“أيام سينما الواقع” في سورية
مهرجان جديد للسينما التسجيلية في سنته الثانية
دمشق- يامن محمد
في الرابع من شهر مارس القادم يخطو مهرجان أيام سينما الواقع خطوته الثانية تحت رعاية المؤسسة العامة للسينما وشركة شركة “بروآكشن فيلم”، أما الخطوة الأولى فكانت في العام الماضي، عندما نظم المهرجان في دورته الأولى، مواجهاً لتحديات لا تقل ضراوة عن مجمل التحديات التي تواجهها المحاولات الثقافية “المستقلة” في عالمنا العربي خارج الأطر الرسمية، بما يتعلق بالتمويل والتنظيم والأهم من ذلك تحديد التوجه الجمالي والفني الذي يكوّن هوية المهرجان بحد ذاته، فكان أن استقطب المهتمين بالسينما من مخرجين وهواة ومشاهدين. أما الجائزة الوحيدة في المهرجان فهي جائزة الجمهور، الذي يصوت من خلال بطاقات خاصة بعد مشاهدته لكل فيلم، ما خلق أيضاً جواً من الراحة والثقة عند الجمهور كما صرح الكثير من الحضور.
وحول هذه التجربة صرح مدير المهرجان عروة النيربية للوثائقية شارحاً موقع هذا المهرجان وما يميزه جمالياً وفنياً في ساحة إعلامية ازداد فيها حضور البرنامج الوثائقي التلفزيوني، وأكد أنه ضمن النشاط المتزايد للمحطات التلفزيونية في هذا الإطار وببروز هذه الموجة مؤخراً يصبح السؤال الفني الجمالي هوَ “مهنتنا” حيث في العمل التلفزيوني يصبح للفيلم التسجيلي أهمية إخبارية وتتحدد الأفلام المعروضة في هذه المحطات بهذا الإطار بشكل عام، أما الأفلام التي يعرضها المهرجان فهي “كما يقول عروة” أفلام صنعها صانعوها لأن عيشهم سيكون أصعب إن لم يصنعوها، لأنها مسألة تعبير عن الذات ويضيف: “نسعى في هذا المهرجان لعرض أفلام يكون عمرها الافتراضي مديداً من خلال البعد الفني الخاص، هي أفلام عن مواضيع تهم بني البشر وتلامس تفاصيل حياتهم وآلامهم ولكنها أفلام صنعت بفترات إنتاج طويلة وبحث فيها أصحابها عن أشكال جديدة يعبرون فيها عن أنفسهم وعن قضاياهم، وهذا معناه تقنياً وبشكل مباشر أفلاماً ذات بنية درامية محكمة، بجمالية سينمائية عالية المستوى، يمكن أن تشاهدها على شاشة السينما وليس على شاشة التلفزيون فقط”
مشكلة البعوض وقصص أخرى | ||
ماذا عن التمويل والاستقلالية؟
وصف المهرجان من قبل القائمين عليه “بالمستقل” وحول هذه النقطة بيّن لنا “زاهر عمرين” مسؤول المكتب الصحفي، أن المهرجان اتبع أسلوباً للحفاظ على استقلالية المهرجان وتوجهاته بأن حدد المساهمة لكل جهة مانحة بما لا يتجاوز 20% من إجمالي التكلفة العامة للمهرجان، ما يضمن عدم تفرد جهة ما بكتلة الإنتاج الأساسية. ومن جهة أخرى يؤكد مدير المهرجان عروة النيربية أنهم يأملون أن يصبح حجم المساهمة العربية أكبر، ويقول: “إن المنح للعمل الثقافي غير الربحي في العالم العربي قليلة جداً ولعلنا طرقنا كل الأبواب الموجودة في العالم العربي! وفي النظام الحكومي في سوريا لا توجد أي قوننة لآلية التعامل مع نشاطات ثقافية مستقلة، ونحن نعلم تماماً أن الموارد المالية المخصصة للعمل الثقافي الحكومي نفسه هي أقل من اللازم، ونعتبر بالتالي أن من واجبنا ألا نزيد العبء على الكاهل. ولقد لمسنا اهتماماً ورغبة من جهات عربية مختلفة لتقديم دعم، ولعل قلة عددنا وظرف عملنا لم يمكنانا من الخيارات المتاحة على أكمل وجه”. والجدير بالذكر هنا أنه من بين الداعمين للمهرجان توجد جهة عربية واحدة فقط قدمت دعماً إنتاجياً مباشراً للمهرجان، وهي الصندوق العربي للثقافة والفنون، أما المؤسسة العامة للسينما فقد قدمت دعماً “لوجستياً” كتأمين صالة السينما، والرعاية. والجهات المانحة الأخرى هي: منحة الأمير كلاوس في هولندا، ومهرجان أمستردام التسجيلي الدولي، ومؤسسة دعم الإعلام الدولي في الدانمرك.
عن النشاطات:
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن المهرجان لهذا العام عمل على توسيع التظاهرات والنشاطات وزيادتها، فبالإضافة إلى استضافة40 فيلماً من 28 دولة، ستتضمن هذه الدورة تظاهرة “لقاء مع مخرج” التي يلي عروضها لقاء مفتوح مع مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي “نيكولا فليبير” صاحب فيلم “أن أكون وأن أملك” .
| ||||
كما ستكون هناك تظاهرات أخرى عديدة، كتظاهرة “صوت امرأة” واستضافات للكثير من السينمائيين، ولكن الأبرز من ضمن هذه النشاطات وجود ورشة عمل بعنوان “كتابة الفيلم التسجيلي” التي سيديرها المستشار والمدرب الدولي توه ستين موللر، ورئيس شبكة الوثائقي الأوربية المنتج مايكل إوبستروب، وسيشارك فيها 12 مخرجاً في إطار تطوير مشروعاتهم، مستفيدين مما سيقدمه المهرجان أيضاً من إمكانية عرض هذه المشاريع على ضيوف النشاطات التخصصية ومندوبين عن المنح الخاصة بالسينما التسجيلية، ما يثير التساؤل حول جدوى هذا التنوع في النشاطات وضرورته في ظل دعم محدود وعدد أفراد قليل ضمن مؤسسة صغيرة كبرو آكشن فيلم؟ وعن هذا قال عروة النيربية: ” المبدأ هوَ أن نفعل كل ما هوَ ممكن، بالتأكيد نشاطات أقل ستكون أسهل، لكننا في حاجة أيضاً إلى ورشة لاختيار التصميم الاستراتيجي لهذا المهرجان، نحن نتعلم من سنة إلى سنة.. ومن جهة أخرى هذه النشاطات تسد ثغرة تدريبية أولية لكنها لا تستعيض عن تأسيس معهد وطني للسينما و نجاحها إنما هو إثبات لضرورة تأسيسه”
وفي ظل تنامي الدور الذي أصبحت تلعبه المؤسسات الصغيرة المستقلة في العالم العربي، وملئها للكثير من الثغرات التي لم تستطع المؤسسات الرسمية ردمها، بقي أن نذكر أن “بروآكشن فيلم” تعتبر نفسها مؤسسة صغيرة للإنتاج الفني تختص بصناعة الفيلم التسجيلي الفني، و يمثل هذا المهرجان جزءاً من مشروع أكبر تسعى لتحقيقه وتسميه مبدئياً “مركز السينما المستقلة” ومن المرتجى أن يكون مركزاً سينمائياً ثقافياً غير ربحي. والمهرجان يلتزم من جهة أخرى بقوانين البلد وأعرافه، وكل الأفلام تخضع للرقابة من وزارة الثقافة، و في المقابل يتخذ المهرجان خياراته وقراراته ضمن لجان لا تمثل أية جهة أو جماعة.