دور العرض في العراق … يتوعدها الانقراض

استطلاع : بشير الماجد – بغداد

بعد اسباب توالت على دور العرض في العراق ، ابتدات بالحصار الاقتصادي عام 1991 ، مرورا بدخول قوات الاحتلال الامريكي للعراق 2003 ، وانتهاء بموجة العنف واللاامن حتى 2009 ، غابت تماما عن ذاكرة الناس ، فكرة ارتياد دور العرض ، او حتى سؤال في الذهن عابر ، هل لازالت هناك افلام تعرض في الصالات ؟ ونتيجة للظروف العصيبة ، والتي امتد عمرها لأكثر من ( 18 ) سنه – وهو عمر جيل كامل لا يعرف ماتعني كلمة  دور العرض – تحولت الصالات الى ثلاث حالات : الاولى : عرض افلام قديمة مكررة ،وذلك لصعوبة الاستيراد ، وغياب الرواد . والثانية : عرض افلام اباحية لاستقطاب جمهور المراهقين،بعد عزوف العوائل عن ارتيادها ، لظروف اقتصادية ثم امنية ، والثالثة : تحويل بعض الصالات الى  مخازن لتخزين البضائع ، او تحويل واجهاتها الى محال تجارية ، وذلك لعدم الجدوى الاقتصادية من تلك الدور . وكون السينما وسطا تعبيريا ، يحمل قضايا وأفكار مهمة ، وقيم ثقافية واجتماعية وانسانية ، فان فقدانها يتحول بالنتيجة الى سبب من اسباب التراجع الفكري والثقافي في العراق ، اذ ان الغاية من انشاء وارتياد صالات العرض لا يقتصر على الجانب الترفيهي بل الاجتماعي والثقافي على حد سواء ، وهي لونا حضاريا لا تخلو منه أمة من الأمم ، ومن المحزن حقا ، ان في خضم الجهد السينمائي الذي يبذله السينمائيون العراقيون ، والعمل حد المجازفة بالارواح ، وانجاز ابداعهم السينمائي ، وترحيله الى كل بقاع العالم ، ويتركون اثرا لاعمالهم في خارطة السينما عبر مشاركاتهم ، وحصولهم على جوائز مهمة في مهرجانات عربية وعالمية ، لاتجد هذه الاعمال موطأ ( عرض ) لها في العراق .
ويترك سؤال حائر على محيا وضمير كل من صانع الفيلم وجمهوره :
اين سأعرض فيلمي ؟ اين سنشاهد فيلمك ؟ وحتى المحاولات التي بذلت من بعض المنظمات المدنية والافراد بتأسيس نواد للسينما – لتعويض غياب صالات العرض- تم وئدها ، برغم تعطش الجمهور للمشاهدة الجماعية ، وما ينطوي عليها من مناخ ترفيهي وثقافي . بقي ان نفكر ونسال – برغم صرخات الاستغاثة – هل من الممكن عودة صالات العرض السينمائي الى حياتها ؟ وماهي السبل الكفيلة بذلك ؟

المفرجي

                       
الناقد ( علاء المفرجي ) يرى بتفاءل عودتها ، برغم تشكيكه بادراك الدولة لأهمية هذا الفن . 
علاء المفرجي:هناك امكانية للعودة واشك في ادراك الدولة
بالتاكيد هناك امكانية لعودة صالات العرض السينمائي مثلما هو الامل بان تعود الاوضاع في العراق الى طبيعتها .. القضية ياصديقي مرهونة بوعي المؤسسة الثقافية الرسمية باهمية هذه الصالات واهمية السينما اولا كفن يمكن له ان يساهم في تهذيب الوعي والذائقة.. لا النظر اليها بوصفها وكر للشيطان. المشكلة الحقيقية تتمثل في ان اهمال صالات العرض متعمد وهو جزء من سعي اطراف متنفذة في الحكومةوالقيمين على الثقافة الذين جادت بهم سياسة تقسيم المغانم على اساس الحصة المذهبية، اقول انه جزء من السعي لتهميش الثقافة والمثقفين في لعب دورهم الاساس في بناء الدولة ، وهم بهذا على يقين ان عودة النشاط السينمائي وصالات العرض جزء مهم من ذلك، سيزاحم نفوذهم ونفوذ ايديلوجياتهم المتخلفة.
يمكن للدولة ان تدخل في هذا المجال بتاهيل صالات العرض ومنح التسهيلات اللازمة لمستوردي الافلام، واذا تطلب الامر تكون هي طرفا في هذه العملية. وطبعا هذا يتوقف على ادراكها لاهمية هذا الفن واشاعته ، وان كنت اشك في ذلك       . 

الراوي

                                       
بينما يرى (نزار الراوي ) – رئيس مهرجان العراق السينمائي – ان اعادة تاهيل دور العرض السينمائية ، هو جزء من عملية اعادة المناخ الثقافي .
نزار الراوي :الأمر ليس سهلا على الاطلاق
هناك جهود فعلية على أرض الواقع لاعادة تأهيل البعض من صالات السينما في العاصمة بغداد وذلك بالتعاون مع مالكيها الذين لمسنا من بعضهم رغبة حقيقة في التعاون من أجل إعادة الحياة لتلك الصالات كدور عرض سينمائي، لا أريد أن أستبق الأحداث لكني أعتقد أن موسم الخريف القادم ربما سيشهد إفتتاحاً لواحد أو أثنين من دور العرض السينمائي في بغداد.
ولكن بما أني أتحدث اليك كمثقف وكسينمائي فأنا متأكد أنك سوف تتفهم وجهة نظري عندما أقول أن الأمر ليس سهلاً على الاطلاق؛ وأعني عودة صالات السينما لتعمل بمواصفات عالمية، فالأمر لا يتعلق بالوضع التقني الذي نحاول اليوم ترميمه جاهدين فقط، بل تتعلق بالمناخ الثقافي العام، وبالمتغير الاقتصادي والاجتماعي الذي يجب أن يحدث لتعود صالات السينما العراقية لممارسة دورها كصالات وكدور عرض سينمائية تعمل بمواصفات مقبولة.

وهنا يبرز دور المشروع الثقافي الوطني الذي لا ينبغي له أن يرتبط بأي برنامج حكومي قدر ما هو منتج اجتماعي يقدم أولويات أخلاقية على أية أولويات مادية أوبيروقراطية أو دعائية ليقدم حلول واقعية وفعالة لأزمة العمل الثقافي وبناه التحتية التي تمثل صالات السينما جزاءاً منها، فمن هذه الناحية الأمر على نحو ما منوط بنا كنخب ثقافية، وبقدرتنا الذاتية على إجتراح المنهج المناسب لاقالة عثرات المشهد ككل وإعادة إعمار الثقافة وبناها.
الماجد : كونك رئيس لمهرجان سينمائي ، اليس من الخلل في مكان ، ان يقام مهرجان سينمائي ، دون استخدام صالة عرض للافلام ؟
نزار الراوي :
إنه من المؤسف حقاُ ومن النقيصة بمكان أن يقوم المهرجان دون أرضية تقنية ومكانية ملائمة، أنها حقاً محيط شكلي للمهرجان ولا تجرح المضمون كثيراً لكنك تعلم أن المهرجانات أنظمة وأنساق تستثمر الشكل لاستنطاق المضامين السينمائية عموماً وربما حتى المضامين الفيلمية.
 ولكن تبقى الضرورة التأريخية تحتم علينا التواصل – المضني-  لتنظيم المهرجانات كنسق مستقل من شأنه أن يولد بالتعاضد شيئاُ من الدعم والزخم للجهود بإعادة اعمار وتأهيل دور السينما والبنية الثقافية ككل .

على الحسن

اما الناقد ( علي حمود الحسن ) فيجزم بعودتها ، برغم الغصة التاريخية التي تهيمن على كلامه .
علي حمود الحسن : وضعها مزري ولكنها ستعود
نعم انا اجزم بامكانية عودة دور العرض السينمائية في بغداد والمحافظات ،على الرغم من الوضع المزري الذي تعيشه ،ففي بلد عرف السينما منذ بداياتها الأولى-ربما الفن السينمائي الوحيد من دون الفنون الذي لا يتمتع بولادة طلسمية ملغزة انما تاريخه معلن وميلاده معلوم –  ففي ليلة  الاحد( 26) تموزعام 1909في دار الشفاء الواقعة في الكرخ ،والتي اعجبت البغداديون مما حدا ببعض تجار بغداد واثريائها ،اتخاذ مكانا جميلا يرتاده الاهالي   ،  وسط بستان لمشاهدة الالعاب السحرية بموجب بطاقات ،هذا البستان سيكون فيما بعد أول سينما في تاريخ العراق تعرف باسم (بلوكي) بعدها توا لى افتتاح وبناء  سينمات (ميسائي ،اولمبيا،سنترالسينما،سينما العراق،سينما الوطني …..الخ)واقامت الشركات العالمية   مكاتب لها في  بغداد و البصرة والموصل،حتى وصلت الى ذروتها في اربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي ،ويكفي ان نذكر ان رجل الاعمال الوطني حبيب الملاك امتلك (33) دارا للعرض يديرها مع اولاده وباسلوب راق ومتطور مستخدما وسائل مبتكرة للترويج لافلامه منها الطائرات الشراعية التي تسقط “مناشير”فيها اعلان عن الفيلم.
يروي مؤرخ السينما الكبير جورج سادول صاحب سفر “تاريخ السينما في العالم”ان في بغداد لوحدها اكثر من ثمانين دارا للعرض  لم يتبقى منها سوى ما يعد على الاصابع وفي حالة مزرية ..لكني مع ذلك ارى ان ما ال اليه حال السينما طبيعي  بالنسبة لبلد خاض حروبا واحداثا جسام ، ولأن دماء الولادات فاسدة ،فليس غريبا ان نرى تهميش السينما كفن خلاق يبني ويعبر عن تطلعات وآمال ورقي الشعوب حاله حال القنوات الأخرى ،ولان الأفعال لا تتحقق بالاحلام والنوايا الحسنة،فقد بادر سينمائيون عراقيون (مخرجون ،فنيون،نقاد) إلى إطلاق حملة وطنية وعالمية،-لاسيما ان المئات من هؤلاء موزعين على كوكبنا الارضي- للحفاظ على دور العرض السينمائية في بغداد والمحافظات ،والتي تعيش وضعا مزريا ومحزنا …وأنا من خلال استطلاعكم ادعوا كل السينمائين العراقيين الى معاضدتنا في ان يوقفوا  عمليات الهدم والتحويل وتغيير الصفة والإيجار،لدور العرض ، وأيضا ترميم وتهيئة الدور المتبقية، لكي تعرض فيها افلام المبدعين، فليس معقولا أن لا يعرض قاسم حول فيلم المغني في بغداد او البصرة ، و عدي رشيد او محمد الدراجي والذين انجزوا افلامهم داخل البلد وفي ظروف صعبة، ولاتوجد دار عرض سينما واحدة موهلة لذلك .

ثامر جهاد

لكن الناقد ( احمد ثامر جهاد ) لايرى عودة صالات العرض لحياتها ، دون حملة ضغط ، تجبر الجهات المؤلة على ذلك .
احمد ثامر جهاد: لن تعود بدون حملة ضغط واسعة

– عودة الصالات السينمائية مقترن بطبيعة توجهات الحكومة التي يبدو انها لم تحسم بعد فلسفتها في الحكم.فهي ترفع شعارات ليبرالية وتمارس على الأرض سياسات بالية لا تتناسب وارث العراق الثقافي والحضاري.
وكون الصالة السينمائية هي الجزء الحيوي في دورة الحياة السينمائية والذي يعضد علاقة الجمهور بهذا الفن، فان غيابها سيؤثر بالطبع على وتيرة الإنتاج بشكل عام كما انه يبعد الجمهور عن طقس الصالة الاجتماعي والتنويري.
ونتيجة لغياب الصالات بادرنا بتأسيس المنتديات السينمائية في المحافظات التي تعنى بتقديم عروض منتقاة من شانها رفع مستويات التذوق الفني وإشاعة الثقافة السينمائية بين الجمهور المتفرج والإبقاء على معنى الممارسة الفنية.
في المقابل لا أظن ان الصالات السينمائية يمكن لها ان تعود على الأقل في الأفق المنظور من دون حملة ضغط واسعة تجبر الجهات المسؤولة على الخروج من سباتها الحالي .
ومع اختلاف الاراء ، والرؤى ، هل يصح لبلد له ارثه السينمائي ، في الانتاج ، والكم الكبير من دور العرض السينمائية ، ان يبحث صناع السينما فيه عن مكان لعرض افلامهم ؟


إعلان