اختتام أيام السينما التونسية .. ظلال التسعينات
اختتمت الأسبوع بقاعتي أفريكا ودار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة التونسية أيام السينما التونسية التي انطلقت يوم 15 من نفس الشهر. وتأتي هذه الدورة لتكرّس هذه التظاهرة التي تشهد سنتها الرابعة. وكانت سهرة الاختتام بأفلام “سينما عربية: مواجهة بين المخرجين”لمراد بالشيخ وهو من إنتاج 1997 ويمتد على 28 دقيقة يقدم فيها بعض المخرجين العرب نظرتهم إلى السينما في مهرجان السينما العربية ببالارمو وفيلم “الخطاف لا يموت في القدس لرضا الباهي وهو من إنتاج سنة 1994 ويمتد على 88 دقيقة وشهدت سينما أفريكا عرض فيلم جيلاني السعدي “مقهى نزل لافيني ” من إنتاج سنة 1997 وهو فيلم في 28 دقيقة ثم عرض فيلم “غدوة نحرق”لمحمد بن إسماعيل من إنتاج سنة 1998 وفي 95 دقيقة.
واختتمت التظاهرة بفيلم “صمت القصور” لمفيدة التلاتلي من إنتاج 1994 في 127 دقيقة وهو فيلم يعتبر من عيون السينما التونسية .وقد شهد الجمهور على امتداد الأيام السابقة عرض مجموعة مختارة من أفلام التسعينات التي اختلفت مستوياتها الفنية وأدائها السينمائي ورؤيتها للعالم وللشأن الاجتماعي التونسي.فتعالقت فيها النوستالجيا والحنين إلى الأزمنة السابقة والتطرق إلى مشاكل الشباب من هجرة سرية وعنف وانحراف وأسئلة المرأة وقضاياها إلى مقاربة التفاعل التونسي مع الأحداث العالمية و”الميتا سينما”من خلال فيلم يرصد رؤية المخرجين للسينما العربية.
وقد أكدت اللجنة المنظمة في بيانها النصي “أنه منذ سنة 1972 تعرف السينما التونسية طريقها نحو الاعتراف بها عالميا وكانت الانطلاقة نحو هذا الاعتراف بشريط”سفراء”للناصر القطاري فقد كان أول فيلم يروّج بالسوق الأوروبية ثم تلاه شريط “شمس الضباع”لرضا الباهي. فقد حطّم هذا الشريط كما تقول لجنة التنظيم الأرقام التي حققتها الأشرطة العربية والإفريقية الموزعة في أوروبا.وفي كلمة جاءت بدليل الأيام أن تونس بما لديها من بنى ومن قوانين ووسائل نشر للثقافة السينمائية وما يميّز فضاءها الطبيعي من تنوّع وما اتسم به فنيوها السينمائيون من خبرة تبدو مؤهلة لانبثاق أنشطة سينمائية متنوعة ومتفتحة على السينما العالمية,لكن,وهذه المفارقة,لم يتسن للتونسيين الالتقاء ضمن تظاهرة وطنية حول ما أنتج من أشرطة تونسية قصد تحليلها وتقييم مسارها وتوجهاتها وتصور طرق إنتاج وتوزيع جديدة.وهنا تأتي قيمة تظاهرة مثل تظاهرة أيام السينما التونسية التي من شأنها أن تخلق فرص تبادل الرأي بين المهنيين والجمهور ضمن سياق احتفالي بالأفلام التونسية.
وعن سينما التسعينات التي تدور حولها هذه الدورة ترى لجنة التنظيم أن السنوات الأولى من التسعينات استمرارا للعشرية السابقة فقد كانت تحمل أثر الثنائي الراحل أحمد بهاء الدين عطية كمنتج والنوري بوزيد كمخرج وكاتب سيناريو.ونمثل للمرحلة بأفلام من نحو”الحلفاوين”لفريد بوغدير و”بنت فاميليا”لنوري بوزيد و”يا سلطان لمدينة”للمنصف ذويب و”صمت القصور”لمفيدة التلاتلي.
وعن شعار الدورة الذي أوجد شبها ما بين المتلقي التونسي والسينما التونسية ترى لجنة التنظيم أن السينما التونسية التي واصلت مسيرتها الناجحة انعطفت على مقاربة العلاقة التي تجمعنا بذواتنا وبصورتنا وبهويتنا.وهنا يمكن أن نقحم الأفلام التي اتخذت من فضاء المدينة العتيقة فضاءا لأحداثها.ويرى القائمون على التظاهرة أن هذه المدينة العتيقة التي قدمت سينمائيا هي التي بوأت السينما التونسية مرتبة متقدمة جدا على الصعيد العربي والإفريقي فكانت حاضرة باستمرار في المهرجانات الدولية الكبرى.بل إنها نجحت في إيجاد موطئ قدم لها في سوق السينما الغربية وحازت إلى جانب ذلك رضا في الصحافة المحلية.
ورأت هيئة التنظيم أن مع منتصف التسعينات بدأ وكأن نبع الإبداع قد جف ،فما كان يمثل نقاط قوة السينما تحول بفعل التكرار إلى اجترار ممل أفقدها نكهتها وأصالتها.فانتهى التعاون بين أحمد بهاء الدين عطية والنوري بوزيد. ففقد الأول ثقته في المخرجين المحليين،وحول وجهة تعامله نحو مبدعين من آفاق أخرى-سوريا،فلسطين-وفي اتجاه أجناس فنية بكر كالصور المتحركة مثلا،أما الثاني وإن لم يتقبّل هذه القطيعة بسهولة،فآثر أن يتوقف لفترة معيّنة.
وما يميز هذه الفترة هو ظهور جيل جديد من السينمائيين قدموا من خارج الأفق التقليدي للسينما التونسية –تونس،القيروان،صفاقس-وأثروا الساحة الفنية بأفكار مغايرة تعانق الحقائق الاجتماعية والاقتصادية الجديدة لتونس.فقد أرسى فيلم “السيدة لمحمد الزرن 1996 سينما تبحث في الهامش،ومبتعدة عن المركز.وأعطى النجاح الجماهيري والمتابعة النقدية لهذا الشريط انطباعا بأن السينما التونسية شقت طريقا أخرى للنجاح واكتسبت تقاليد ستمكنها في المستقبل من المثابرة والاستمرار.لكن ذلك كان مجرد قبس كما صرح أحد المنظمين،سرعان ما انطفأ،ففقدت السينما شيئا فشيئا قوتها وقدرتها على الإضافة ،فحلت محلها السينما العربية والإفريقية واحتلت قلوب عشاق السينما في تونس.
وأكدت الجهة المنظمة لأيام السينما التونسية في دورتها الرابعة أنه ظهر جيل جديد من السينمائيين،من أولئك الذين مثلوا مرحلة انتقالية للألفية الجديدة،مع ظهور معاهد السينما ودمقرطة عملية التصوير السينمائي.هذا الجيل سيعيش سنوات التردد وفقدان اليقين.ولم تجد أفلام هذه المرحلة صداها،فهجرت قاعات السينما شيئا فشيئا واختفت الواحدة بعد الأخرى وتردد المخرجون بين سينما المؤلف وسينما الجمهور العريض وقد أثر ذلك جليا على مستوى السيناريو،كما تأثرت به عملية الإخراج….ها أن فترة بكاملها قد انتهت!!وبدأت أخرى تتشكل مع الألفية الثالثة…ستكون بلا شك محور أيام السينما التونسية في دورتها الخامسة.
![]() |
فلم شطر محبة لكلثوم برنار
دورة متميزة بالأفلام التي عرضتها حاولت أن تكون وفية لشعارها الذي رفعته “سينما …تشبهني”يبقى السؤال الملح يلح:لماذا سينما التسعينات بالذات؟هل يعني أن السينما اليوم التي بدأت منذ سنوات لا تشبهنا؟ هل يصد بهذا أن السينما التونسية المعاصرة تعاني من مشكل انتماء وهوية؟ كلام كثير ينتظر الدورة القادمة التي من المؤكد أنها ستفتح ملفات كبرى خاصة أنها ستعرض أفلاما خلافية مثل “آخر فيلم “للنوري بوزيد و”خرمة لجيلاني السعدي واحد أفلام الناصر خمير وفيم “جنون” للفاضل الجعايبي وفيلم “ثلاثون” للفاضل الجزيري وفيلم”شطر محبة” لكلثوم برناز و”الحادثة” لرشيد فرشيو وغيره من الأفلام التي أثارت جدلا واسعا ومازالت.تلك الأفلام التي نحت نحو مقاربة مفهوم الإرهاب أو كسر التابوهات واقتحام المسكوت عنه الديني خاصة لأن الجنسي مقتحم منذ بداية السينما التونسية.إلى جانب تجارب المخرجين الشبان الذين جاؤوا إلى السينما التونسية بحساسية جديدة يأمل المتابعين أن يقدموا سينما تشبهم أكثر من سينما الوافدين من الطائرات الفرنسية والبولونية والايطالية.