اختتام مهرجان مدريد للوثائقي بفوز “الباقون”
“هي رحلة أدعو المشاهد فيها لاكتشاف المعاناة اليومية التي يعانيها هؤلاء الباقون، الذين قرروا البقاء و لكن يجهلون مصير أحبائهم الذين خاضوا مغامرة من أجل تحقيق حلمهم ولكنها مغامرة مملوؤة بالمخاطر” بهذه الألفاظ يلخص المخرج المكسيكي كارلوس خرمان فيلمه ” الباقون” الذي فاز بجائزة مهرجان مدريد.
“الباقون” عنوان الفيلم ويختزل كل حكايته. فهو يتطرق لموضوع العائلات التي خاض أحباؤها مغامرة الهجرة السرية بينما قرروا هم البقاء في وطنهم . إنه رصد لتفاصيل المعاناة اليومية لأفراد العائلات المهاجرين السريين الذين يهاجرون من المكسيك إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل البحث عن حياة أفضل و سعيا إلى تحقيق الحلم ويصبح مواطنا الأمريكيا.
هو سبر في نوستالجيا العائلات فمنهم من رحل أحد أحبائها ولم يعد ومنهم من رحل وخلّف وراءه زوجته وأولاده، ورصد لتجليات هذه المعاناة في الحياة اليومية والأمل في انتظار خبر عن أحباء هاجروا دون أن يرسلوا خبرا عن وصلوهم.
![]() |
في الوسط المخرج كارلوس خرمان الذي فاز بالجائزة الأولى للمهرجان
ركز المخرج في فيلمه على اللقاءات و المقابلات مع العائلات التي هاجر أفرادها ولكن لم يعود، وكان المخرج بارعا في نقل معاناة هذه العائلات من خلال مواكبته اليومية لها وتوثيقه لمعاناتهم . من خلال تركيز الكاميرا على ملامح الوجه أثناء المقابلة، وقد أضاف الأسلوب بعدا آخر للفيلم، فقصص المعاناة كانت تروى بصوت أصحابها مما أعطى الفيلم لمسة واقعية ومصداقية أكثر .
وقد عاب النقاد على الفيلم عدم تخصيص حيز لمقابلة المختصين حول الهجرة للإدلاء بدلوهم واقتصاره على نقل حكايات العائلات التي هاجر أفرادها، وقد رد المخرج على هذه الإنتقادت :”أردت بفيلمي هذا أن أنقل واقع هذه العائلات وأطرح المشكلة، لكنني لست مخولا بالبحث عن حل لهذه المشكلة فذلك شأن السلطات ” .
“الباقون” ليس بالفيلم السياسي، إنما هو فيلم يسلط الضوء على قضية تعتبر من أولى الأولويات في المكسيك، وهي الهجرة إلى الولايات المتحدة ، فالفيلم يسلط الضوء على الجانب المأساوي لهذه الظاهرة دون طرح حلول لها. فيما أرادت بعض الأطراف السياسية في المكسيك توظيف الفيلم للترويج لأهدافها السياسية ورؤيتها لموضوع الهجرة، وتريد من الفن أن يكون ناطقا بما تريد، لأن الفيلم الوثائقي بقدر ما ينقل الواقع، فإنه يعيد صيغته وفق اتساع عدسته في حدود الممكن.
ولم يكن أمر اختيار الفيلم الفائز لهذه الدورة بالعمل السهل بالنسبة للجنة التحكيم. فبحسب لجنة التحكيم فان “البناء المحكم، والدقة في رصد التفاصيل ونجاعة الأسلوب في التعبير عن اللحظات الإنسانية والنظرة العميقة للواقع بإيجابيته و سلبياته، هي العوامل التي أجمعت عليها لجنة التحكيم في اختيار الفيلم الفائز.
![]() |
صورة جماعية للفائزين
وكانت دورة هذه السنة مميزة إذ تم إحداث جائزة خاصة بالإنتاجيات الإسبانية سعيا من إدارة المهرجان إلى دعم المخرجين الأسبان لتطوير هذه الصناعة السينمائية بعدما طالها تهميش من برامج الدعم الرسمي، و شهدت هذه الدورة أيضا حضوراً بارزاً لانتاجات أمريكا اللاتينية و آسيا وأوروبا فيما اقتصرت المشاركة العربية على أربعة أفلام ، فيلمين في صنف الطويل و عملين في صنف الربورتاج التلفزيوني الطويل.
وكان الاختيار جيداً لفيلم الافتتاح المتمثل بفيلم “أموال الفحم” من إخراج ونغ بينغ. وهو إنتاج مشترك بين الصين و فرنسا. وكان برنامج المهرجان هذا العام أقل تعقيدا من الدورة الماضية أتاح فرصة أكبر لعشاق سينما الواقع لمشاهدة اختياراتهم من الأفلام المشاركة. وكرست هذه الدورة شهرة المهرجان كأحد أكبر داعمي الأفلام الوثائقية في إسبانيا.
وإن لم تتمكن الأفلام العربية المشاركة في هذه الدورة من حصد الجوائز، فإن هذه الدورة كانت لها نكهة خاصة بالنسبة للإنتاجات العربية. فقد خصص المهرجان بالتعاون مع البيت العربي فقرة خاصة بالإنتاجات العربية ، وقد توافد جمهور غفير قصد مشاهدة الأعمال العربية في محاولة لاكتشاف العالم العربي وثقافته من خلال نافذة الأفلام الوثائقية ، وقد نالت الأفلام العربية المخصصة للعرض في هذه الفقرة إعجاب الجمهور بسب المواضيع التي تطرقت لها مثل حقوق الإنسان والأوضاع السياسية في العالم العربي .
حملت هذه الدورة في سجلها مشاركة 107 فيلما من أربعين بلدا، كلها تعرض للمرة الأولى في إسبانيا ، فقد عادت جائزة أفضل فيلم الوثائقي طويل إلى فيلم “الباقون” للمخرج كارلوس خرمان من المكسيك ، جائزة أفضل فيلم الوثائقي قصير” لشرول” للمخرج دييغو أنطونيو مردوك وهو من إنتاج مشترك بوليفي كوبي. وذهبت جائزة أفضل ربورتاج تلفزيوني إلى “أجمل نقشبندي” للمخرج لاند أولد من الولايات المتحدة الأمريكية، فيما عادت جائزة أفضل فيلم وثائقي من إنتاج إسباني “ممكن في يناير” للمخرج ديغو كوسط أمرنط .
وقد أجمع النقاد و المتتبعون أن دورة هذا العام أكثر إيجابية مقارنة بدورات الخمس السابقة نظرا للكم الهائل من الأفلام المشاركة. وقد صرح مدير المهرجان أنطونيو دلغادو خلال حفل الاختتام “نحن سعداء بأننا وفقنا في تحقيق شعارنا لهذه الدورة بعد أن تمكنا من تسجيل رقم قياسي في عدد المشاركات التي أتحت لنا مشاهدة مواضيع تهم الإنسان ولكن بعدسات متعددة، لكن شعارنا ولتزامنا الدائم هو النهوض بصناعة الفيلم الوثائقي”