“كان” 62: هل تمنح “الكاميرا الذهبية” لفلسطين ؟

بعد أن قدّم مهرجان “كان”، في السنة الماضية، دورة طغى فيها الهمّ السياسي، جاءت دورة هذه السنة على النقيض تماما من ذلك. فهي الأقل تسييسا بين دورات المهرجان منذ عشرية كاملة. لكن محطتين بارزتين في المهرجان أحيتا فيه بعضا من التوهج السياسي الذي يشتهر به. الأولى كانت المفاجأة الأكبر في هذه الدورة، حتى الآن، وتمثلت في فيلم “البحث عن إيريك” للسينمائي الكبير كين لوتش، المستوحى من سيرة نجم كرة القدم إيريك كانتونا (الذي يؤدي دوره بنفسه في الفيلم). حين أُعلن عن بدء تصوير هذا الفيلم، اعتقد كثيرون أن المعلّم البريطاني تخلى عن نبرته النضالية وتيماته اليسارية الأثيرة، ليقدم عملا شبيها بذلك الذي اقتبسه أمير كوستوريتسا، العام الماضي، من سيرة نجم كرة آخر هو مارادونا. لكن كين لوتش اختار مقاربة مغايرة، حيث قام بتوظيف سيرة إيريك كانتونا كخلفية انطلق منها ليقدّم كعادته بورتريها إنسانيا مؤثرا لشخصية مسحوقة تتمثل في ساعي بريد فقير مغرم بإيريك كانتونا، ويجد في تسقّط أخباره تسليته الوحيدة في ظل الظروف المعيشية المزرية التي يعاني منها.
استعار كين لوتش هنا أسلوب التورية السحرية، الذي ابتكره ألفريد هيتشكوك في رائعته “نافذة على الساحة”، وتم استعماله لاحقا من قبل وودي ألن في “ورود القاهرة الأرجوانية”، وهو جعل الشخصيات تخرج من الشاشة لتتحول من مجرد أخيلة وصور إلى كائنات من لحم ودم في الحياة الفعلية. هكذا، وفي لحظة سحرية مفاجئة، جعل كين لوتش إيريك كانتونا يخرج من ملصق ورقي معلّق على جدار الغرفة المتواضعة التي يقيم فيها بطله المسحوق، ليرافقه في رحلة مطوّلة يحاول من خلالها الرفع من معنوياته، ومساعدته على رفع التحدي ومواجهة الضغوط المتزايدة المفروضة عليه كعامل بسيط في ظل مدّ العولمة الزاحف.
هذه المرافعة التي قدّمها كين لوتش ضد الوجه المتوحش للعولمة الليبرالية، لم تكن المحطة السياسية الوحيدة في المهرجان. فقد احتلت القضية الفلسطينية مكانة بارزة في عروض هذه الدورة، داخل وخارج المسابقة، وفي التظاهرات الموازية أيضا. فبعد “يافا” لكارين ييدايا (“نظرة ما”)، و”غزة ـ لندن” للمخرجة الأردنية الشابة ديما حمدان (“سوق الفيلم”)، وبانتظار عرض فيلم “الوقت المتبقي” لإيليا سليمان في المسابقة الرسمية..

المخرجة شيرين دعبس

جاءت المفاجأة الفلسطينية الأبرز في هذه الدورة من مخرجة أمريكية ذات أصل فلسطيني، هي “شيرين دعبس”، التي قدّمت ضمن “أسبوعي المخرجين” عملها الأول “أمريكا”، الذي صوّرت فيه بأسلوب تراجي ـ كوميدي مغامرات مطلّقة فلسطينية وابنها يحصلان على فيزا إلى الولايات المتحدة، فيعتقدان أن الحلم الأمريكي سينسيهما جحيم حياة الاحتلال في بيت لحم. لكن وصولهما إلى أمريكا يتزامن مع احتلال العراق، ويعرّضهما لمشاكل ومقالب كثيرة فضح الفيلم من خلالها العنصرية الأمريكية والنظرة الفوقية التي يسلطها المجتمع الأمريكي على بقية شعوب العالم. وفي نهاية مؤثرة، اختُتمت بأغنية مارسيل خليفة الشهيرة “جواز السفر”، تتآخى هذه العائلة الفلسطينية مع مدير مدرسة يتعاطف معهم، ويتبين في نهاية المطاف أنه يهودي بولوني الأصل، يدافع عنهم كمهاجرين فلسطينيين، لأنه ـ كما يقول ـ جرّب معنى أن يكون الإنسان منتميا إلى أقلية مطاردة ومضطهدة. لذا فهو يدرك أكثر من غيره، انطلاقا من معاناته كيهودي خلال الحرب العالمية الثانية، بأن معاناة الفلسطينيين مضاعفة، لأنهم لا يعانون الاحتلال والاضطهاد فحسب، بل يواجهون حرقة أقسى بسبب محاولات جعلهم أقلية في بلدهم الأصلي.

هيام عباس في لقطة من الفيلم

والسؤال الذي كان على كل الألسن، إثر العرض الصحفي لـ”أمريكا” هو: هل يقدّم مهرجان “كان” هذه السنة جائزة “الكاميرا الذهبية” (التي ينافس عليها الفيلم لكونه العمل الأول لمخرجته) إلى فلسطين؟ وذلك بعد أن أحجم عن ذلك، في العام الماضي، بالرغم من إجماع النقاد بأن فيلم “ملح هذا البحر” لآن ماري جاسر كان يستحق هذه الجائزة…  


إعلان