رضا فايز : أحمد عبد العزيز بطل لرواية حقيقية

 أحد معاصري البطل : ياه .. دلوقتي بس افتكرتوا ..اتأخرتوا ستين سنة يا بني !!!!

حوار : حسن مرزوقي

بمناسبة عرض القناة لفيلمك عن البطل أحمد عبد العزيز أردنا أن نستوضح منك بعض الجوانب الفنية والفكرية في الفيلم 

 سيرة الصراع العربي الإسرائيلي ورموز التحرر الوطني موضوع مستهلك في السينما العربية فما الإضافة التي حققها هذا الفيلم ؟؟
أتفق معكم في كون قضايا الصراع هي الأكثر اهتماما من قبل صناع الصورة العرب وربما لم تحظ قضية سياسية ذات بعد تاريخي بالتغطية والمعالجة بقدر ما حظي به هذا الموضوع ، لكن في الوقت ذاته هناك بعدان يجب أن نضعهما في اعتبارنا :
الأول : على مستوي التناول الإسرائيلي  للموضوع ذاته فاقت السينما الروائية والتسجيلية كما وكيفا ما تم إنتاجه عربيا وطبعا تم توظيفه بما يخدم رؤيتهم ومصالحهم …
ثانيا وبعيدا عن هذه المقارنة فإن الإنتاج العربي الموجه للعرب أنفسهم لايزال قليلا جدا بالنظر إلى أهمية الموضوع ذاته فضلا عن الذهاب إلى ما هو أبعد من خلال مخاطبة الآخر بمضمون وإبداع يخدم القضية وفقا لوجهة النظر العربية .. وبرجوع سريع  إلى كتاب الصراع العربي الصيهوني في السينما ومدخل إلى السينما الصهيونية لسمير فريد ندرك حجم الفجوة في هذا الإطار !!
وأخيرا وليس  آخرا  لن ننسى أيضا أن ملفات القضية نفسها لاتزال مفتوحة على موائد المفاوضات تارة وفي ساحات الميدان تارة أخرة وليست الحرب على غزة منا ببعيد …
هذا الكلام يقودنا بسهولة لتلمس الإجابة حول الإضافة التي يمثلها فيلم كهذا ، فقد حاول  البرنامج الوثائقي  ” الطريق إلى القدس ” أن يوثق لتجربة من بين عشرات التجارب وهي مسيرة  المتطوعين  العرب  جنوب القدس من خلال شخصية قائدها البطل أحمد عبد العزيز ، مسلطا الضوء  على مساحة استمرت منسية لمدة ستين عاما، حتى أن أحد المتطوعين أحد ضيوف الفيلم كانت أول كلمة قالها بعد ترحيبه بنا في بيته باللهجة العامية المصرية البسيطة ” ياه .. دلوقتي بس افتكرتوا ..اتأخرتوا ستين سنة يابني !!!!

 فيلم البطل أحمد عبد العزيز سيرة أمة في سيرة شخص وانكسارات أمة في انكسارات رمز فهل يكرر الفيلم البكائية التي نعيشها في حاضرنا من خلال مآسي ماضينا ،، وبالتالي هل وظيفة الفيلم الوثائقي العربي والفلسطيني خاصة ( فلسطين كموضوع) هي إعادة إنتاج البكائيات العربية
أنا بطبعي شخص يميل للتفاؤل وأدرك جيدا أن الأمل والثقة وبذل الجهد هو مفتاح مواجهة أي أزمة والتغلب على أي تحدي ..المهم أن يتولد لدينا إحساس عميقا واثق بالقدرة على الفعل والتغيير ..
ومن ثم حرصت أن يخرج الفيلم الذي يرصد سيرة ومسيرة البطل أحمد عبد العزيز من دائرة جلد الذات العربية والبكائيات على الإرث الفائت والأرض المسلوبة لأسباب كثيرة أهمها أن تجربة أحمد عبد العزيز- تاريخيا- ومن غير تجميل أو تلفيق كانت تجربة مضيئة وسط أجواء معتمة جدا، ففي الوقت الذي يتمنى فيه البطل  أن يصبح – فقط – مقاتلا على أرض فلسطين لاسترداد حق عربي مسلوب إذا به يصير بين يوم وليلة قائدا عاما لكتيبة الفدائيين وهو لايزال ضابطا في الجيش المصري الرسمي ..
وفي الوقت الذي تحاول قيادة الجيش الرسمي تحجيم تحركاته ليقبع في بئر السبع  إذا به يمضي في طريقه إلى القدس، وفي الوقت الذي يأمر فيه بن جوريون موشى ديان بالسيطرة على القدس جميعها، يذهب ديان ليجد عبد العزيز ورجاله في انتظاره ليلقنوه درسا قاسيا في فنون الحرب،  وعلى مائدة المفاوضات التي رفض أن يجلس عليها البطل أدرك العدو أنه أمام نوعية خاصة من الأبطال في السلم كما في الحرب …
ثم تأتي الشهادة كتكليل لجهوده ولتحقيق أمنية لطالما تمناها أثناء معاركه التي خاضها حول القدس.. كان لأحمد عبد العزيز ورجاله قدرة عجيبة على الفعل والمبادرة رغم الظروف المحيطة، وطالما حول الانكسار إلى انتصار  وهذا  ما يعزز لدى الشعوب العربية والأسلامية نظرية أننا نستطيع فقط لو أردنا..

البنية الدرامية للفيلم – إن صح التعبير – بنية قصصية تبدأ بهدوء في الأحداث ثم تصاعد تدريجي إلى ذروة التصاعد مع انتصارات البطل وهناك تنقلب الحركة الدرامية نحو المآساة ..فكأن بأحمد عبد العزيز بطل رواية أو فيلم روائي أكثر منه فيلما وثائقيا تسجيليا فما هو حيز الفن والوثيقة في هذا الفيلم ؟؟
تستطيع أن تقول باطمئنان أن  أحمد عبد العزيز كان بطلا لرواية حقيقية ولا  أخفيك ربما كنت محظوظا إلى حد كبير حينما قررنا من خلال شركة إيمدج باور كمنتج منفذ أن نعمل على هذا الموضوع، بعد حماس واهتمام من الجزيرة الوثائقية  لإنتاج العمل وتوثيق هذه التجربة كحلقة من حلقات التاريخ العربي المنسي..
حياة أحمد عبد العزيز غنية جدا دراميا، فهو قد نشأ في أسرة عسكرية مرموقة لكنها في الوقت ذاته لا تجد غضاضه في الوقوف ضد الاحتلال الانجيلزي ، مهما كانت الكلفة التي وصلت يوما ما إلى استشهاد الأخ الأكبر لأحمد عبد العزيز ثم يستمر أحمد  نفسه في المقاومة ليقتل ضابطا انجيلزيا محتلا ثأرا لأخيه ووطنه ..
وينتظم البطل في الكلية الحربية حتى أحس بنداء الواجب تزامنا مع قرار تقسيم فلسطين  وهنا تبدأ مرحلة أكثر وفرة دراميا ..
من هنا اجتهدت طول الوقت ان يشاركني المتلقي في أجواء العقدة وفي انتظار الحل الذي قد يأتي أحيانا بعد عناء أو يتأخر  لتؤول الأمور إلى مزيد من التعقيد لتصل إلى مايشبه المآساة، لكن تجئ خاتمة الفيلم لتمنح بريقا من الأمل حينما يتمنى ابن البطل العزيز أن يكون  الحفيد امتدادا لوالده البطل وأن يحقق حفيده  ما عجز عنه هو نفسه أن يشارك في صنعه ..
دون افتعال كانت القصة الحقيقة مليئة بالمفارقات، فالبطل هو  قائد عسكري ينتمي أساسا لجيش نظامي لكنه يتحلي بروح المقاوم، وأيضا نجد المفارقة في تكليف قوات الكوماندوز التي يقودها عبد العزيز بحراسة خطوط المواصلات فيرفض عبد العزيز ماضيا بكتيبته نحو القدس ..
ويأتي التاريخ في النهاية ليخدم الفيلم حينما يظهر موشي ديان قبل وفاة عبد العزيز بأيام  باعتباره البطل اليهودي المكلف بالسيطرة على القدس واستعادة كرامة اليهود المسلوبة أمام العالم لكنه يجد بطلا آخرا كان له بالمرصاد فيما يعطينا إشارة مهمة إلى تاريخنا المليئ بالمحطات الغنية  بتفاصيلها وشخوصها ..

لاشك أن هذا الفيلم فيه جهد علمي تأريخي كبير من خلال المتخصصين والمواد الأرشيفية المدعمة ..فلو تحدثنا قليلا عن هذه المدرسة في الفيلم الوثائقي التي تعتمد الاستقصاء والبحث الدقيق …
تعرفت مؤخرا على صديق أمريكي جاء في زيارة مللقاهرة ضمن وفد جامعي وأخبرته في  سياق التعارف أني انتهيت لتوي من إنجاز فيلم وثائقي تحقيقي عن شخصية مصرية مهمة ولم أكمل عبارتي حتى بادرني بقوله :
Did u get a result?
قالها هكذا : هل توصلت إلى نتائج ؟
واضاف ماالنتائج التي توصلت إليها ؟؟
كان لسؤاله رنينا في أذني وكانت الإجابة حاضرة ، فقد أدركت مع بدء اليوم الأول لتنفيذ المشروع  أن البحث هو كلمة السر في هذا النوع من البرامج والسبب في ذلك أن التاريخ لن
يرحم صانع الوثائقي كما لم يرحم من قبل صناع الأحداث نفسها، ومن ثم فنحن مؤتمنون
أولا على ما نقدمه من معلومات للمتلقي، وثانيا لأن المعلومات هي المواد الخام التي سيتم تشكيلها فيما بعد صوتا وصورة ثم فيلم ..
المهم ابتداء أن يكون هناك إلمام عام بطبيعة الموضوع أو الشخصية المستهدفة يعقبها خطة بحث محكمة تأخذها حقها من الوقت والجهد والتنوع مابين المراجع والكتب والمجلات والصحف والمقابلات الشخصية بالإضافة للصور والوثائق، بعدها يبدو الموضوع وقد تبلور أكثر بين أيدينا تأتي الخطوة الأهم أن نقدم المعلومة التي ينتظرها منا المشاهد  وأيضا التي لا يتوقعها..
وفي المحيط العربي المعروف بالتحفظ الشديد على عملية تدفق المعلومات يصير الحصول على معلومة جديدة والوصول إلى نتائج علمية وتاريخية والربط بينها أمرا عزيز المنال ..
وكم كانت سعادتي حينما توصلت لعدد من المعلومات حول الشخصية ربما لم يتم بلورتها من قبل في المراجع المكتوبة التي أرخت لهذه المرحلة ..
لم نكتف بذلك فقط  بل أرددنا تعزيز ثقة المتلقي في العمل حينما أرفقنا كل رواية أو حدث بوثائقه التي تؤكده كان من أرزها في رأيي خطاب التطوع الذي كتبه عبد العزيز بخط يديه وكذلك النسخة المكتوبة بالآلة الكاتبة لنفس الخطاب بالإضافة لعدد كبير من الصور التي فوجئت أسرة البطل ببعضها ربما للمرة الأولي ..
ولا أستطيع أن أنسى الإضافة التي تحققت بوجود شخصيات ذات علاقة بالبطل والأحداث كالمتطوعين المشاركين في حرب فلسطين والفريق سعد الدين الشاذلي باعتباره تلميذ للبطل عبد العزيز وكذلك باعتباره مشاركا في نفس الحرب وأيضا مشاركة ابو موسى كمناضل فلسطيني وقت الحرب أضاف للموضوع أبعادا أخرى. ويبقى السؤال الأخير كيف يمكن صب كل هذه المواد والمعلومات في قالب فني متماسك بنائيا وممتع بصريا وحرفيا وهذا متروك لإبداع فريق العمل وجهده..

كيف تقيم الفيلم الوثائقي العربي ..هل يفي بحاجيات الجمهور وقضاياه ومن ناحية أخرى هل أصبح الجمهور العربي يمتلك ثقافة سينمائية وثائقية أم مازال الوثائقي عديم الهوية الفنية …
مع ارتفاع مستويات التعليم نجد زيادة مضطردة في مستويات الوعي والتلقي، فالجمهور العربي ورغم كل الظروف بدا اهتمامه متزايدا بطلب المعرفة عن طريق التلقي المباشر من خلال القراءة أحيانا أو من خلال التلقي الشفاهي من الفضائيات وغيرها وهذا أراه إيجايبيا حتى وإن بدا التوجه أكثر نحو قنوات التسلية والترفيه إلا أن هناك شريحة معتبرة تنتظر وتتعطش لإنتاج وثائقي نافع ومفيد ومن ثم فالكرة في ملعب المسئولين عن صناعة الوثائقي بفتح المزيد من أبواب التمويل والدعم لإنتاج المزيد من الأفلام الوثائقية وكرة أخرى في ملعب المبدعين الذين عليهم أن يصنعوا  خلطة تثقيفية ومحترفة وممتعة في آن واحد حتى لايذهب المتلقي بعيدا أثناء الفاصل….

هل تعود غلبة الروائي على الوثائقي إلى هروب الناس من الحقائق المؤلمة التي عادة ما يضطلع بها الوثائقي أم إلى الخيال الخلاق في الروائي..
أعتقد أن للموضوع بعدا تجاريا فالروائي يكسب ولاتزال هناك صعوبات ملموسة في إنتاج وتمويل وتسويق الوثائقي وهذه إشكالية تضطلع بحلها المؤسسات الكبرى حتى يقترب المشاهد العربي شيئا فشيئا بحيث تشكل المادة الوثائقية يوما ما جزءا من المواد التي لايستغني عنها
ومن ثم يتحسن البعد الاقتصادي لهذا الفرع من الصناعة …

أخيرا ما هي مشاريعك القادمة…
متفرغ حاليا للإعداد لمشروع  برنامج  وثائقي تحقيقي دوري اسمه ” أحوال مصرية” والذي سيتناول  قضايا مهمة  على الساحة المصرية أو الإقليمية ذات التأثير والارتباط المباشر بالشأن المصري،
سيضيف البرنامج بعدا جديدا في المعالجة حينما يصب قضاياه في قالب وثائقي متميز بصريا، بحيث لن يقوم فريق العمل بالبحث عن ” الحقيقة ” داخل الأستوديوهات ولكن سيبحث عنها في الأماكن ذات العلاقة أو في الشارع أو في مكاتب المسؤولين أوحتى في مراكز البحث والدراسات ..
كما سيهتم البرنامج بتوظيف ” الوثائق ” بشكل جيد والاهتمام الخاص بها باعتبارها المرجع والمفسر والشاهد
في كثير من الأمور والمسائل على الرغم من المشاكل التي قد تعترض فريق البرنامج بسبب القيود المفروضة على
حرية تدفق المعلومات ..
وأتوقع  أن يكون البرنامج نقلة جيدة في القوالب التلفزيونية المعروضة  حاليا في المحطات العربية التي يندر وجود هذا النوع من البرامج بها نظرا لما يحتاجه إنتاجها من وقت وجهد وتكلفة إنتاجية لعناصر العمل المختلفة وأهمها البحث الجيد والذي يختلف عن عمليات البحث والإعداد السريعة التي تفرض على معدي البرامج نمطا أشبه بوجبات التيك أواي ..
أيضا سيحاول البرنامج التفكير في المعالجة البصرية بشكل كبير، نظرا لأن  المشاهد المصري والعربي يستحق صورة متميزة بجانب الموضوع القوي ولتعميق هذه الفكرة أيضا سيتم  استخدام طريقة ” الكتابة للصورة ” مما يضفي أبعادا أعمق وأمتع للموضوع .
رغم أنه لم يتم الاتفاق بعد على المحطة التي ستقوم بإنتاج وعرض البرنامج إلا أن  فريق العمل قد بدأ فعلا في الإعداد للحلقات الأولى والتي ستتناول إحداها  قصة وتجربة العالم  المصري الكبير ” جمال حمدان ” والذي توفي وحيدا في شقته بعد حالة من العزلة فرضها على نفسه لسنوات، وأخرى ستفتح ملف الجاسوسية في الصراع العربي الإسرائيلي وحلقة ثالثة تحقق في الأسباب الحقيقة وراء  عزوف الجماهير عن المشاركة السياسية .

رضا فايز

رضا فايز

تاريخ الميلاد 15-8-1975
– حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1998
– صحفي ومراسل حر لدي عدد من الصحف والمجلات والمواقع العربية 1998-2001
– معد برامج بالتلفزيون المصري وشبكة راديو وتلفزيون العرب 2000-2004
– مدير تحرير مواقع موجة وأسرتي دوت كوم 2001-2004
– صحفي ومعد برامج بقناة الجزيرة الإخبارية 2005-2006
– أعد وأخرج فيلم  (المدونون .المعارضة بصوت جديد بالمشاركة مع المخرج والمنتج أحمد زين 2006
– المدير الفني  بشركة إيمدج باور للإنتاج الإعلامي 2006 -2008
– أعد وأخرج فيلم الطريق إلى القدس عن البطل أحمد عبد العزيز 2009

 


إعلان