محمود درويش … وثائقي أعاده إلى الحياة
عاصم جرادات
عرضت قناة الجزيرة الإخبارية فيلماً وثائقياً عن حياة الشاعر الفلسطيني الراحل الكبير محمود درويش بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيله في 9 آب/أغسطس 2008م، في مدينة تكساس في الولايات المتحدة، تحت عنوان “محمود درويش”، وقدم مخرج الفيلم “خليل حنون” عرضاً كلاسيكياً قصصياً لحياة شاعر المقاومة، بدأها بمقاطع من أمسيات شعرية للشاعر الفلسطيني، وتم تقسيم الفيلم إلى مراحل تعايش حياة درويش، وشاهدنا انتقالاً سلسا بين المراحل، وتوظيفاً دقيقاً للمقاطع الشعرية من أمسيات شعرية لمحمود درويش، ولكن غيّب الفيلم نقطة مهمة في حياة درويش وهي مساهمة الشاعر والفيلسوف اللبناني روبير غانم في إطلاقه واكتشافه، عندما بدأ هذا الأخير بنشر قصائد لمحمود درويش على صفحات الملحق الثقافي لجريدة الأنوار والتي كان يترأس تحريرها.
المرحلة الأولى (البدايات)
تطرق المخرج في هذه المرحلة للبدايات الأولى لحياة الشاعر الذي ولد عام 1941 في قرية البروة، وهي قرية فلسطينية تقع في الجليل قرب ساحل عكا، حيث كانت أسرته تملك أرضاً هناك. خرجت الأسرة برفقة اللاجئين الفلسطينيين في العام 1947 إلى لبنان، ثم عادت متسللة العام 1949 بعيد توقيع اتفاقيات السلام المؤقتة، لتجد القرية مهدمة، و أقيم على أراضيها (قرية زراعية إسرائيلية) “أحيهود”. وكيبوتس يسعور. فعاش مع عائلته في قرية الجديدة، واستعانة في الحديث عن المرحلة بأحمد درويش وهو شقيق الشاعر.
المرحلة الثانية: (النهوض الفكري)
تناول الفيلم بدايات النضال والنضوج السياسي لدرويش حيث قدم سرداً لعمله في جريدة الاتحاد والملاحقات من قبل السلطات الإسرائيلية واعتقاله، ومن المنطقي أن يطل علينا الشاعر سميح القاسم مدلياً بشهادته عن تلك المرحلة، ورافقه الشقيق أحمد في الحديث عن زيارته لمحمود في السجن مصطحباً والدته وتحدث عن قصاصة الورق المكتوب عليها “أحن لخبز أمي”، وهي عنوان القصيدة المشهورة لدرويش.
المرحلة الثالثة: (الرحيل عن الوطن)
رحل محمود درويش عن فلسطين بعد الضغوطات متجهاً نحو الفردوس الشيوعي (وهو مصطلح استعمله الفيلم للدلالة عن موسكو)، ومن ثم إلى القاهرة وبعدها بدأت المرحلة البيروتية عندما حط درويش الرحال في بيروت عندها ظهرت شهادات جديدة في الفيلم، وهي التي عايشت درويش في بيروت فأخذ الياس خوري بقص تلك الذكريات مع الشاعر في مجلة شؤون فلسطينية وثم في مجلة الكرمل، وأخذ الكاتب والأستاذ الجامعي فواز طرابلسي التحدث عن علاقة درويش بمنظمة التحرير بشكل عام والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بشكل خاص، وشاهدنا في الفيلم المحامي غانم زريقات الذي طالما رافق الشاعر وقدم الكثير من المعلومات الخصوصية عن حياته.
ومع رحيل منظمة التحرير من بيروت توجه درويش إلى باريس حيث نقطة النهاية للمرحلة الثالثة.
المرحلة الرابعة: (التجربة الباريسية)
قدم الفيلم التجربة الباريسية للشاعر المقاومة الفلسطيني وتحدث خوري وطرابلسي بالإضافة إلى شقيقه عن التغيرات التي طرأت على حياة درويش الشعرية، وتطرق الفيلم إلى ثنائية الأغنية وقصائد درويش وكان عرّابها الفنان مارسيل خليفة الذي أدلى بشهادته، وتحدث عن تجربته مع درويش، ودقق على تلك القصيدة التي رفض بدايةً درويش غناء مارسيل لها وهي يطير الحمام حيث اعتبرها خاصة به وملكه، لكن مارسيل أكد في الفيلم أن درويش عاد وطلب منه تلحين وغناء قصيدة يطير الحمام.
المرحلة الرابعة:( الحياة الزوجية) الراحل محمود درويش
من قصيدة يطير الحمام انتقل مخرج الفيلم إلى مرحلة الحياة الزوجية لدرويش عندما التقى مع الزوجة الثانية لدرويش حياة الهيني التي روت بدورها كيف تعرفت على درويش وتزوجا ومن ثم انفصلا، ولم يُغفل المخرج ذكر زواج الشاعر من بنت أخ الشاعر السوري نزار قباني.
المرحلة الخامسة (علاقته مع منظمة التحرير)
ذكر الفيلم أن درويش كتب وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني التي ألقاها ياسر عرفات في الجزائر، وانتخابه قبل عام عضواً باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وكذلك بين المحامي زريقات اهتمام الرئيس الراحل عرفات بالشاعر الفلسطيني والتأكيد على وجوده في المنظمة، وأشار الفيلم إلى استقالة درويش من عضوية اللجنة التنفيذية على خلفية اتفاقية أوسلو واعتبرها درويش اتفاقية أمنية، ومن ثم سلط الفيلم الضوء على عودته إلى الضفة الغربية والعروض التي تلقاها من عرفات بتسلم وزارة الثقافة التي قابلها درويش بالرفض.
المرحلة السادسة: (وفاته)
بدت عرض الفيلم لهذه المرحلة ضعيفاً جداً عندما تعامل مع رحيل درويش كباقي المراحل وعاد شقيق درويش للظهور للحدث عن الدقائق الأخيرة من حياة درويش وكذلك بيّن الروائي خوري تصالح درويش مع الموت وإحساسه به قبل وقت عندما أطلق قصيدة الجدارية.
وختم المخرج بوصف ضيوف الفيلم للشاعر الفلسطيني الراحل، ومشهد من أمسية شعرية للشاعر ألقى فيها قصيدة الجدارية وخص منها المقطع التالي:
هذا البحر لي
هذا الهواء الرطب لي
واسمي – وإن أخطأت لفظ اسمي على التابوت – لي
أما أنا – وقد امتلأت بكل أسباب الرحيل – فلست لي
فلست لي
أنا لست لي
أنا لست لي …
ووجه بعدها الفنان مارسيل والزوجة الثانية لدرويش كلمة له ختمتها حياة الهيني بعبارة من قصيدة أحبك أكثر (ستبقى، بعيني و لحمي، ملاك ).
أسئلة برسم المخرج :
لماذا لم يتم تصوير قبر وجنازة الشاعر محمود درويش؟
لماذا لم يتم مقابلة القاص الفلسطيني “أكرم هنية” و علي هلاله وهما المرافقان لدرويش في رحلته الأخيرة؟
لماذا تم اختصار كلمة لمحمود درويش على زوجته الثانية ومارسيل خليفة؟