حصاد كان 62 : لفرنسا النصيب الأسد .. وشمعة لفلسطين
السعفة الذهبية لمايكل هانيكي وتحيّة استثنائيّة لألان رينيه..
كان – عثمان تزغارت
أُسدلت الستارة مساء أول أمس على الدورة 62 من “مهرجان كان”، بفوز فيلم “المناديل البيضاء” للنمساوي مايكل هانيكي بالسعفة الذهبيّة. بينما عادت حصة الأسد إلى فرنسا، حيث نالت 3 جوائز، وهي: “الجائزة الكبرى” و”جائزة أحسن ممثلة” و”جائزة كان الاستثنائية التي مُنحت للمخرج الكبير ألان رينيه عن مجمل أعماله.
بعد أن نال “الجائزة الكبرى” عام 2001 عن شريطه “عازفة البيانو”، ها هو النمساوي مايكل هانيكي ينتزع السعفة الذهبيّة في الدورة 62 من مهرجان “كان”، الذي اختُتم مساء أول أمس. فيلمه “المناديل البيضاء” يعود إلى نشأة النازيّة، وإلى تأثيرها في النفوس والذهنيات، من خلال تصوير وقائع الحياة في قرية صغيرة في الريف النمساوي خلال الثلاثينيات.
![]() |
مايكل هانيكي
وكالعادة في أفلامه، أبدع صاحب “اختفاء” هنا في حفر الأخاديد النفسية لشخصيات رمادية ومعذبة تدور في فلك ملتبس يتداخل فيه الخير والشر، والبطولة بالجبن. وقد استقبل خيار لجنة التحكيم بالترحيب، ذلك أنّ هانيكي قدّم في هذا الفيلم المصوّر بالأبيض والأسود، عمله الأكثر اكتمالاً على صعيد الرؤية الإخراجية، معيداً إلى الأذهان فيلماً ألمانياً من كلاسيكيات السينما التي تناولت الموضوع ذاته، هو «الأقزام أيضا بدأوا صغارا» لفارنر هيرتزوغ(1972).
ورغم غنى التجارب التي دخلت المسابقة الرسمية هذه السنة، إلا أنّ توجّهين أساسيّين غلبا عليها. تمثّل الأول في موجة الأفلام ذات الطابع السياسي الذي تنوعت بين مساءلة التاريخ ورصد انشغالات الراهن. بينما اتسم الثاني بأفلام حميمية ذات منحى نفسي.
الأفلام ذات النبرة السياسية، انصبّ بعضها في رصد جوانب من تاريخ الحرب العالمية، من منظور مقاربات مختلفة جذرية. وهي: “سفلة بلا مجد” لكوينتن تارانتينو (جائزة أفضل ممثّل لكريستوف وولتز)، و«المناديل البيضاء» لهانيكي، و«نصر» لماركو بيلّوكيو. بينما اتسمت أفلام أخرى بنبرة يسارية تناولت تيمات اجتماعية متقاربة، عن شخصيات مسحوقة تناضل لتحقيق ذاتها في محيط بالغ العنف: مثل شريط «نبي» للفرنسي جاك أوديار (الجائزة الكبرى)، و«حوض الأسماك» للبريطانيّة أندريا أرنولد (جائزة لجنة التحكيم مناصفةً مع فيلم «عطش» للكوري الجنوبي بارك شان ووك).
![]() |
جاك أوديار
بينما احتلّ فيلم سياسي آخر مكانةً على حدة هو «الزمن الباقي» لإيليا سليمان الذي استعاد وقائع 60 سنة من حياة الشعب الفلسطيني منذ النكبة، عبر بورتريه عائلي مستوحى من السيرة الأوتوبيوغرافية لثلاثة أجيال من آل سليمان (جدته ووالده وهو). واللافت أن السينمائي الفلسطيني أُقصي تماما من قائمة الجوائز، مثله مثل سينمائيين كبار، كالإسباني بيدرو ألمودوفار والنيوزيلانديّة جين كامبيون.
![]() |
كوينتين تارنتينو
أمّا في “سفلة بلا مجد”، فقد اختار تارانتينو الأسلوب الملحمي لتقديم بورتريه جماعي عن حفنة مجرمين تحوّلوا إلى شخصيات بطولية بعدما زُجّ بهم في أتون الحرب العالمية لمقاومة النازية. من جهته، سلك مايكل هانيكي لمقاربة الموضوع ذاته منحى نفسيّا في “المناديل البيضاء” الفائز بالسعفة الذهبية. والمنحى النفسي ذاته سلكه الإيطالي ماركو بيلّوكيو، حيث واصل في “نصر” مساءلة التاريخ الإيطالي المعاصر من خلال بورتريه نفسي لموسوليني. لكنّ العمل الذي أعاد بيلّوكيو إلى “كان” بعد غياب ثلث قرن، لم يكن في مستوى التوقعات.
من جهتها، قدّمت البريطانية أندريا أرنولد في “حوض الأسماك” عملا آسرا اتّسم برؤية إخراجية محبكة وسلّط الضوء على أزمة الهوية التي تعصف بوجدان مراهقة تحاول الانعتاق من ضغوط الوسط العائلي والاجتماعي المحيط بها. وقد اكتسب هذا الفيلم تميزه من لغته البصرية المختزلة ورؤيته الإخراجية المينيمالية مما خوّله للفوز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.
وضمن الأفلام الحميمية، نجد أعمالا بارزة، كانت لها حصة الأسد من حيث الحفاوة النقدية، وهي “نبي” لجاك أوديار الفائز بالجائزة الكبرى (راجع بروفايل الممثل طاهر رحيم)، و”العناق الكسير” لبيدرو ألمودوفار، و”النجمة الساطعة”لجين كامبيون و”الأعشاب المجنونة” لألان رينيه (نال جائزة «كان» الاستثنائية التي استُحدثت خصيصاً هذا العام)، و«المسيح الدجّال» للارس فون تراير الذي صدم كثيرين بمغالاته في العنف (نال جائزة أفضل ممثلة لشارلوت غينسبور).
وعلى رغم أنّ بيدرو ألمودوفار خرج من المهرجان بخفّي حنين، إلا أنّه أبهر الجميع في “العناق الكسير” بحبكته الأسلوبية المتقنة التي حققت نوعاً من التناص، غير المسبوق في السينما، مع بعض أفلامه السابقة. وكان لافتاً أن الفيلم يستعيد في قالب تراجيدي تيمة تناولها وودي ألن كوميديا في “نهاية هوليودية”، وهي تيمة القلق الوجودي الذي يسكن كل فنان أو مبدع، ويولّد لديه ما يسمى بـ “رُعاب الصفحة البيضاء”، أي الخوف من نضوب مصادر الإلهام الفني.
![]() |
بريانتي مندؤزا
أما فيلم «كيناتاي» للفيليبيني بريانتي مندوزا (جائزة أفضل إخراج)، فقد اتّسم بنبرة سوداويّة في تناوله العنف والفساد في صفوف الشرطة الفيليبينية. أمّا الصيني لو ـ يي، الذي أطلقه المهرجان عبر «الفراشة الأرجوانية» (2003) ثم «شباب صيني»، فقد نال شريطه «ليلة انتشاء ربيعية» جائزة السيناريو، وهو يتناول قصّة حبّ مثلية، في سابقة هي الأولى على الشاشة في الصين. اللغة البصرية المتقنة التي اتسم بها وموضوعه الحساس، والروح المتمردة التي اشتهر بها مخرجه، دفعت النقاد منذ الأيام الأولى للمهرجان لترجيح حصوله على إحدى الجوائز البارزة. وأخيراً، كانت جائزة “الكاميرا الذهبيّة” (تُمنح عن أوّل عمل روائي طويل) من نصيب الأوسترالي وورفيك ثورنتون الذي يعيد الاعتبار في «شمشون ودليلة» إلى سكّان بلاده الأصليّين… أي “الأبورجيان”.
كادر 1:
إيزابيل هوبير: من معطف “الموجة الجديدة” إلى رئاسة لجنة تحكيم “كان 2009”
![]() |
إيزابيل هوبير
منذ أن أُعلن، في مطلع السنة الحالية، أن النجمة الفرنسية إيزابيل هوبير ستتولى رئاسة لجنة التحكيم في هذه الدورة من مهرجان “كان”، كان واضحا أن هذه الممثلة التي خرجت من معطف “الموجة الجديدة” الفرنسية، لن تمرّ على الكروازيت مرور الكرام، وأنها ستترك هنا بصمة خاصة تماثل تلك التي خلّفها رئيس لجنة التحكيم في العام الماضي، النجم الأمريكي المشاكس شين بن.
وقد كان اختيار إيزابيل هوبير لرئاسة لجنة التحكيم في هذه الدورة بالذات، خيارا موفقا جدا، لأن التشكيلة الرسمية كانت هذه السنة حافلة بالتجارب السينمائية الأكثر تميزا وتجديدا، بحيث جسّدت شخصية رئيسة لجنة التحكيم الغنى والتنوع الفني اللذين اتسمت بهما هذه الدورة.
أٌغرمت إيزابيل هوبير منذ بدايتها بـ “سينما المؤلف”، سواء في بلدها فرنسا أو في الخارج، حيث ارتبطت مبكرا بأبرز أقطاب “الموجة الجديدة”، فمثلت تحت إدارة بيرتران تافرنييه وجان لوك غودار وبونوا جاكو، وكلود شابرول، الذي نالت جائزة أحسن ممثلة في “كان” عن دورها في فيلمه “فيوليت نوزيير” (1978)، قبل أن تنال الجائزة ذاتها مرة ثانية، عام 2001، عن أدائها المبهر في فيلم “عازفة البيانو” للسينمائي النمساوي الكبير مايكل هانيكي.
وبالرغم من نجوميتها وشعبيتها الكبيرة، إلا أن إيزابيل هوبير ظلت متشددة في خياراته الفنية، فابتعدت عن السينما التجارية، وارتبط اسمها على الدوام بأبرز رموز السينما المثقّفة، من موريس بيالا وأندريه تشيني إلى أوليفيه أساياس وفرانسوا أوزون، بالنسبة إلى فرنسا. ومن مايكل سيمينو وماركو فيريري إلى مايكل هانيكي والأخوين تافياني، على الصعيد الأوروبي.
ومع أن إيزابيل هوبير تشتهر بوفائها لعدد من كبار المخرجين، الطين تعج ممثلتهم الأثيرة، أمثال النمساوي مايكل هانيكي والفرنسي كلود شابرول، اللذين تمثل في أغلب أفلامهم، إلا أنها تحرص دوما على المشاركة في أعمل سينمائيين جدد، حيث أدت في السنوات الأخيرة بطولة العديد من الأفلام الأولى للجيل الناشئ من السينمائيين الأوروبيين، الذين قفزوا إلى الواجهة في مطلع العشرية الحالية، أمثال كريستيان فانسان ولورانس فيريرا ماندوزا وجوهاكيم لافوس.
وفي العام 2005، اشترك 25 من أشهر المصوّرين العالميين، على رأسهم هيلموت نيوتن وفيليب كارتييه ـ بريسون، في إعداد معرض صور أقيم في نيويورك ثم في باريس، ولقي رواجا عالميا، تحت عنوان”بورتريهات امرأة”، خُصّص بالكامل لإبراز تميز وغنى التجربة السينمائية لإيزابيل هوبير…
كادر 2:
حصاد الحضور العربي في “كان” 2009:
فلسطين في الواجهة وبروز جيل جديد من سينمائيي عرب المهجر
![]() |
فريق فيلم “الزمن الباقي”
خلافا لكل التوقعات، لم يقتصر الحضور العربي في “كان” 2009 على تألق إيليا سليمان في المسابقة الرسمية بفيلمه البيوغرافي “الزمن الباقي: سيرة الحاضر الغائب” . فقد ضجّت الكروازيت هذا العام بمفاجآت عربية عدة. وكان ملفتا أن هذا التألق العربي جاء من قبل 3 مخرجين ومخرجة جميعهم قدّموا هنا أعمالهم الروائية الأولى، وكلهم من أبناء المهجر. في “أسبوع النقاد”، أحرز الجزائري نسيم عماوش “الجائزة الكبرى” بباكورته “وداعا غاري” (بطولة جان ـ بيار بكري وياسمين بلماضي).
ويصوّر هذا الفيلم ذو النبرة اليسارية وقائع الحياة في حي عمالي هجره أغلب سكانه، بفعل إغلاق المصنع الذي كانوا يعملون فيه. ولم تبق في هذا الحي المهجور الأشبه بديكور أفلام الويسترن سوى حفنة من السكان الذين لم يجدوا وجهة أخرى، وفي مقدمتهم “فرانسيس”، العامل الستيني، الذي يصرّ ، رغم إغلاق المصنع، على الاستمرار في الاعتناء كل صباح بالآلية التي عمل عليها طيلة حياته، وابنه “سمير” العائد إلى الحي بعد غياب، وصديقته ابنة الجيران “ماريا”، التي تربّي لوحدها ابنها “جوزي”، الذي يتوهم أن والده المجهول ليس سوى بطل أفلام الويسترن غاري كوبير، فيقضي معظم وقته في البحث عنه بين أزقة الحي…
![]() |
فيلم همس الريح
في “أسبوع النقاد” دائما حصد الفيلم العراقي “همس مع الريح” للمخرج شهرم عاليدي (بطولة عمر شوشن ومريم بوباني) 3 جوائز منها جائزة “النظرة الشبابية”. وهو فيلم يعبق رقة وشاعرية، يروي قصة ساعي بريد من نوع خاص في كردستان العراق، حيث لا يكتفي بتوزيع البريد، بل يقوم أيضا بتسجيل وتوزيع تسجيلات صوتية من شتى الأنواع يتبادلها سكان القرى والأرياف الكردية. مما يجعل منه حافظ أسرار المنطقة وذاكرتها…
في تظاهرة “أسبوعي المخرجين”، احتلت القضية الفلسطينية مكانة مركزية، وذلك من خلال فيلمين. الأول هو “أمريكا” (بطولة هيام عباس ونسرين فاور)، باكورة المخرجة الأمريكية ذات الأصل الفلسطيني شيرين دعبس، التي صوّرت بأسلوب تراجي ـ كوميدي مغامرات أم فلسطينية وابنها يحصلان على فيزا إلى الولايات المتحدة، فيعتقدون أن الحلم الأمريكي سينسيهم جحيم حياة الاحتلال في بيت لحم.
![]() |
فيلم أمريكا
لكن وصولهم إلى أمريكا يتزامن مع احتلال العراق، ويعرّضهم لمشاكل ومقالب كثيرة فضح الفيلم من خلالها العنصرية الأمريكية والنظرة الفوقية التي يسلطها المجتمع الأمريكي على بقية شعوب العالم. أما الفيلم الثاني فهو فلسطيني ـ إسرائيلي مشترك بعنوان”عجمي” (بطولة شاهير كاباها وفؤاد حبش)، للمخرجين إسكندر قبطي ويارون شاني. ويروي هذا الفيلم الذي لفت الانتباه برؤيته الإخراجية ذات المنحى التشكيلي (إسكندر قبطي قادم أصلا من التشكيل والتصوير) المصائر المتشابكة لمجموعة من الشباب العرب والإسرائيليين في يافا، بدءا بـ “عمر” الذي يعيش متخفيا مع أفراد عائلته لأن أحد أعمامه جرح أحد أعيان المدينة، و”مالك” اللاجئ الفلسطيني الذي يتسلل إلى إسرائيل للعمل دون ترخيص لتمويل عملية جراحية دقيقة لوالدته، و”بنج” المراهق الفلسطيني الذي يحلك بحياة أخرى مع حبيبته الإسرائيلية. وبالرغم من حب الحياة الذي تتسم به كل هذه الشخصيات، إلا أن العنف والحقد سرعان ما يجرفان كل أحلامهم. وتجسد ذلك من خلال شخصية شرطي إسرائيلي عنصري يدعى “داندو” يستبد به الحقد، إثر مقتل شقيقه، فينتقم من كل ما يرمز للتعايش أو التآخي…
![]() |
فيلم عجمي
وفي “يافا” دائما تدور أحداث فيلم “يافا” لكارين ييدايا، الذي عُرض في تظاهرة “نظرة ما”، ويروي قصة حب محرّمة بين فلسطيني وإسرائيلية، وتدور أحداثه في ورشة ميكانيكا تديرها سيدة إسرائيلية تدعى “روفين”، برفقة ابنها “ماير” وابنتها “مالي”، ويشتغل فيها عاملان فلسطينيان هما “حسن” وابنه “توفيق”، اللذان يُعاملان من قبل صاحبة الورشة وكأنهما من أفراد العائلة. لكن القناع سرعان ما يسقط عن ذلك الوجه المتسامح والأخوي، حين تنشأ علاقة حب محرّمة بين “توفيق” و”مالي”، لتطفو إلى السطح الذهنية العنصرية التي تتحكم بقطاعات واسعة من الإسرائيليين ذوي الأفكار اليسارية، الذين يزعمون في الظاهر أنهم يؤيدون السلام، ويعترفون بحقوق الفلسطينيين، لكنهم في أعماقهم يتماهون مع أسطورة “النقاء العرقي”التي تنادي بها الصهيونية….
بينما كانت فلسطين حاضرة أيضا في تظاهرة Short Film Corner، التي تنظم ضمن “السوق الدولية للفيلم، من خلال فيلم روائي متوسط للمخرجة الأردنية ديما حمدان، يحمل عنوان “غزة ـ لندن”، ويروي قصة شاب فلسطيني مقيم في لندن يحاول التواصل مع أهله في غزة، خلال عدوان ديسمبر الماضي، للاطمئنان على أحوال والدته التي انقطعت عنه أخبارها منذ بداية القصف الإسرائيلي…
وضمن “أسبوعي المخرجين”، قدّم سينمائي عربي آخر عمله الأول، وهو السوري المقيم في فرنسا، رياض سطّوف، الذي صوّر في “القبلة الفرنسية” (بطولة فانسان لاكوست وناعومي لفوفسكي) قصة حب إشكالية بين مراهقين فرنسيين من أصول ثقافية مختفلة.
ولم يكتمل هذا الحضور العربي من دون مشاركة مجموعة من الأفلام العربية في “السوق الدولية للفيلم”. ومن أبرزها فيلمان مصريان، وهما “دكان شحاتة” لخالد يوسف و”إبراهيم الأبيض” لمروان حامد…
كادر3
بروفيل 1:
الممثل طاهر رحيم: مفاجأة “كان” 2009
حين يُحكم بالسجن 6 أشهر على مالك الجبانة، بطل فيلم “نبي” لجاك أوديار، يعتقد الجميع أن هذا الفتى الذي لم يبلغ بعد التاسعة عشر سيكون فريسة سهلة للمافيات التي تتقاسم النفوذ في السجن. فهذا الشاب الخجول، لا يجيد القراءة ولا الكتابة، وليس لديه أي سند بين المساجين. لكن غريزة البقاء سرعان ما تولّد لديه عبقرية من نوع خاص تجعله يسحب البساط من تحت أرجل المافيا الكورسيكية والجماعات الأصولية الإسلامية، ليبسط نفوذه على كافة المساجين، دون منازع. وإذا بالفتى الخجول يتحول إلى وحش كاسر، ويكشف عن “كاريزما” لم يكن يتصورها أحد…
![]() |
طاهر رحيم مع الخرج الفرنسي أوديار
لتصوير هذا التحول الذي يحدث في أعماق شخص مسحوق يتحول إلى بطل من نوع خاص بدافع واحد لا غير، وهو غريزة البقاء، اختار جاك أوديار ممثلا مغمورا يؤدي هنا أول دور مركزي على الشاشة، وهو طاهر رحيم.
على غرار الشخصية التي تقمّصها على الشاشة، لم يكن أحد يراهن في بداية هذه الدورة من “كان” بأن رحيم سيستقطب الأضواء. لكن أداءه المبهر في هذا الفيلم جعل منه أكبر اكتشافات المهرجان هذه السنة. وقبل أن يتقمص دور “مالك الجبانة”، كان قد تعرّف إلى كاتب سيناريو “نبي”، عبد الرؤوف ظافري، من خلال مشاركته تحت إدارته كمخرج في دور صغير ضمن المسلسل التلفزيوني “الكمونة”، الذي قُدّم العام الماضي، على قناة “كانال بلوس” الفرنسية.
إلى جانب ذلك الدور التلفزيوني الصغير، ظهر طاهر رحيم أيضا في دور ثانوي في فيلم الرعب الفرنسي “في الداخل” (إخراج ألكسندر بوستيلو وجوليان موري ـ 2007). كما قدّم تحت إدارة المخرج سيريل مينوغن، خلال العام ذاته، فيلما بيوغرافيا زاوج بين التوثيق والتخييل، تحت عنوان “طالب اسمه طاهر”، عبّر فيه، حين كان آنذاك طالبا في معهد السينما بمانبولييه عن أحلامه بأن يصبح ممثلا سينمائيا كبيرا. وها هي أحلام هذا الشاب، الذي ولد لأبوين مغربيين، عام 1981، بمدينة بلفور، شمالي فرنسا، تتحقق بعد أقل من سنتين، من خلال تألقه في الدورة الحالية من مهرجان “كان”…
كادر 4:
بروفيل 2:
الممثلة آبي كورنيش.. نجمة “كان” الساطعة
![]() |
آبي كورنيش
لم تكن الأسترالية آبي كورنيش (26 سنة) تتصوّر أنها ستستقطب الأضواء يوما فوق البساط الأحمر الشهير في مهرجان “كان”. فقد بدأت كعارضة أزياء في سن الثالثة عشر، واسترعت انتباه الأوساط الفنية بسرعة، مما فتح أمامها أبواب التمثيل، فاختارت التلفزيون، وأدت بطولة أفلام ومسلسلات أسترالية عدة، من أشهر “مستشفى الأطفال” (1997).
لكن ذلك الخيار لم يكن موفقا، لأنه أغلق في وجهها لاحقا أبواب العمل السينمائي، لأن أوساط الفن السابع تنظر دوما بفوقية إلى ممثلي التلفزيون وممثلاته. لذا لم تحظ آبي، رغم جمالها الساحر وحضورها المميز أمام الكاميرا، بأي فرص للتمثيل في السينما، إلى أن اختارها ريدلي سكوت، بالصدفة لأداء دور صغير في فيلمه “موسم خصب” (2007)، الذي تقاسم أدواره الرئيسية الأمريكي راسل كرو والفرنسية ماريون كوتيار. وإذا بذلك الدور الصغير يلفت انتباه السينمائي شيكار كابور، فيقرر بدوره منحها دورا صغيرا في فيلمه “إليزابيث، العصر الذهبي”، الذي أدّت بطولته النجمة كيت بلانشيت.
لكن آبي كورنيش تعتبر أن بدايتها الحقيقة في السينما هي دور البطولة الذي أسندته إليها جين كامبيون في “النجمة الساطعة”، حيث تؤدي شخصية فاني براون، الحبيبة السرية للشاعر جون كيتس. وتقول: “أنا سعيدة بالحفاوة التي استُقبل بها الفيلم هنا في “كان”.. وما أسعدني أكثر ليست إشادة النقاد بأدائي كممثلة، بل استحسانهم للفيلم، واعتباره أحسن أعمال جين كامبيون منذ “درس البيانو”. فمن خلال عملي معها على هذا الفيلم، أُبهرت بعبقريتها الفنية وببساطتها وتواضعها في الوقت ذاته. لذا، أتمنى من كل قلبي أن تنال “سعفة ذهبية” ثانية عن هذا الفيلم، لأنها تستحقها وأكثر …”