هل تصبح الشاشة رديفا للسبورة..؟
رهان المهرجان الوطني الثامن للفيلم التربوي في المغرب
فاس: أحمد بوغابة
تشهد مدينة فاس (وسط المغرب) على امتداد ثلاثة أيام، من 17 إلى 19 أبريل الجاري، حدثا فنيا وتربويا، يتعلق بالدورة الثامنة من المهرجان الوطني للفيلم التربوي الذي دأبت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة فاس بولمان على تنظيمه، بشراكة مع جمعية فضاء الإبداع للسينما والمسرح. ولما كان شعار الدورة الحالية، ينسجم مع بعض أهداف البرنامج الاستعجالي الذي أطلقته وزارة التربية الوطنية، وهو”الفيلم التربوي دعامة أساسية لإرساء مدرسة الاحترام” ، فقد برمجت إدارة المهرجان ندوة وطنية في نفس الموضوع، ودعت إلى المشاركة فيها نخبة من الجامعيين ونقاد السينما، وذلك صبيحة الأحد 19 أبريل الجاري بالمركب الثقافي البلدي الحرية.
وفي سياق الأوراش التكوينية، وهي فقرة أساسية في هذه التظاهرة السنوية، سيعرف مقر الأكاديمية الجهوية بفاس صبيحة السبت 18 أبريل ورشتين لصالح المشاركين والتلاميذ ومؤطري الأندية السينمائية بالمؤسسات التعليمية. يدور موضوع الورشة الأولى حول “الممثل أمام الكاميرا”، وتؤطرها الفنانة المغربية الممثلة نعيمة المشرقي (وهي أيضا عضو بالمجلس الأعلى السمعي البصري المغربي)، وتقدم خلالها خلاصة تجربتها المتميزة في التشخيص والتمثيل، قدوة للأجيال الجديدة. أما موضوع الورشة الثانية فيتمحور حول: “تقنيات المونطاج” وسيؤطر هذه الوشة المخرج التلفزيوني أحمد النجم، الذي سيحاول أن يُمَكن المستفيدين من استيعاب بعض آليات وتقنيات إنجاز مونطاج لمادة مصورة، فنيةً كانت أو وثائقية أو إعلامية.
من جهة أخرى سيكون للمخرجين الشباب المشاركين بأفلامهم في المسابقة الرسمية وفي بانوراما الفيلم التربوي، موعدٌ مع مائدة مستديرة يشارك فيها الصحافيون والنقاد، ويؤطرها الأستاذ محمد فراح العوان، يوم 19 أبريل في الثالثة بعد الزوال.
تجب الإشارة إلى أن المهرجان توصل بعدد كبير من الأفلام التربوية القصيرة وردت عليه من مختلف الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين (77 فيلما)، وكانت لجنة الانتقاء الأولي والتي تشكلت من الأساتذة (فاطمة إغودان ـ رشيد الشيخ ـ إبراهيم الزرقاني ـ عزيز باكوش) قد اختارت 16 فيلما قصيرا للمسابقة الرسمية، و16 فيلما لبانوراما الفيلم التربوي المغربي، ويعتبر إحداث هذه اللجنة نقطة تحول في اختيارات المهرجان عما كان سائدا في السابق. وصارت الجودة هي المعيار بذل إلزامية تمثيل الأكاديمية بفيلم واحد. أما لجنة التحكيم الرسمية لهذه الدورة، فتتكون من: سعد الشرايبي (مخرج) رئيسا، وعضوية: محمد عز الدين التازي (كاتب روائي)، ومحمد الدرهم (فنان)، وصوفي حفيظة لطفي (مديرة مجلة Cinémag) ومحمد الشوبي (ممثل).
هذا، وسيفتتح المهرجان الوطني الثامن بالفيلم القصير ” سلام وديميتان” الفائز بالجائزة الكبرى في الدورة الأخيرة لمهرجان طنجة للفيلم الوطني (دجنبر 2008)، وهو للمخرج محمد أمين بنعمراوي، كما سيعرف المهرجان، وسيرا على سنته الحميدة في تكريم رموز السينما والتربية، تكريم أحد قيدومي المسرح والسينما المغاربة، وهو الفنان محمد التسولي، حيث سيقدم الكاتب المغربي عبد الكريم برشيد شهادة في المسار الطويل المتميز لهذا الفنان المقتدر.
![]() |
محمد التسولي
” فلنتحصن بالسينما ضد السينما “
وقد تقدم المدير الفني للمهرجان الأستاذ الكاتب عبد السلام المساوي بتوطئة يقول فيها: ” هبات السينما لا تنقطع منذ فجر الضوء على الحيطان الفضية مباهجه، فصارت السينما طقسا خاصا لتأجيل الحياة الخاصة ودخول حياة الآخرين بعد تشذيبها وتحويلها وفق مستلزمات الفن والموقف. لقد استوعبت السينما على امتداده تاريخها، الذي صار طويلا، ملاحم الإنسان المعاصر وترهاته أيضا. حيث أصبح الحديث مُتاحا عن سينما جادة وأخرى هازلة، فهناك من ينجز أفلاما للفن والحياة، وهناك من ينجزها وعينه على الشباك.. وإذن فلنُحصن بالسينما ضد السينما، ولنجعل منها وسيلة فعالة من وسائل التربية، مقتدين في ذلك بمن سبقونا، وقطعوا أشواطا بعيدة في هذا المضمار. لنفكر بإرساء سينما تربوية ومواطنة تعرضها القاعات وشاشات القنوات التلفزية، وكل وسائل العرض المتنوعة التي جاد بها زمن العولمة، سينما يقبل على إنجازها محترفون وهاوون على حد سواء حتى لا يبقى الأمر موضوعا على حافة المحاولات التي قد تصيب وقد تخطئ”
ولتقريب المتتبع للشأن السينمائي أكثر لهذه التظاهرة حملنا مجموعة من الأسئلة إلى مديرها الفني الأستاذ عبد السلام المساوي، عضو بالاتحاد كتاب المغرب ومناضل على الواجهة الثقافية، حيث قدم لنا في البداية نبذة عن تاريخ تأسيس هذه التظاهرة كملتقى للفيلم التربوي سنة 2001 من قبل جمعية فضاء الإبداع للسينما والمسرح بفاس، وعرف تطورا سريعا منذ دوراته الأولى. وبعد الدورة الثانية تبنته الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة فاس بولمان، حيث تدرج الملتقى من الإطار الإقليمي، إلى الإطار الجهوي فالمستوى الوطني. وفي سنة 2007 تحول إلى مهرجان وطني وعرف إقبالا كبيرا من حيث المشاركات، وتعاطفا من قبل المنظمات التي تعنى بالتربية كالإيسسكو على سبيل المثال لا الحصر. وهناك اتجاه – يضيف المدير الفني للمهرجان – لأن يصبح هذا المهرجان دوليا في القريب. بعد أن حقق عدة أهداف تربوية، وخلق جوا تنشيطيا داخل المؤسسات التعليمية. ولازال الساهرون على هذا الملتقى يطمحون إلى تحقيق المزيد من الأهداف التربوية “.
عبد السلام ميساوي
ومعلوم أن مهرجان فاس للفيلم التربوي تسهر على تنظيمه مؤسسة تربوية كبيرة، كما سبق القول، هي أكاديمية فاس بولمان ، بمعية جمعية فضاء الإبداع للسينما والمسرح، وهذا يعني أن صرامة الإعداد ودفتر التحملات في كل فقرات المهرجان من الأمور التي تحترم بدقة. كما نشير إلى رصانة اللجن التي يوكل إليها التحكيم أو التدخل في الأوراش والندوات.. ويكفي أن نشير إلى أن هناك أسماء وازنة مغربية في السمعي البصري تسهر على المواكبة والمساعدة في الإعداد.
” الفيلم التربوي دعامة أساسية لإرساء مدرسة الاحترام “
فما هو المقصود بالبعد التربوي في الفيلم؟ سؤال يجبينا عليه الكاتب عبد السلام المساوي بكون المقصود به هو ” جعل الفيلم وسيلة مدرسية في تحقيق الأهداف التربوية التي تسعى إليها منظومات التربية والتكوين في العادة، بالإضافة إلى حفز التلاميذ على الانفتاح والتميز وإثبات الذات” .
ثم يضيف لنا مجموعة من النقط التفصيلية لهذا البعد التربوي كإيضاح لخط تحرير المهرجان والمتمثلة في:
“- دمج الوسائل السمعية البصرية في منظومتنا التعليمية باعتبارها عاملا أساسيا في الارتقاء بجودة الأداء التعليمي، وذلك تبعا لدعامات ميثاق التربية والتكوين في هذا الباب.
– مراهنة المهرجان على أن تصبح الشاشة الفضية رديف للسبورة في إنتاج المعرفة ودعم الوعي التربوي وتنمية وسائل أدائه.
– اعتبار الفيلم التربوي حافزا من حوافز معالجة قضايا تعليمية في المجال الحضري والمجال القروي، كما أن من مزاياه زيادة الأثر التربوي إلى الحد الأقصى والتقليص من النسيان، وجعل عملية التعلم حسية أكثر منها لفظية.
– خلق ثقافة سينمائية لدى المتعلمين تحقق لديهم القدرة على فهم دلالات الصورة وتفكيك الخطاب السينمائي ومقاصده لتوظيف مكوناته في مختلف أشكال التعلم.
– التحسيس بأهمية خلق الأندية السينمائية بالمؤسسات التعليمية لما لها من انعكاسات عمودية على الحياة المدرسية.
– المساهمة في تخليق الحياة العامة وروح المواطنة، والارتقاء بالسلوك المدني، والإسهام في التنمية البشرية “.
لنُسائل المدير الفني للمهرجان من جديد عن علاقة الجمهور والمؤسسات التعليمية بحيثيات هذه التظاهرة التي تحمل صفة التربوية والتعليمية أكثر منها نشاطا ثقافيا عابرا في المكان والزمن؟.
فيجيبنا بكون ” جمهور المهرجان مستمر على مدار السنة، وأقصد بذلك بأن للمهرجان جمهوره العابر خلال المدة التي ينظم فيها، وهناك جمهور آخر في المؤسسات التعليمية، إذ تعرض عادة الأفلام الفائزة بجوائز لجن التحكيم في مناسبات الأسابيع الثقافية التي تنظم في المؤسسات التعليمية على مدار السنة، كما أننا نتلقى بشكل دائم طلبات الحصول على نسخ من الأفلام التربوية التي أصبحت تتوفر عليها أكاديمية فاس بولمان بعد تراكم دورات المهرجان “.
لكن هل مهرجان الفيلم التربوي بفاس تظاهرة للسينمائيين المحترفين أم للهواة؟
يجيبكم على هذا السؤال الأستاذ عبد السلام المساوي بشكل قطعي: ” ليس مهرجانا محترفا، فمعظم المتقدمين بالأفلام التربوية هم من الأساتذة والتلاميذ ولكن لهم هواية وولع بالسينما.. لكن أحيانا نتوصل بأفلام يساهم فيها محترفون، ونحن نثمن مثل هذا التعاون بين الهواة والمحترفين، بل وندعو إلى ذلك في شروط المسابقة. بالإضافة إلى أننا نتعهد المشاركين بدورات تكوينية وأوراش يؤطرها متخصصون في العمل السينمائي لكي ننتقل بالهواية إلى مزيد من الصقل والتهذيب. فعندما نتذكر أفلام من قبيل “جدول الضرب” لعبد اللطيف الفضيل و”من حذاء لحذاء” لحسن دحاني و”نكين دمي” للأستاذ الكتبي وهي أفلام توجت في دورات المهرجان السابقة، نجد أنفسنا أمام أعمال جيدة جدا بعضها يتفوق على أفلام بعض المحترفين في لغة الصورة السينمائية وفي تقنياتها”.
أما آخر تساؤل نضعه أمام المهرجان هو حول الإمكانيات الممكنة لإدراج السينما في مناهج التعليم بالمغرب فتلقينا لكم الجواب التالي: ” هناك أكثر من إمكانية لإدراج السينما في المناهج، فبالإضافة إلى الطريقة التقليدية في وضع نصوص في كتب المقررات تتحدث عن السينما وأدوارها في التربية والتثقيف، ينبغي التوجه نحو إتاحة عروض سينمائية بشكل مدمج بمعنى خلال الدروس، علاوة على تفعيل الأندية السينمائية داخل فضاء المؤسسات التعليمية.. وقد ساهم المهرجان في السنوات الأخيرة على خلق مجموعة من هذه الأندية، ونحن نتوقع أن يساهم هذا المهرجان وغيره في استعادة دبيب الحياة في قاعات السينما واستعادة جمهور السينما من جديد، فالرهان معقود على تربية الجيل الجديد على محبة الفن السابع، وتمكينه من فهم اللغة السينمائية التي هي من أرقى اللغات “. فلا يسعنا بدورنا أيضا إلا أن نتمنى مع إدارة المهرجان تحقيق ذلك في المستقبل.