فيلم النكبة يثبت أن أصولها تعود إلى بونابرت..

والجائزة مسؤولية وليست مكافأة

حاورها حسن مرزوقي

 روان الضامن
مخرجة ومنتجة فلسطينية في إدارة البرامج بقناة الجزيرة الأم، حاصلة على درجة الماجستير في الأفلام الوثائقية من جامعة ليدز في بريطانيا بمرتبة الشرف، ودرجة البكالوريوس في الإعلام وعلم الاجتماع بمرتبة الشرف من جامعة بيرزيت في فلسطين. عملت في التلفزيون الأردني والفلسطيني قبل أن تلتحق بأسرة الجزيرة. أخرجت في قناة الجزيرة اثني عشر فلما وثائقيا حول رائدات الوطن العربي (2006/2007) وسلسلة أفلام النكبة (أربع أفلام) عام 2008، ومؤخرا فلم السلام المر (عرض في آذار/مارس 2009).

 

روان الضامن

التقيناها على هامش مهرجان الجزيرة الوثائقية في دورته الخامسة حيث تحصل فيلمها “النكبة” على جائزة أحسن فيلم متخصص في القضية الفلسطينية وهي جائزة استحدثها المهرجان وتتبناها شبكة الجزيرة الفضائية. وحاولنا أن نسلط الضوء على تجربتها الوثائقية عامة وخصوصية فيلم النكبة. 
 
أخت روان ألف مبروك على الجائزة وأسألك  ماذا تمثل لك جائزة أحسن فلم طويل عن القضية الفلسطينية في مهرجان الجزيرة الخامس للأفلام التسجيلية؟
إن هذه الجائزة وسام على صدري، ووسام للجزيرة لتبنيها لهذا العمل الموسوعي حول القضية الفلسطينية في الذكرى الستين لفصل النكبة والتهجير منذ عام ثمانية وأربعين، وأرى أن هذه الجائزة هي خير دليل على مقولة أن من جد وجد، لأن العمل كان تحديا كبيرا، وأنه عندما تقرر قناة الجزيرة أن تقدم فلما وثائقيا حول نكبة فلسطين وهو موضوع أنجز عنه مئات الأفلام فلابد أن نقدم شيئا جديدا على المستويين الموضوعي والبصري، والحمد لله أننا وفقنا في ذلك وقدرت لجنة تحكيم مستقلة دولية ذلك بإعطاء الفلم هذه الجائزة. 
 
كم كان عدد الأفلام المشاركة في هذه الفئة (أفلام القضية الفلسطينية)؟
المسابقة كانت مفتوحة لجميع الأفلام التي أنتجت في عام 2008 (العام الماضي) حول القضية الفلسطينية وتقدم حوالي ثمانية أفلام طويلة (أكثر من ساعة) تناولت موضوعا فلسطينيا، لأن فلم النكبة في الحقيقة أربع ساعات لكن تمت المشاركة بالساعتين الأوائل منه (حوالي مئة دقيقة) لذلك تنافس الفلم مع أفلام عدة من إنتاجات عربية وأوروبية، والحمد لله على النتيجة. 
 
هل فاز الفلم بسبب القضية الفلسطينية التي يتعاطف معها الجميع أم لأنه حقق بنجاح الشروط الفنية للفلم الوثائقي (الصورة، السيناريو،…)؟
جميع الأفلام في المهرجان تقيّم موضوعيا وفنيا، فلجنة التحكيم لها اعتباراتها في اختيار الفلم لكن حسب ما نقلت لي عضو لجنة التحكيم بعد الجائزة المخرجة التركية السيدة سيبيل فقد ذكرت لي أن المعلومات التي حملها الفلم وطريقة العرض التشويقية التي استخدمها كانت الأساس وراء اختياره للجائزة، وأنه رغم طول الفلم (ساعتان) إلا أن اللجنة أصغت لكل كلمة في الفلم ولم يتحرك أي فرد منهم منذ الدقائق الأولى للفلم حتى النهاية، كما ذكر لي عضو التحكيم الإعلامي المصري ياسر محب أن قرار اللجنة، بحمد الله، كان بالإجماع لاختيار فلم النكبة. 
 
ما هو الهدف من الفلم: هل هو إعادة إحياء النكبة بشكل مستمر أم تحويل النكبة إلى موضوع للفن من خلال الوثائقي مثلما فعل الشعراء والروائيون والسينمائيون؟
كان الهدف من فلم النكبة هو الإضاءة على الخلفيات الحقيقية لحدوث النكبة وإثبات أن نكبة فلسطين لم تحدث عام ثمانية وأربعين وإنما بدأت قبل ذلك بسنوات طويلة، وبالتحديد منذ عام 1799 عندما خطرت لنابليون، ضمن خطته الاستعمارية، فكرة إقامة كيان يهودي في فلسطين، ثم الرغبة البريطانية في ذلك عام 1840 وما تلا ذلك من الانتداب البريطاني على فلسطين منذ دخول الجنرال اللنبي عام 1917 مرورا بالطبع بالمخططات الصهيونية للتطهير العرقي. 

وأؤكد أن النكبة لم تنته بعد، إن ما نشهده حاليا هو فصل جديد من فصول التطهير العرقي بالتهجير والطرد بكل أساليبه القمعية وإن كان بخطى أبطأ. لذلك فإن الفلم كان يحمل رسالة جديدة في مضمونها، كما قدم وثائق وصور عرضت لأول مرة على شاشة عربية، صور نادرة ووثائق كشفت من الأرشيفات البريطانية لأول مرة، واستضاف الفلم نخبة من المؤرخين الفلسطينيين والبريطانيين والإسرائيليين الذين قدموا شهاداتهم التاريخية من واقع دراستهم وما كشف عنه الأرشيف الصهيوني والبريطاني وما أكدته الروايات الشفهية الفلسطينية. 
 
كيف تقيّمين صناعة الفلم الوثائقي في العالم العربي والمشاركات العربية في مهرجان الجزيرة للأفلام التسجيلية هذه السنة؟
لقد سعدت بالمشاركة في مهرجان الجزيرة الخامس، وبالتعرف على مخرجين عرب وغربيين يؤمنون بلغة التوثيق بالكاميرا لنقل جانب من الحقيقة إلى العالم، وكان هناك عدة أفلام قوية ومميزة في الحقيقة، وأحيانا تكون مدتها سبع دقائق أو سبعون دقيقة، الطول ليس هو المهم، التميز هو الأهم. أعتقد أن الفلم الوثائقي شأنه شأن مختلف الأشكال الإعلامية العربية ما زال أضعف في العالم العربي من الإعلام الغربي، والسبب ليس فقط الفجوة التاريخية لأن التلفزيون بدأ مثلا في بريطانيا في الثلاثينات بينما بدأ في العالم العربي في الستينات، لكن السبب برأيي هو ضعف البحث وراء الكثير من الأعمال، فيعتقد بعض المخرجين أن التصوير الفني هو الأساس، بينما البحث المعمق يكون ضعيفا وراء فلم هو من الناحية الشكلية جميل. لذلك فنحن في حاجة في العالم العربي إلى الاهتمام أكثر بالبرامج المعمقة التي تستند إلى الجهد والعمل وليس الاستسهال. 
 
هل أصبحت لدينا ثقافة وثائقية في العالم العربي، بعبارة أخرى هل الجمهور العربي يطلب الوثائقي مثلما يطلب الروائي؟
إن الثقافة البصرية في العالم العربي مازالت ضعيفة، فالثقافة الشفهية بين العرب هي الأقوى. ورغم أن الدراما قد احتلت مكانا بارزا في وجداننا العربي إلا أن الثقافة البصرية مازالت تتطور لدى المشاهد، ولذلك سيحتاج الأمر وقتا لكي ترى الجمهور العربي يطلب الوثائقي، وهذا هو الدور الذي علينا كمنتجين ومخرجين للأعمال الوثائقية أن نقوم به، أن نقدم نوعا متميزا يجعل الجمهور ينتبه لتلك الأعمال. 
 
ماذا بعد الجائزة، هل هناك من مشاريع أخرى؟ أي أن الجائزة أصبحت مسؤولية لديك ولا يجب أن تنزلي دونها؟
لقد حصلت عام 2004 على جائزة أفضل فلم وثائقي في مهرجان نوريك في بريطانيا عن فلم صورته ومنتجته (من الألف إلى الياء) خلال دراستي للماجستير هناك (عام 2003)، والحمد لله كانت تلك الجائزة الأولى لي في المجال الوثائقي، وكانت دفعة قوية لي لأن أستمر في هذا العمل. وجائزة مهرجان الجزيرة 2009 تأتي لتعطيني دفعة أقوى لكي أستمر في نفس الطريق رغم كل الصعوبات، فالعمل القوي يحتاج إلى الكثير من العمل، وإن شاء الله أن تكون هناك فرصة لإنجاز أعمال تليق بمشاهد الجزيرة، وبشبكة عالمية ذات رسالة إنسانية مثل الجزيرة. 


إعلان