وثائقيات شبكة الجزيرة: اسم لأكثر من مسمى

 والوثائقي ينحرف عندما تغيب عنه الموضوعية 

الوثائقية – خاص
 

الفيلم الوثائقي في شبكة الجزيرة وجبة قارة للجمهور سواء في الإخبارية أو الوثائقية أو الإنجليزية.. زلكن من حيث الكم والكيف هل هو نفسه بين تلك القنوات؟ أم أن لكل قناة من قنوات الشبكة رؤية للوثائقي ؟ إذا كانت الإجابة بنعم هل يعود الاختلاف في التصور إلى طبيعة الجمهور المستهدف أم إلى أهداف كل قناة..؟؟ ثم ما وظيفة الوثائقي في كل شاشة من شاشات الشبكة؟
هذه الأسئلة وغيرها حاولنا أن نلج بواسطتها “مكتبة” الوثائقي في شبكة الجزيرة لنرصد المؤتلف والمختلف بين القنوات. وفي هذا التقرير نحاول أن نوضح للقارئ بعض ملامح الفيلم الوثائقي الذي يشاهدونه على مختلف شاشات الشبكة.. ونبدأ بالجزيرة الأم الجزيرة الإخبارية..

حجاوي :الوثائقي في العربية عربة يجرها الخبر

عارف حجاوي

يقول عارف حجاوي مدير البرامج في قناة الجزيرة الإخبارية أن بدايات الوثائقي  على شاشة الجزيرة الإخبارية كانت ” تقريراً إخبارياً مطولاً، كان المراسلون في عواصم العالم المختلفة (القاهرة، عمان، إسلام آباد…) هم الذين ينتجون الفيلم الوثائقي، كانت تقوم لديهم صور كثيرة عن موضوع إخباري ما فلا يستطيعون أن يوظفوا كل هذه الصور في نشرة أخبار فيجمعونها في وثائقي”.
هذه الضرورة تراجعت بعد تطور صناعة الوثائقيات عبر العالم اتجه زملاء آخرون إلى هذا الميدان ” كانوا يعملون في غرفة الأخبار ولديهم أيام قلائل لكي يسافروا ويصورا ثم يعودوا إلى غرفة المونتاج. منذ سنوات قليلة تفرغ بعض الزملاء وبدأوا ينتجون الوثائقي بشكل مستريح أكثر، بوقت أطول في غرفة المونتاج، هنا بدأ يدخل عنصر الاختلاف. أنا هنا أتكلم عن الناحية التقنية.. استخدمنا أكثر المتاح مونتاجياً.. الأساليب المونتاجية المختلفة، وبشكل مستمر تطور الوعي بالمونتاج وتطورت خبرة الزملاء المونتيرية فأصبحوا يوظفون الأكثر إثارة في تمثيل الحدث، والبناءُ نفسه بدأ يأخذ الأشكال الوثائقية المختلفة والبعيدة عن التقرير الإخباري.
وحسب حجاوي فأن الإخبارية العربية لازالت تبحث عن الصيغة الأمثل للوثائقي، وتسعى لتخطي المشكلات التي تواجه هذا الطموح مثل التمويل وتراكم الخبرات وقلة عدد العاملين حيث لازال عمل الوثائقي هنا يتصف بالفردية.
ويشير حجاوي أيضا إلى أن بعض الأحداث الساخنة تفرض إيقاعها على الفيلم الوثائقي في الإخبارية قائلا ” إذا كان الحدث حاراً فنحن ننطلق منه ونعمل الوثائقي على هذا الحدث ولا يكون الحدث بعيداً عن الأخبار بما يكفي لكي يستريح الحدث”. مما يجعل الوثائقي أحيانا وكأنه “توسعة للأخبار وتعويض، لأننا قناة إخبارية والثقافة قليلة الحضور في الوقت المشاهد (المساء) لذلك ترانا نعمل وثائقيات ثقافية لكي نعوض النقص، فنتجه ثقافياً لأن المحطة تغلب عليها الأخبار”.
لكنه لا يوافق في الذهاب بعيدا في هذا الشأن، ويرفض أن يكون الوثائقي هنا مجرد تغطية للخبر السياسي “لا أوافقك، مازال سياسياً في طبيعته العامة وينحو منحى الثقافة للتعويض عن قلة ما نبثه من الثقافيات. فهذه الخلطة موجودة باستمرار لكنه ليس الوثائقي التاريخي، نحن لا نقص قصة تاريخية قديمة ليست لها في الواقع أصداء.. كامب ديفيد مثلاً معاهدة قديمة منذ 30 سنة، تحل مناسبتها الآن (الذكرى الثلاثون) فعندنا وثائقي عنها، إذاً هو تاريخ ولكنْ، له أصداؤه المعاصرة”. وللتوسع في شرح هذا المثال يضيف حجاوي “هو يقع بين السياسة والتاريخ ولكن ليس بشكل مطلق، الحقيقة أننا في إنتاج الوثائقي يحكمنا واقع هذه الصناعة في العالم العربي.. الخبرات نادرة أو هي أقل مما نجده في أوروبا وأمريكا في هذا المجال.. الخبرات في النص، في التعمق، في البحث، وفي الصورة بشكل أساسي.. تقنيات الصورة الآن انطلقت إلى أبعاد كبيرة، في العدسات، في الزوايا، في طريقة التصوير وفي المونتاج .. التصوير بالهيلكوبتر في كثير من الوثائقيات الأجنبية أصبح أحد الأساليب، لكنه منعدم في عالمنا العربي”.
هناك أيضا ملحوظة أخرى ينبغي ربما مراعاتها فيما يخص الجزيرة الإخبارية، فجمهور الوثائقي هنا هو نفسه جمهور الأخبار السياسية، وهذه الملاحظة تفسر الميل الواضح في أنتاج الوثائقي السياسي في هذه القناة، وكي ينجح القناة في جذب جمهورها لمشاهدة وثائقيات مختلفة ( البيئة، المياه في العالم، الأدوية….) تتجه أحيانا لبث هذه الأشرطة قبل وقت الذروة بقليل كي تضمن اكبر نسبة مشاهدة ممكنة.
لكن ما موقع الموضوعية في هذا الإنتاج؟. يؤكد حجاوي أن رؤية المخرج تحضى بالاحترام في الإخبارية، والمهم هو المبرر الفني ودقة المعلومة مع التأكد من عدم استغلال الجزيرة الإخبارية كمنبر، معترفا بأنه  يتم أحيانا التضحية بالفني في سبيل السياسي تحت ضرورات الوقت والحدث، خاصة مع نقص الخبرات العربية في المجال الوثائقي.
يلاحظ حجاوي أن هناك فرقا في مفهوم الموضوعية بين الوثائقي والفيلم السينمائي الروائي، ويعتبر أن “الوثائقي ينحرف عندما تكون الموضوعية ليست موجودة ويقنع نفسه بذلك وينطلق على هواه. وعلى رأي يوسف شاهين لما قالوا له: “أنت بذلك الفيلم أظهرت البطل التاريخي الفلاني سيئاً جداً”. كان رده: “أنا عاوزه كده، أنا عاوز أطلعه زبالة”، هنا أقول: بالسينما لا أناقش يوسف شاهين ولكن في الواقعي أناقش وأشدد النكير على من يقول: (لا توجد موضوعية)، لا، توجدُ موضوعية كما توجد منضدة تسمع صوتها.. الموضوعية موجودة وذاتك موجودة، لا تعارضْ الموضوعية ولا تقللْ من شأن ذاتك، اعملْ المعادلة المعقولة بينهما، ولكن لا تنكرْ الموضوعية، حين تنكرُ الموضوعية تقع في الكذب..”.
 وبهذا المعني يرى أن الوثائقي يملك قدرات حقيقية على تطبيق شعار الجزيرة :(الرأي والرأي الآخر). وذلك لقدرته على موازنة الأمور.

الانجليزية:  مشاهدنا المختلف يتطلب وثائقي مختلف

 

غيلنز ترندل

يقول السيد غيلز ترندل نائب رئيس قسم البرامج الوثائقية بالجزيرة الانجليزية أن القناة تركز في إنتاجها على تناول الظاهرة الفردية والنفاذ منها على القضايا العامة، حيث تكون الشخصية هي الطريق على تناول الظاهرة المراد تسليط الضوء عليها ومتابعتها.
وفي أسباب هذه السياسة الإنتاجية يقول غيلز قد يكون الاختلاف في نوعية الجمهور المتابع للانجليزية الدور الأهم في أتباع هذه الطريقة في الإنتاج، فالناس تحب القصص والحكايات وأفضل من يعبر عن ذلك هو الفرد.
السيد غيلز سبق له وأن عمل في الجزيرة العربية ضمن برنامج “سري للغاية” وأعطاه التنقل بين العربية ” التي يتحدثها بشكل جيد” والانجليزية خبرات إضافية، وأهمها أن الاختلاف بين العالمين ليس فقط اختلاف لغوي محض ولكنه أيضا اختلاف ثقافي، وهو ما يجب مراعاته في سياسة الإنتاج الخاصة بالجزيرة الانجليزية.
وحول مدى حضور الموضوع العربي في الجزيرة الانجليزية، يرى السيد غيلز أن الانجليزية أنتجت معالجات لمواضيع عربية قوية مثل عمل باسم ” الشارع الفلسطيني” الذي يشتمل على جزئين، وشريط ” ترقب دولة” حول مصر مبارك حاضرا ومستقبلا. ويضيف أنه بشكل عام ومن خلال التعليقات التي تنشر وتصل يمكن القول أن هناك تقبل جيد للإنتاج الموضوع العربي في القناة الانجليزية، وهناك أناس يقولون لنا أننا نتعلم عن العرب من خلال ذلك.
أما عن الخطوط الحمر المفترضة لدى الجزيرة الانجليزية فيعلق السيد غيلز بأن المشاهد الغربي تعود على بث “البي بي سي” و”السي أن أن” ولذا علينا أن نفهم أننا مع مشاهد مختلف بتوقعات مختلفة. كما علينا الحذر دائما من الإشكالات القانونية التي يمكن أن تنتج عن تناولنا لبعض المواضيع، خاصة أننا نشتغل على مسرح عالمي.
وكمثال على اختلاف المساحات المتاحة ونسبيتها من حيث الحرية والخطوط الحمر، يشير غيلز إلى أن شريط  ” ترقب دولة” لم يبث في الجزيرة العربية تفاديا لبعض الحساسيات رغم إعجابهم به كعمل فني وثائقي.

 الوثائقية: الفيلم عندنا هو معالجة خلاقة للواقع

منتصر مرعي 

يقول رئيس قسم الإنتاج بقناة الجزيرة الوثائقية منتصر مرعى أن لا يوجد تعريف محدد للفيلم الوثائقي ولكن يوجد نوع من التعارف على أنه “معالجة خلاقّة للواقع”.
وفي الجزيرة الوثائقية – يضيف مرعى- نعتقد أن الفيلم الوثائقي يتقاطع مع مهنة الصحافة من حيث تناول الواقع، ومع الفن أيضا من حيث كيفية تناول هذا الواقع وتقديمه للجمهور، ولذلك فنحن نركز بشكل كبير على الناحية الفنية لأن إيقاع الأفلام لدينا مختلف عن إيقاع الأفلام الوثائقية المرتبطة بالخبر أو بالشأن الجاري وتتسم بالسرعة. ونحاول تناول الواقع بأسلوب فني يقدم للمشاهد خلفيات عميقة لما يدور عنه وحوله، وتتيح له فرصة أكبر لتأمل هذا الواقع.
عامل الإيقاع والوقت الكافي نسبيا يجعل من اختلاف المواضيع المتناولة أمرا ممكنا، ويمكن أيضا أن تحصر هذه المواضيع تحت عنوان أو تيمه واحدة عريضة متعددة التفاصيل، يشرح مرعى ذلك بالقول “إذا كانت لدينا تيمه فهي “واقع الإنسان” وكل ما هو مرتبط به، والجزيرة الوثائقية منحازة إلى الإنسان بصرف النظر عن لونه أو عرقه”.
وأن كان ذلك لا يمنع من التركيز على مناطق معينة، لأن ذلك يمكن تبريره، فبالنسبة ” للواقع الفلسطيني والعراقي فهو مهم بالنسبة للمشاهد العربي، ويفرض نفسه بحكم تطور الأحداث وامتدادها على فترات زمنية طويلة، وبالتالي لا يمكن تجاهل هذا الواقع، ولذلك فنحن نحاول أن نعطي الأحداث في هذين المكانين حقهما، وفي المقابل نفرد مساحة كبيرة ومهمة للمواضيع والدول الأخرى على صعيد السياسة والثقافة والقضايا الاجتماعية وما إلى ذلك”.

 الفسحة والوقت المتاح في الإنتاج يحمل بدوره تحدياته الخاصة، التي تدور حول عوامل جذب الجمهور في احتيار المواضيع وطريقة تنفيذها فنيا، وهو ما يسميه منتصر مرعى بالإثارة المشروعة، التي يشرحها لنا بقوله ” لا أرى مانعا في “الإثارة المشروعة” وأقصد أن تقدم محتوى عميقا ومفيدا وبأسلوب يجذب الجمهور، والجزيرة الوثائقية خدمة ثقافية ترفيهية، وأقصد بالترفيهية بأنه لا مانع لدينا أن يستفيد المشاهد ويستمتع بنفس الوقت، لا تعارض بين الأمرين، وهذا مختلف تماما عن البرامج الترفيهية والترفيهية فقط على شاشات لا حصر لها”.

 هذا طبعا يتطلب قبل كل شيء تحديد نوعية الجمهور المستهدف بالمشاهدة، وطموح الوثائقية يبدو كبيرا في هذا الشأن، كونها ناطقة بالعربية وتبث تحت عنوان شبكة الجزيرة ذات الجمهور العريض الذي تحاول الوثائقية أن تبقى معه على خط واحد كما تسعى للوصول لخلق توازن ” لتلبية احتياجات الفئات العمرية المختلفة، ونحن نركز في المستقبل على شريحة الشباب. وأعتقد أن معظم مشاهدي الوثائقية هم من جمهور شبكة الجزيرة وهي الروح التي تحاول الوثائقية المحافظ عليها، وأعتقد أيضا جمهورنا ممن يبحثون عن المتعة الهادفة “.
ويدرك السيد مرعى أن الاتكاء على ذلك وحده لا يكفى، فكون جزء من هوية الجزيرة الوثائقية هو امتداد لهوية الجزيرة في انحيازها للإنسان، وللحقيقة، وتقديمها لرؤية مختلفة “من الجنوب إلى الشمال” ثقافيا، كل هذا يتطلب سندا آخرا من التميز، حيث كما يقول ” منذ انطلاقها قبل عامين تحاول الجزيرة الوثائقية بلورة هويتها من خلال تخصصها في الفيلم الوثائقي وهو مجال مختلف عن التغطية الإخبارية، إضافة إلى الاهتمام الشديد بالناحية الفنية والسينمائية كلغة، ولأنها أول قناة من نوعها في المنطقة، وجديدة بالنسبة لهذا المجال فهي تحتاج إلى وقت لبلورة هويتها النحو الذي نأمله” .


إعلان