نزار حسين: لم تتشكل بعد سينما وثائقية عراقية

ين مسافات التشظي الذي عصف به وبا لبلاد ، كان يلم رؤاه ، ويضمد جراحها ، وينشر دماؤه المبتلة بعرق الحروب ، على حبل شغفه ، ويغازل شمسا جديدة ، ستشرق يوما على العراق .
مخبأ احلامه ( الطويلة ) في جعبة صمته ، عاقدا صداقته الخجولة مع ( الوثائقي ) الذي اهداه خمس شموع اضاءت ل ( نزار حسين مهاوي ) جانبا من طريقه . وبين ( روائيه ) المؤجل و ( وثائقياته ) القائمة ، ينسج تواصله بتان وصبر .

حاوره : بشير الماجد – بغداد

المخرج العراقي ( نزار حسين مهاوي ) كنت تحدثني دوما عن احلامك الروائية في الفيلم ، لكنك اتجهت للعمل في الوثائقي !!؟
كان حلمي ان ادخل السينما الروائية – الشعرية – ولدي نصوص مكتوبة ، لكن في الحقيقة ، الوثائقي كان اشبه بالمدرسة القسرية عليّ ، فوفقا لامكاناتي الشخصية ، وعدم وجود شركات انتاج سينمائي ، قادرة على تبني المشروع السينمائي في العراق ، بالاضافة الى اوضاع البلد المتازمة سياسيا ، لا اتمكن من خوض غمار تجربة الروائي الطويل ، ولا اريد الخوض في تجارب غير متزنة او ناقصة من النواحي الانتاجية ، لذلك توجهت مع مجموعة من الاصدقاء الى الفيلم الوثائقي ، لان التحول الذي حصل في العراق ، فتح منافذ كبيرة لعالم الديجيتال ، وكون لعراق محط انظار العدسات من كل العالم ، اصبح الفيلم الوثائقي حاجة ملحة .

انت تسميه ( الوثائقي ) مدرسة ، لكن قسرية ، لماذا ؟
نعم ، فهناك فاصل بين ما تتعلمه ، وما تنجزه ، لاننا اصبحنا امام خيارين ، الوثائقي الذي تتبناه بالكامل ، من كل النواحي ، كمنجز ، كروح ، كتعبير لرؤاك ، وبين ( وثائقي ) المعيشة ، الذي يطلب منك لان العراق لايزال نقطة ساخنة ومثيرة للجدل ، بالنتيجة كل جهة تطلب منك عمل ما ، تريده من وجهة نظرها ، هذا لايعني انك مهمش ، وليس لديك حرية في الاختيار ، ويبقى هامش المزاج ، مزاجنا كشعب ، وهذا المزاج احيانا يخدش ، لان من الصعوبة ان ترى من يقيم هذا .

انت اضفت تسمية جديدة للوثائقي ( وثائقي المعيشة ) جميل هذا الاسم ، لكن اية كفة راجحة عندك ؟
الكفتين معا ، لان هناك عقدة اسمها الانتاج ، وانت خير العارفين ، ان تعمل مجموعة برامج تلفزيونية و وثائقيات قصيرة ، من اجل صناعة فيلم خاص بك ، يشتمل على صفات الفيلم الكاملة .

أعلى هذا النمط انتجت الوثائقيات الاخرى ، ام لديك تسميات جديدة ؟
هناك خطان للوثائقي منذ عام 2003 ، وممكن التمييز بينهما . الاول : لصناع الفيلم القادمون من خارج العراق ، الذين اتيحت لهم فرصة العودة ، وجاؤا بخبرة جيدة ، يفتقدها حقل الفيلم في العراق ، وهم محملون باحلام كبيرة ، بعضهم اصطدم بواقع قاس ، وبرغم ذلك حققوا اعمالا متميزة ، بعيدا عن الهوامش ، والبعض الاخر انتجوا افلاما سطحية ، او افلام رحلة ( مع رفضي لفكرة ثقافة الداخل والخارج ) والخط الثاني : بعد 2003 كنت ارى الكاميرا الديجيتال لاول مرة ، وكان هناك حاجز تقني يفصل المخرجين في العراق عن اقرانهم القادمون من خارجه ، لكن الاصرار والحاجة في ان تقول شيء ، اختزل المسافة التقنية بشكل كبير ، واتضح ذلك من خلال ظهور تقنييين كبار في حقل التصوير والمونتاج ، والتفصيل الاهم في هذا الخط من الافلام ، ان صانعية هم من حملت التركة الثقيلة للحروب ، فهم ابناء التوتر ، ابناء الشد النفسي ، ابناء الحصار ، اذ  كانوا قساة في التعبير عن رؤاهم ، ولايترددون في جرح المتلقي ، بلقطات لا يحتملها ، من عاشها في العراق ، فمابالك بالذي لم يعشها ، كذلك وجهة نظرهم ، ادواتهم السردية ، كانت قريبة من مزاجهم العصبي ، وواقعهم المقهور ، هذا النوع سميته ( الواقعية الخشنة ) .

لقطة مركبة للمخرج نزار حسين يمينا ثم اثناء العمل

هل ترى ملامح واضحة للوثائقي العراقي ؟
لم تتشكل بعد ملامح سينما وثائقية في العراق ، لكن في نفس الوقت توجد هناك اشارات واضحة جدا لمن هم قريبون من الشان الوثائقي ، لان العراق سيشهد ولادة حركة وثائقية مهمة .

 وفقا للاحداث ؟
 نعم ضمن قرائه واقعية جدا تعتمد على عدة عناصر ، عنصر المورد البشري متوفر ، عنصر الدماء الجديدة موجود ، ، لكن نبقى بانتظار ولادة منظومة انتاج ذكي ، لاتخشى الاستثمار في منطقة ساخنة مثل العراق .

تعول على ان تكون هذة المنظومة حكومية ؟
ابدا … لاننا اذا قمنا بذلك سنعود الى سينما الدولة ، سينما الرقابة ، سينما الايدولوجيات الجاهزة ، والبروباكاندا ، وتسييس وجهات النظر .

 اذا من يقوم بذلك برايك ؟
 القرية الصغيرة كفيلة بحل هذه التفصيلة .”

كيف ؟
عدم الخشية من الاستثمار في المنطقة والتي تدر ارباحا ايظا للمستثمرين ، وليس السينما من اجل الفن فقط .

نأتي الى فيلم ( تضاريس ) ، هلا حدثتني عنه ؟
 فيلم ( تضاريس ) هو التعاون الثاني مع قناة الجزيرة الاخبارية ، عن طريق منتج منفذ ( HOT SPOT )  اذ سبق ان اخرجت ثلاثة افلام وثائقية ، الاول ضمن سلسلة ادب السجون ، والثاني ضمن سلسلة المحاربون القدامى ، والثالث ضمن سلسلة وجهة نظر ، وتم انتاج هذه الافلام في عامي 2005 – 2006 ، وعرضت على قناة الجزيرة ، اما ( تضاريس ) فهو جزء من سلسلة وثائقية تحمل عنوان ( ادب المقاومة ) حاليا الفيلم في مرحلة المونتاج النهائي ، وعنوان الفيلم أتى من طبيعة البناء العام الذي وضعته ، حيث يتناول ثلاث تجارب ادبية ،  الاولى للاديب ( حسن سليفاني )   من دهوك ( شمال العراق ) . والثانية للاديب ( قصي الخفاجي ) من البصرة ( جنوب العراق ) ومن بغداد الاديبة ( نضال القاضي ) .

اذا ( تضاريس ) ك ، جغرافية ، ام ادبية ؟
 الاثنان معا ، اذ يتعرض الفيلم لتجاربهم المختلفة ، حيث عرف ( سليفاني ) بكتاباته المناصرة للثورة الكردية ضد نظام ( صدام حسين ) . وعرف الخفاجي بكتاباته المشفرة ابان حكم البعث ، وكتاباته الجريئة التي ترفض القبح الذي افرزته بعض الاحزاب في جنوب العراق بعد عام 2003 ، بينما عرفت ( القاضي ) بنصوصها التي صبت جام غضبها على المحتل الامريكي ، من هنا نفهم ان ( التضاريس ) المقصودة ، لاتعني الجغرافيا فقط ، بل تمتد ايظا الى تنوع التجربة الادبية ، التي تشكل بالنتيجة نافذة صغيرة نطل منها على مشهد الادب المقام في العراق .

فريق عمل الفيلم

هل ثمة نصوص معتمدة لهم ؟
نعم ، هناك عملين للاديب ( سليفاني ) هما :
 ( دمي الذي سيضحك ) مجموعة شعرية .
 ( كولستان والليل ) رواية قصيرة .
وعملين للاديبة ( نضال القاضي ) هما :
( عواء بارتفاع الشناشيل ) مجموعة شعرية .
( بينالي لعواء وبسكويت ) مجموعة شعرية .
وعملين للاديب ( الخفاجي ) هما :
( الاوديبي ) مجموعة قصصية .
( مستوطنة الكلاب ) مجموعة قصصية .

مالاسلوب الذي اعتمدته بالفيلم ؟
انا شخصيا ، لا اميل الى اللقاءات المطولة مع الشخصيات في اي فيلم ، واعتمدت اسلوب المعايشة التفصيلية مع كل من الشخصيات الثلاثة ، واعول كثيرا على اللحظة الطبيعية المقتضبة باسلوب حياتي بحت ، لذلك بذلت جهدا كبيرا ، كي اخلق المناخ المحبب حول هذه الشخصيات ، حيث ابتعدت عن الغوص في تفاصيل  التجربة الادبية ، والتركيز على المفردة الحياتية ، كيف تاكل ، كيف تلعب مع اطفالك ، كيف تتحدث مع الاصدقاء ، كل هذه الاسئلة سيجدها المتلقي مجابة عبر  الفيلم .
لكن هناك مفردات تقنية وفنية  ثابته، يعتمدها اي فيلم وثائقي …
انا مؤمن ان الفيلم الوثائقي الكلاسيكي ، قد استهلك مفرداته الابداعية ، لذا احرص في جميع اعمالي ان اكسر الجمود الموجود في الوثائقي الكلاسيكي ، واقترب من تفاصيل حياة الشخصيات ، وعوالمها الداخلية ، وخلق مناخا صوريا مختلفا عن الصور التي اعتاد المتلقي مشاهدتها عن العراق .


إعلان