.

في وقت من الأوقات كانت مصر رائدة على جميع المستويات (السينما ـ الأدب ـ الغناء ـ الطرب..) وكانت حريصة على أن تظل لها الريادة في ذلك، ولكن تخلي مصر عن هذا الدور جعل ثغرات من هذا النوع تظهر بحدة أكثر وجعل كثيراً من المبدعين في مجال السينما وما سواها يديرون الظهر لمصر، ويبحثون عن آفاق أخرى، ولكن ينبغي الاعتراف بأنهم مازالوا يتخبطون ولم يعثروا عليها إلى الآن.

* علاقة المشاهد بالسينما تراجعت في السنوات الأخيرة
* لا توجد رقابة في المغرب والمخرج حر في اختياره

* إن التطور الفني والثقافي على مستوى البلدان العربية ليس متماثلا ـ فعلى سبيل المثال ـ عرفت مصر المجال السينمائي سنوات عديدة قبل غيرها من البلدان العربية، ومن هنا جاءت ريادتها، ولا يمكن لأحد أن يزعم أنه قادر على أن ينافس مصر، الأمر ليس مطروحا بهذا الشكل، ولكن الواقع هو أنه لدينا بلدان عربية عرفت السينما منذ مئة عام، وبلدان ظهرت فيها السينما منذ 40 أو 50 عاما، وأخرى ظهرت فيها قبل 10 سنوات فقط، وبلدان لم تظهر بها صناعة السينما حتى الآن. ضمن هذا الواقع والتفاوت في سرعة الظهور يصعب تصور خلق عمل مشترك يوحد جميع السينمائيين بالبلاد العربية.

* مجتمعات الخليج لم تنتبه لإثبات دورها في المجال السينمائي إلا في العقد الأخير، وصارت هناك مهرجانات كبرى قد تؤدي إلى ظهور سينما خليجية متميزة في يوم من الأيام.

* أرى أن التفاوت الأكبر بين البلدان العربية يتمثل في الإمكانيات المادية، فالبلدان العربية تختلف في إمكانياتها المادية من بلد إلى آخر، فنجد أن البلاد العربية التي تتوفر بها الإمكانيات المادية ـ السعودية مثلا ـ لا توجد بها صناعة سينمائية، ولا يظهر في الأفق ما يوحي بوجود هذه الرغبة في ظهور السينما، بينما نجد في المقابل بلدا مثل ـ المغرب ـ لا تتوافر لديه الإمكانيات المادية ومع ذلك يرغب في ظهور صناعة سينمائية، لذلك إذا كانت هناك رغبة حقيقية في التكامل فينبغي أن تدعم السينما العربية في كل قطر على حدة، بشكل يجعل كل بلد يدعم البلد الآخر إما ماديا أو عن طريق عرض أفلام البلدان العربية في كل قطر عربي في قاعات مخصصة لذلك.

* هناك صناعة سينمائية مصرية حقيقية، تجعل رؤوس الأموال تغامر بدخولها في مجال الإنتاج، هذا الأمر ليس متوافرا في المغرب، ولا في أي دولة عربية أخرى، ولا يمكن لأي مخرج غير مصري أن يزعم بأن أفلامه مربحة تجارياً، على الرغم من أن صناعة السينما في مصر ليست بالقوة المطلوبة الآن، ولكنها تظل هي الأقوى على مستوى العالم العربي.

* تخصص الحكومة المغربية ميزانية تفوق (6 ملايين دولار سنويا) من أجل دعم وإنتاج ما لا يقل عن (10 أفلام روائية طويلة في السنة و50 فيلما تسجيليا قصيرا)، إلا أن هذه الأفلام لا تجد طريقها للعرض على شاشات الدول العربية، هي أفلام تعرض فقط في المغرب، في ما تبقى من قاعات، فقد تقلص عدد قاعات العرض السينمائية في المغرب من (240 قاعة) قبل 40 عاما إلى حوالي (60 قاعة) اليوم، وتعرض الأفلام كذلك في المهرجانات الأجنبية.

* الملاحظ أن علاقة المشاهد العربي بالسينما قد تراجعت في السنوات الأخيرة، وكثير من دور العرض أغلقت أبوابها، وأصبحت الفرصة الوحيدة هي مشاهدة الأفلام من خلال شاشة التليفزيون أو في بعض الحالات كما هو في بلدان المغرب العربي بصفة خاصة من خلال مشاهدة مكثفة لأقراص الـDVD، ترجع أسباب ذلك إلى التحولات التي حدثت على صعيد العائلة بالمجتمعات العربية بدعوى المحافظة، وكذلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية المتردية، وهناك أيضا من يتصور أن القنوات الفضائية المتخصصة في عرض الأفلام السينمائية هي التي أدت إلى تكاسل المواطن العربي وتقاعده عن الذهاب إلى السينما.

* تبقى المهرجانات السينمائية وسيلة أساسية لدفع الناس، وحثهم على الذهاب إلى السينما لمشاهدة الأفلام وتتيح لنا أيضا معرفة الحصيلة السنوية، سواء تعلق الأمر بالفيلم الروائي أو الفيلم القصير أو التسجيلي. مثلا في المغرب توجد مجموعة كبيرة جدا من المهرجانات، فنجد في كل مدينة صغيرة أو قرية مهرجانا سينمائيا خاصا بها، ولا تقتصر المهرجانات على المدن الكبرى.

* بالتأكيد ليس هذا بالظاهرة الصحية مئة في المئة، فإذا زادت المهرجانات على الحد المرغوب فيه، فلن يكون ذلك بالأمر الجيد، لأننا نجد أحيانا تكرارا لعرض نفس الأفلام في أكثر من مهرجان، وبذلك يتحول الأمر إلى ما يطلق عليه القافلة السينمائية، ولكن لا ينفي هذا وجود مهرجانات متميزة في المغرب، على سبيل المثال (مهرجان مراكش) الذي يتم تنظيمه سنويا ويعرض فيه أحدث ما أنتجته السينما في كثير من البلدان المشاركة، وبخلاف التقليد السائد في المهرجانات العربية الأخرى فإن هذا المهرجان لا يقوم بدعوة نجوم السينما ولكنه يسعى أولا إلى دعوة كبار المخرجين السينمائيين العالميين، ويتم تنسيق لقاءات بينهم وبين المخرجين الآخرين، وبين الجمهور بصفة عامة، ولكن كل هذا لا علاقة له بكمّ الأفلام التي تنتج في المغرب، ولا بصناعة السينما هناك.

* ليس هناك أي دخل لأحد في فرض رقابة على صناعة الفيلم في المغرب، والمخرج وحده له حرية اختيار الموضوع الذي يشاء، فهو يستطيع أن يتحدث بجرأة كما يشاء فيمكنه أن يلامس السياسة والجنس، وموضوعات أخرى كثيرة، وأرى كناقد أن المخرجين المغاربة يبالغون أحيانا في الدور الرقابي  الذي يمارسونه على أنفسهم، ونجدهم يحددون لأنفسهم مجالا للحركة أضيق من مساحة الحرية المتوافرة لهم، ويعود هذا إلى أنهم لم يستطيعوا بعد أن يتخلصوا من ضغوط الماضي التي كان يمارسها عليهم الاستعمار


إعلان