الفلم اللبناني “تحت القصف”
تطعيم الدرامي بالوثائقي وخطاب إيديولوجي مضمر خارج النسق
دمشق – عيسى الشيخ حسن
حفل الفلم اللبناني تحت القصف باهتمام كبير ، لموضوعه الذي يقارب حرب تموز، ولاشتباهه بالوثائقي مما منحه مصداقية بعيداً عن توابل الدراما التي تجنح إلى المبالغة. الفلم الذي فاز بأكثر من جائزة دولية وعربية : ” أثار اهتمام المتابعين على أكثر من صعيد ، لعرضه الحرب من منظور آخر، خارج متن الرؤية العربية”.
فيليب عرفتنجي
فالمخرج فيليب عرقتنجي الفرنسي الجنسية اللبناني الأصل، يأخذ عدته في الأيام الأولى للهدنة ، يبدأ العمل وفق سيناريو بسيط مؤداه أن سيدة شابة تعود من المغترب إلى بلدها المدمر للبحث عن ابنها الذي استبقته مع أختها.
رحلة البحث عن الولد المفقود التي تذكرنا بفيلم آخر الرجال المحترمين الذي يضيع فيه المعلم نور الشريف طفلة صغيرة في العاصمة.
وعلى الرغم من أهمية الموضوع فالمخرج زاهدٌ في هذا الخيط الدرامي، متجهاً إلى موضوع أهم وهو سؤال الهوية اللبنانية، وأسئلة اليومي التي تحاول أن تجد إجابة في شريط ٍ ديكودرامي لا يتجاوز الساعة . بالتأكيد على الوحدة الوطنية ـ الموضوع الأكثر تداولاً في السينما اللبنانية ـ من خلال علاقة بين أم شابة مسلمة و سائق سيارة مسيحي. الأمّ العائدة من الخليج عن طريق تركيا ثمّ إلى بيروت بحراً، و السائق الذي ينتظر على الميناء زبائن مسافرين إلى الشام (دمشق) التي هجرت هجرة مكثفة من سكان لبنان في أثناء القصف الإسرائيلي.
ومن خلال الرحلة إلى الجنوب حيث بلدة المرأة الجنوبية حيث تقطن أختها، ينشأ حوار بين السائق والسيدة يعرّفنا ببطلي الفيلم اللذين تجتمع فيها هوية لبنان المتأثر بالتناحر الطائفي. ومثل كل الأفلام اللبنانية الجديدة ، يدعو الفيلم إلى لبنان موّحد. عبر علاقة تتطور بين شخصين مختلفين في ديانتهما، تبدأ بنفور عامّ، ثمّ تتقارب وجهات نظرهما ، ومن خلال الأحداث يتكشف ضعف كل منهما في موقف عابر ، فيقتربان أكثر .. في معالجة تقليدية سوّغتها رؤية العمل لا غير.
![]() |
بطلا الفيلم : جورج خباز وندى أبو فرحات
ينطلق الفيلم في رؤيته من بؤرة إيديولوجية تتقاطع عليها حزم آراء سياسية متناقضة وخطاب المتن العربي في نظرته إلى الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ويبدو الفيلم نسخة مخفّفة من خطاب هذا التيار الذي بدا صارخاً في أثناء حرب تموز. وذلك من خلال التشكيك بخطاب المقاومة عبر العدسة ، في قراءة صورية متهكمة ، و من خلال الحوار الذي يخدع المتلقي و يقنعه :” المرأة الجنوبية تسأل وهي تشاهد بيتها مدمراً : ” مها كانت جوّا” فتردّ عليها جارة مها :” اتصبّري ، أختك مها شهيدة بالجنّة ..فتردّ الأمّ الشابّة ” جنّة؟”.
لا يكتفي الفيلم بالتشكيك في خطاب المقاومة، بل يلتمس العذر لأخطاء كبيرة حدثت في الفترة السابقة، من خلال تبرير العمالة لإسرائيل من قبل فصيل عسكري سياسي ، أطلق عليه لقب ” دولة لبنان الحرّ”. و في الوقت ذاته يغضي عن صمود اللبنانيين في الحرب وانتصارهم في المعارك البريّة. ومن خلال هذه القراءة المضمرة لخطابين متناقضين ما زالا يتنفسان في لبنان؛ يقرأ الفيلم الهوية اللبنانية تحت القصف. محاولاً تأكيد مقولة :” ” ليس هناك دائما أبيض وأسود.”
اللافت في الفيلم هذا التجانس بين الدرامي الذي يؤديه أربعة ممثلين و بين التسجيلي الذي تؤديه مجموعة بشرية كبيرة شاركت في العمل دون قصد منها، إذ صرح مخرجه أن هذا الفيلم “يصور الانسان من دون ماكياج، فهو روائي على حافة الوثائقي ويقوم فيه بأدوار تمثيلية شخصان فقط.. أما الآخرون فهم أناس يعيشون في الجنوب اللبناني، ومشاهد الدمار حقيقية تم تصويرها في أمكنة الحرب.”
فيليب عرقتنجي المتمرّس بإخراج الأفلام الوثائقية يقول :” أنا أخرجت أفلاما وثائقية عدة، ومعروف أن الوثائقي يخاطب العقل لا العاطفة.. أما في هذا الفيلم فلقد جمعت الاثنين، وهذا عمل يخاطب العقل والعاطفة والأحاسيس، ويبقى في الذاكرة، لأن تأثيره قوي.”
بالرغم من جماليات ” تحت القصف” الموجّه أساساً إلى متلقٍ غربي غير معنيّ تماماً بالحقّ العربي ، يقرأ فيليب عرقتنجي حرب تموز 2006 بعيون غربية ، حاولت ملامسة وجداننا ونجحت، و سكتت عن حقائق ما زال الغرب ساكتاً عنها.