حجر أسود… الفيلم القصيدة

في عمل يمزج بين القصيدة المكتوبة والقصيدة المحكية والصور الشاعرية، يأخذنا فيلم “حجر أسود” في رحلة عبر الزمان والمكان.

الزمان: نكسة العام 1967 وآثارها الحاضرة
المكان: منطقة الحجر الأسود في هضبة الجولان السورية، وذاكرة أبنائها

“حجر أسود” ليس الفيلم الوثائقي العربي التقليدي الذي تتوقع مشاهدته. إنه مشوار وجداني تغني فيه الصور وتحكي فيه ذاكرة الحجر قصصها. المخرج الشاب الفوز طنجور أبدع في تقديم عمله المرئي، حتى لتحسبه يتحكم ليس فقط بزوايا الكاميرا، بل بزوايا الأماكن.
الفيلم اختار شخصيات محددة للحديث معها وليس عنها. شخصيات مثقفة بسيطة تشبه من نراهم كل يوم، تروي لنا ذكرياتها في الحجر الأسود، وقصة الغزو الإسرائيلي عام سبعة وستين والنزوح الجماعي الذي خلف القنيطرة خالية إلا من “خمسة عشر شخصاً”. يشارك البعض أحلامهم، وأمنياتهم، ومحاولة إبقاء العلاقة وطيدة بين أبنائهم والمكان.
أما المكان نفسه فيحاوره المخرج بعدسة الكاميرا الثابتة في أغلب الأحيان في زوايا مميزة. إطارات جميلة، بعدها عميق، وألوانها جميلة حتى وإن لم تتعدد. صور الطبيعة والبيوت المهدومة والأراضي المهجورة توحي بأنها لا توفر مادة كافية لعمل وثائقي، ولكن المخرج، الذي قام أيضاً بتصوير العمل بنفسه، ينجح في إثارة إعجابنا كلما عاد إلى المكان بصور أكثر غنى.
أسلوب التصوير يذكر بلقطات من السينما الروسية البطيئة الإيقاع دون ملل، والتي تسمح للمشاهد بالتجول بعينيه في أنحاء اللقطة بحرية. أما إيقاع المونتاج فكان منتظماً بمعظمه، قليل المؤثرات التي جاءت قليلة وفي وقتها المناسب.
قوة العمل وتميزه من الناحية الفنية والصورية، وعدم بروز أي شخصية قوية بين الضيوف، أثر سلباً في وجهة نظري على مضمون العمل. قراءة المخرج للتعليق لم تكن جد موفقة، والنص المكتوب كان غنياً جداً من ناحية اللغة والإنشاء، ما لا يتناسب بالضرورة مع كل نص تلفزيوني. فالنص وإن كان مكتوباً بلغة عربية سهلة ومرنة وشاعرية، كان بإمكانه أن يكون أغنى بالمعلومات.
“حجر أسود” قصيدة مصورة تتغزل بمنطقة مهجورة، أحسن فيها المخرج اختيار ما يختتم به عرضه فقال بلسان محمود درويش: “قد يكون الطريق إلى البيت أجمل من البيت”.


إعلان