كان ” 62 : دورة متوجة بسينمائي المصاف الأول

*”الوقت المتبقي” للفلسطيني إيليا سليمان هو المشاركة العربية الرسمية الوحيدة هذا العام.
*مهرجان “كان” الـ 62 يستقطب كبار صناع السينما المستقلة  لتحدّى انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية..

مقر المهرجان 

الذين تنبؤوا بأن الأزمة الاقتصادية العالمية ستلقي بظلالها على الدورة الـ 62 من مهرجان “كان”، التي ستجري فعالياتها من 13 إلى 24 مايو المقبل، سيتوجب عليهم أن يراجعوا توقعاتهم. صحيح أن العدد الإجمالي للأفلام التي تم ترشيحها للمهرجان  تراجع بنحو 122 فيلما روائيا طويلا مقارنة بالمعدّلات المعتادة في السنوات الماضية. وصحيح أيضا أن بعض الجوانب الاحتفالية والاستعراضية، التي تحيط عادة بالمهرجان، والتي يجري تمويلها برعاية عدد من الماركات التجارية الشهيرة، ستواجه هذه السنة انتكاسة قاسية، بفعل تقليص أو إلغاء الميزانيات الإعلانية لأغلب تلك الماركات، بسبب تضررها من الأزمة المالية العالمية.. لكن المهرجان استطاع أن ينقذ الأهم من كل ذلك، أي الحفاظ على نوعية وتميّز الأفلام المشاركة، حيث شكّلت التشكيلة الرسمية لهذه الدورة الـ 62 من مهرجان “كان”مفاجأة سارة لمحبي الفن السابع. فالأعمال التي تم اختيارها للمشاركة في السباق على “السعفة الذهبية” أو للعرض ضمن التظاهرات الموازية، تحمل تواقيع كوكبة بارزة من أكبر صناع السينما من مختلف الجنسيات (52 فيلما من 120 دولة في التشكيلة الرسمية).

فورد كوبولا

لم يسبق أن اجتمع كل هذا العدد من سينمائيي المصاف العالمي الأول في أي دورة أخرى من “كان”. فالـ “كروازيت” ستستقطب هذه السنة 5 مخرجين ينتمون سلفا إلى النادي الضيق لـ “أصحاب السعف الذهبية”. بل أن أحدهم، وهو فرانسيس فورد كوبولا، ينتمي إلى ناد أضيق لا يضمّ سوى خمسة سينمائيين سبق لهم أن نالوا “السعفة الذهبية” مرتين.  فصاحب “العرّاب”، الذي أحرز سعفتين ذهبيتين، عامي 1974 (“محادثة سرية”) و1979 (“نهاية العالم الآن”) يعود هذه السنة ليعرض في السهرة الافتتاحية لتظاهرة “أسبوعي المخرجين” جديده Tetro.
بينما تعود النيوزيلندية جين كامبيون، التي تعد المرأة الوحيدة التي أحرزت سعفة ذهبية (“درس البيانو” ـ 1993)، لتدخل المسابقة الرسمية بفيلمها الجديد “النجمة الساطعة”. كما يعود الدنمركي لارس فان ترير (“السعفة الذهبية ـ 2006، عن “الراقصة في الظلام”)، ليحاول افتكاك سعفة ثانية بجديده Antichrist. والرهان ذاته يرفعه كانتن ترانتينو (“السعفة الذهبية” ـ 1994، عن Pulp Fiction)، حيث سيدخل المسابقة بفيلم “لقطاء بلا مجد”. بينما يعود البريطاني كين لوتش، الذي أحزر سعفة العام 2006 عن “الرياح التي تهز حقول الشعير”، بفيلم يحمل المنحى الاجتماعي والنبرة النضالية اليسارية ذاتها، بعنوان “البحث عن إيريك”.

إلى جانب هؤلاء، نجد في المسابقة الرسمية عددا من كبار رموز “سينما المؤلف” عبر العالم، ممن لم يسبق أن حازوا السعفة الذهبية، لكن الـ “كروازيت” تعوّدت على مشاركاتهم المتعددة، وسبق للمهرجان أن منحهم جوائز أخرى بارزة. في مقدمة هؤلاء الأسباني بيدرو ألمودوفار، الذي سيعود إلى المسابقة الرسمية بـفيلمه الجديد “العناق الكسير”، بينما سيشارك النمساوي مايكل هانيكي بـ “المناديل البيضاء”، والصيني أنغ لي بفيلم سيشكل، بلا شك، إحدى المحطات الرئيسية في المهرجان، بعنوان “عن وودستوك”. أما الفرنسي غاسبار نويي، الذي أثار فيلمه “بلا رجعة” جدلا كبيرا في “كان” 2002، فسيعود هذه السنة بجديده “الصمت المفاجئ”، في حين يعود الكوري بارك شين ووك، الذي أبهر الكروازيت بفيلمه Old Boy (الجائزة الكبرى ـ 2004)، ليقدّم في دورة هذه السنة جديده “عطش: هذا دمي”.
الفلسطيني إيليا سليمان، الذي أحرز هو الآخر “الجائزة الكبرى”، سنة 2002، عن “يد إلهية”، يعود هذه السنة لدخول المسابقة بفيلمه “الوقت المتبقي”، الذي سيكون العمل العربي الوحيد المشارك في التشكيلة الرسمية هذه السنة. أما الهونغ ـ كونغي جوني تو، الذي يعود آخر حضور له على الـ “كروازيت” إلى العام 2005 (حينها، أثار فيلمه الجريء “انتخاب”، عن المافيا والفساد في هونغ كونغ، جدلا سياسيا كبيرا…)، فإنه يسجل حضوره هذه السنة في المسابقة الرسمية بفيلم جديد يحمل عنوان “انتقام”، يؤدي بطولته مغني الروك الفرنسي جوني هاليدي.
وتضم التشكيلة الرسمية هذه السنة أيضا، فئة ثالثة تتمثل في سينمائيين شكّلوا اكتشافات ومفاجآت المهرجان خلال الأعوام الأخيرة. وهؤلاء يسجّلون بأعمالهم الجديدة التي ستُعرض هنا، حضورا يؤكد انطلاقتهم الواعدة نحو القمة.

المخرج إليا سليمان

الفلبيني بريانتي ماندوزا، الذي اكتشفته تظاهرة “أسبوعي المخرجين”، سنة 2007، عبر فيلمه John John، ثم أبهر الـ “كروازيت” في العام الماضي برائعته Serbis، التي دخلت المسابقة الرسمية، لكنها ـ للأسف ـ لم تحظ بأي جائزة، رغم الحفاوة النقدية التي استقبلت بها.. سيعود هذه السنة ليقدّم فيلمه الجديد Kinatay.
الصيني لو يي، الذي  اكتشفه المهرجان منذ عمله الأول “الفراشة الأرجوانية” (2003)، ثم دخل المسابقة الرسمية عام 2006، بفيلمه “شباب صيني”، الذي أثار حفيظة سلطات بكين، لأنه شارك في “كان” من دون موافقة الرقابة الصينية.. سيعاود الكرّة، هذه السنة، ليقدّم فيلما صُوٍّر بشكل سري، وتم تهريبه إلى خارج البلاد، دون موافقة السلطات، تحت عنوان “ليلة انتشاء ربيعية”.  
الفرنسي جاك أوديار، الذي اكتشف المهرجان، عبر تظاهراته الموازية، رائعتيه “على شفتيَّ” (2001) و”عن النبض توقف قلبي” (2005)، سيدخل المسابقة الرسمية هذه السنة لأول مرة، بجديده “نبي”. أما مواطنه غزافييه جيانولي، الذي اكتشفته الـ “كروازيت”، سنة 2005، عبر فيلمه الروائي الطويل”حين كنتُ مغنّيا”، (كان قد فاز قبل ذلك بـ “السعفة الذهبية” للأفلام القصيرة، سنة 1998، عن عمله القصير الأول Interview)، فإنه يقفز هذه السنة إلى مصاف الكبار، حيث سيكون جديده “في الأصل”، أحد أربعة أفلام فرنسية ستخوض السباق نحو “السعفة الذهبية”.
هناك أيضا سينمائيتان أحدثتا المفاجأة في الدورات الأخيرة من “كان”، سيدخلان المسابقة الرسمية هذه السنة، ليسجّلا حضورا نسائيا مميزا، يضاف إلى حضور جين كامبيون. وهذا الحضور النسوي سيكون له شأن، بلا شك، في جوائز هذه الدورة…
الأسبانية إيزابيل كواكسيت، التي باتت تُوصف بأنها “المعادل النسوي لألمودوفار”، كانت قد أبهرت الكروازيت بعملها الأول “أشياء لم يسبق أن قلتُها لكَ” (1996)، ثم نالت “الأسد الذهبي” في مهرجان برلين، عن رائعتها “حياتي من دوني” (2003)، ثم جاء الدور على “مهرجان البندقية”، حيث نالت فيه جائزة “لينا مانجيكابري”، عن فيلمها “الحياة السرية للكلمات”، الذي حقّق نجاحا عالميا، عام 2005. وها هي تحط الرّحال، هذه السنة، مجدّدا على الـ “كروازيت”، لتنافس على “السعفة الذهبية” بجديدها “خارطة لأصوات طوكيو”.
أما السينمائية الأخرى المشاركة في المسابقة الرسمية، فهي البريطانية أندريا أرنولد، التي نالت أوسكار أحسن فيلم قصير عام 2004، عن شريطها Wasp، ثم سجّلت أول مشاركة لها في “كان”، عام 2006، بفيلمها الروائي الأول “الطريق الأحمر”، فإنها ستدخل المسابقة الرسمية، هذه السنة، بعملها الثاني Fisk Tank، الذي يؤدي بطولته مايكل فاسباندر، الذي أبهر الـ “كروازيت” في العام الماضي بأدائه المؤثر في رائعة ستيف ماك ـ كوين Hunger. 
وأما المفاجأة الأكبر التي تضمنتها تشكيلة “كان” لهذه السنة، فتتمثل في عودة سينمائيين مخضرمين سينافسان على “السعفة الذهبية”، بعد غياب امتد لأكثر ثلث قرن. صاحب”هيروشيما يا حبي”، الفرنسي ألان رينيه، الذي وصفه رئيس المهرجان، جيل جاكوب، بأنه سيكون “الأكبر سنا، لكنه ليس الأقل شبابا من بين السينمائيين المشاركين في هذه الدورة”، يعود إلى الـ “كروازيت”، لأول مرة منذ العام 1968، ليقدّم جديده “الأعشاب المجنونة”. أما الإيطالي ماركو بيلليكيو، الذي افتقده “كان”، هو الآخر، منذ نهاية الستينات، فإنه سيعود هذه السنة بفيلم سيكون العمل الإيطالي الوحيد المشارك في المسابقة الرسمية، بعنوان vincere (“النصر”). وكعادته، يواصل صاحب “الارتماء في الفراغ”، في هذا العمل الجديد، مساءلة التاريخ الإيطالي المعاصر، من خلال تصوير جوانب خفية في حياة الزعيم الفاشستي موسيليني…       


إعلان