نصري حجاج بعد ظل الغياب يلاحق ميراث درويش
حط المخرج الفلسطيني نصري حجاج الرحال هذه الأيام بتونس لتصوير مشاهد من فيلمه الوثائقي عن الشاعر محمود درويش. يأتي هذا الفيلم بعد تجربة سينمائية وثائقية متميزة مع فيلمه”ظل الغياب” الذي لاحق فيه قبور الفلسطينيين في الشتات.
التقته الجزيرة الوثائقية وسألته عن فيلمه الجديد ولماذا درويش في هذا الوقت بالذات فقال:”محمود درويش هو رمز كبير إذا لم أقل أنه الرمز الأساس في تشكيل الهوية الثقافية الفلسطينية وكان قريبا من قلبي وكنت قريبا من شعره. وكنت دائما أشعر انه يتحدّث عني.ولا أعني شخصي:نصري حجاج إنما عني باعتباري فلسطينيا.درويش كان يقول في شعره كل فلسطين وكل الفلسطينيين.أينما كانوا من الأرض.ورحيل محمود درويش مثل لي ذروة المأساة الفلسطينية.وكأنها لابد أن تكتمل برحيل هذا الشاعر العظيم.والمأساة حوّلت العالم الفلسطيني إلى خراب.وهو ما يعكسه الواقع الفلسطيني من انقسامات خاصة فيما تعلق بإقصاء المشروع الوطني الفلسطيني وهو ما تمثله بعض التيارات الأصولية الموجودة في الساحة الفلسطينية.
يقول حجاج :”رحيل محمود درويش هو خسارة على المستوى الشخصي وعلى مستوى المشهد الشعري الفلسطيني والعربي عموما.من هنا جاءت فكرة هذا المشروع السينمائي الوثائقي الذي فيه تحدّي كبير لذاتي أولا لأني كنت اعلم أني أدخل تجربة صعبة محفوفة بالمخاطر لأنك عندما تتكلّم عن محمود درويش لا بد أن يكون الكلام بقيمة محمود درويش وقيمة شعره.وكان علي أن أقنع الذين يحبون محمود درويش والذين لا يحبون محمود درويش.وأنا في النهاية لا أريد أن أرضي أحدا.وكل ما أريده أن أرضي نفسي بما تعبر عن هذا الشاعر.أحاول أن أنجز عملا سينمائيا يقترب من شفافية محمود.وقيمة محمود درويش الشعرية.
حجاج: كل ما هو فلسطيني هو خياري منذ بدأت أتعاطى مع السينما.
عن سؤالنا عن قصة قصيدة الهدهد التي اقترح نصري حجاج على درويش تحويلها إلى فيلم.أجاب حجاج قائلا:”فعلا هذا حدث في التسعينات عندما قرأت قصيدة الهدهد لدرويش والتي أعجبتني كثيرا والتقيت به في دائرة الثقافة بمقر منظمة التحرير الفلسطينية في المنزه السادس في تونس وقد جاء محمود درويش وأحمد دحبور وطرحت المشروع فاستغرب محمود درويش وقال:كيف ستفعل ذلك؟فشرحت له تصوري وكيف سيكون الفيلم مراوحة بين الشعر والموسيقى ولوحات تخيلتها.ورويت له تلك الصور المتخيلة والتصوّر الذي رأيته للهدهد بالتفصيل فقال أني لو قدرت أن أنفذ المشروع كما رويته له ستثبّت اسمك كمخرج مهم.
وأكّد نصري حجاج أن تلك الصور التي رواها لدرويش مازالت تراود خياله وانه يأتي إلى تونس ويسافر إلى توزر ومنطقة “عنق الجمل” لتصوير مشهد من تلك المشاهد التي قصها على درويش وهو يفكّر في تحويل الهدهد وقتها إلى فيلم سينمائي.
![]() |
نصري حجاج مع الزميل كمال الرياحي |
وجدير بالذكر أن “عنق الجميل” التي اختارها نصري حجاج لتصوير مشاهد من فيلمه الجديد كانت فضاءا لتصوير أفلام سينمائية غربية عديدة منها فيلم “حرب النجوم”.
وعن حضور قصيدة الهدهد ضمن القصائد التي ستقرأ في الفيلم.يجيب حجاج بأنه الهدهد قد تكون حاضرة وقد لا تكون ولكن المشهد المستوحى منها سيكون ضمن الفيلم.
وعن الفيلم وما سيقدمه حجاج عن درويش من جديد خاصة أن درويش أنجز حوله العديد من البرامج التلفزيونية والأشرطة الوثائقية الغربية والعربية.يؤكّد حجاج أن فيلمه ليس وثائقيا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة إنما هو محاولة للاقتراب بالصورة من الشعر.ووضع حالات من الخسارة والفقد .كما وضّح حجاج انه لن يقدّم مقابلات أو حوارات إنما هناك قراءات شعرية يقوم بها عدد من الكتّاب من العالم.بلغات مختلفة.
وهناك تأكيد على تصوير الفراغات التي تركها درويش في القاعات والمسارح العربية والعالمية وفي مكتبه بمجلة الكرمل أو في بيروت أو المطاعم التي كان يحب أن يأكل فيها أو البيت والفندق الذي ينزل فيه إلى جانب مشاهد متخيّلة وهي مستوحاة من شعره أو من فهمي أنا لشعره.وسيكون درويش حاضرا بصوته من بداية الفيلم إلى آخره من خلال تسجيلات عديدة.إلى جاب الموسيقى التي سترافق الصورة.
ولما سألناه عن الموسيقي الذي اختاره لوضع موسيقى الفيلم أجاب بلا تردد هي هبة القواس وقد اختارها منذ بداية التفكير في الفيلم.بعد التجربة الناجحة التي عاشها في فيلمه السابق”ظل الغياب”.وسأله مراسل موقع الجزيرة الوثائقية عن الأسماء التي ستقرأ شعر درويش وعندما سمعنا القائمة استغربنا غياب كل من سليم بركات وسميح القاسم وهما من الأسماء التي كانت لدرويش بهم علاقة قريبة جدا.فأجاب انه لم يرد أن يقحم في الفيلم كل من كان له علاقة بدرويش.عن بركات يقول حجاج صحيح سليم كانت تربطه بدرويش علاقة كبيرةمعروف يكتبجربة عملية معه في مجلة الكرمل وأهداه قصيدة “لا تعتذر على ما فعلت” لكن القصيدة يقول حجاج أنها لا تتحدث عن سليم بركات وان كان موجودا لكن عن الكردي.”ليس للكردي إلا الريح” وهذا ما دفعني إلى اختيار شاعر كردي معروف يكتب بالكردية.شيركو بيكاس وهو موجود في كردستان وكان مناضل في الحركة الوطنية الكردية .
وسبق لدرويش أن كتب في الستينات قصيدة بعنوان كردستان وأهداها إلى الشعب الكردي وأحببت أن يكون التصوير في كردستان.حتى يظهر البعد الإنساني لمحمود درويش.أما عن سميح القاسم فمسألة أخرى فليس من الطبيعي أن نعيد ما متداول في الإعلام فكلما ذكر درويش يذكر سميح القاسم.هذا الأمر ابتعدت عنه عمدا.حتى لا أسقط الفيلم في الكلاشيهات.وحتى الموسيقى فقد توقع أغلب الناس أني سأستعين بمارسيل خليفة ؟فكنت أجيب بأني لن استعين بمارسيل فلا أريد أن أنجز عملا ضمن السياق الشعبي العام.وخياراتي غير المتوقع والشيء الذي ينتظره الجمهور العريض.
![]() |
المسرح البلدي في العاصمة تونس .. درويش أنشد هنا..
وعن الأمكنة التي سيصور فيها مشاهده في تونس يجيب حجاج انه انتقل إلى تونس صحبة مديرة التصوير جوسلين أبى جبرايل وأنه اختار أن يبدأ بالمسرح البلدي كما اخذ قبله العديد من مسارح عالمية أخرى لان موضوع الفيلم الأساسي هو الفراغ وسنصوّر في مناطق أخرى منها سيدي بوسعيد وقمّرت والمشاهد المتخيلة سنصوّرها في الصحراء التونسية وأنا في النهاية لا أمشي على خطوات محمود خطوة خطوة إنما اختار ما يناسب الفيلم. وهو في النهاية رسالة حب لمحمود درويش .والإحساس بالفقد تجاه هذا الشاعر الكبير.
وعن موارد إنتاج الفيلم يقول حجاج أن الفيلم يتطلب أموال مهمة خاصة انه يصوّر في مناطق كثيرة من العالم ويحتاج تنقل طاقم فني كامل.وأكد أن الدعم الذي تلقاه من وزارة الثقافة الفلسطينية غير كاف وكانت المؤسسة اللبنانية للإرسال ال بي سي وعدت بمساعدة تقنية في التصوير في لبنان وهذا لم يحصل ولكن تلفزيون إخبار المستقبل قرروا المساهمة على أن يكون لهم حق البث بعد ذلك..
![]() |
صحراء توزر التونسية |
وسألناه عن نصيب فلسطين الداخل في فيلم يتحدث عن درويش شاعر فلسطين كلها.قال المخرج انه سيصور في منطقة بروة في رام الله أين ولد محمود درويش والآن هي مستوطنة يهودية ،يهود من اليمن ومزرعة للأبقار وسنصور في جديدة أين عاش فترة من طفولته وسنصور في غرفته الموجودة وفي منزله في حيفا وهي المدينة التي أحبها محمود درويش أكثر من أي مدينة في العالم.أما عن الشخصيات التي ستشارك فاكتفى بذكر الإسرائيلي اليساري الذي قدمه على انه معادي للصهيونية إسحاق راؤول وذكر أن له مجلة مثل الكرمل وانه أصدر عددا خاصا عن درويش بعد وفاته.وسيقرأ إسحاق راؤول بالعبرية قصيدة درويش”لماذا تركت الحصان وحيدا؟”وأضاف انه سيصور مع معلم محمود درويش السيد نمر مرقص الموجود بعكا.
ذكر حجاج أنه استعان بشاعرة شابة فلسطينية كان درويش معجبا بشعرها .أما جمانة حداد فيعتبرها أهم من رثى درويش ولامس أثر بيروت في شعر درويش وفي شخصيته.إلى جانب شعراء من العالم سيشاركون في الفيلم.
واختتم نصري حجاج حديثه بقوله “إن الفيلم إنتاج فلسطيني لبناني.و عن موعد العرض الأول ومكانه قال انه يتمنى أن يكون جاهزا قبل مرور الذكرى الأولى من وفاة درويش وسيكون العرض الأول في رام الله.