احمد السبيعي : وثائقياتنا أقتصرت على الاحداث

دأب على توثيق يوميات شعبه الجريح ، ولم يعط للتعب الا نصيب ضئيل من جهده المتدفق ، دون الالتفات او طلب العون من المؤسسة السينمائية في العراق، مراهنا على ابداعه ، الذي لم يخذله ابدا ، حين قدم له ( ذهبيتين في تونس ) وبنفس عميق ، استنشق الفيلم الوثائقي اربعة افلام للمخرج ( احمد السبيعي ) هي : ( ارض المعذبين – وثائقي 2005) ( لايزال تحت الرماد جمرة – وثائقي 2006 ) ( بدون سيناريو – وثائقي 2007 ) ( القصة الاخيرة لشهرزاد – وثائقي 2008 ) ثم توجها بروائي قصير ( حقيقة وهم – 2009 ) .

حاوره : بشير الماجد – بغداد

اربعة افلام وثائقية ، خلال اربع سنوات ، حصيلة جيدة ، بامكاني ان اسميك مخرج وثائقي ؟
كسرت هذا المفهوم بفيلم ( حقيقة وهم ) وعملت قبل ذلك في الدوبلاج الكارتوني ، انا مخرج متنوع ، وعلى المخرج ان يلم بكل اصناف الفيلم ، لكن لا اخفي ان الفيلم الوثائقي صعب ، ومتعب ، فالروائي محدد من قبل الكادر والمكان ، الوثائقي يتطلب وقت تصوير اطول ، لانك تلاحق الشخصيات ، او الاحداث ، لا ان تصنعها كما في الروائي . مثلا فيلم ( بدون سيناريو ) استغرق تصويره سنة كاملة ، لكثرة الاماكن والاحداث التي ترتبط بالموضوع .

هل حظيت كل افلامك بمشاركة في مهرجانات عربية او دولية ؟
 في العامين 2005 و 2006 ، كانت حالات الفوضى التي تعم البلاد ، عائقا امام الوصول الى اي نوع من المشاركات ، لكن فيلم ( بدون سيناريو ) حقق مشاركات عديدة منها ، مهرجان القاهرة للاذاعة والتلفزيون ، وضمن المسابقة الرسمية في مهرجان اسبانيا ، وكذلك حصل على الجائزة الذهبية في مهرجان تونس للاذاعة والتلفزيون 2007 .

من كتب السيناريو ل ( بدون سيناريو ) ولماذا هذا العنوان ؟
كتبت السيناريو بمشاركة زميلي ( محمد معارج ) اما العنوان فقد استوحيناه من حياة المواطن العراقي ، لان من البديهي لكل شيء تخطيط ، الا (باستثناء) حياتنا التي غمرتها الفوضى و الطرق المغلقة و السيطرات الوهمية و الحواجز والارتال الامريكية ، لذلك كان العنوان ،(يجسد) حياتنا اليومية .

ماذا عن قصة شهرزاد ؟
قصة فتاة تروي وتبلغ ، محاكاة لشخصية شهرزاد ، والفتاة في روايتها للحكاية تريد ان تدفع الموت عن مدينتها ( بغداد ) وتمنيت في الفيلم ان تكون هذه القصة هي القصة الحزينة الاخيرة في حياة كل فرد عراقي . وكمونتاج كان هذا الفيلم اصعب من فيلم ( بدون سيناريو ) لان الفيلم مبني على الايقاع الموسيقي ، وادخلت  الترانيم المسيحية ، كونها ارث عراقي ، و كون المعاناة كانت من نصيب العراقيين جميعا ، بغض النظر عن انتمائاتهم القومية او الدينية . 

استخدمت لقطة لسمكة حية في الة الشواء ، الم يكن ذلك قاسيا ؟
الفيلم واقعي ، وهذه اللقطة اقتنصتها كاميرا المصور ، واستخدمتها كدلالة رمزية ، لانها تحاكي الناس في معاناتهم ، ولم اضف شيئا على هذه اللقطة بل تركتها تتكلم بنفسها ، وفيها دلالة واضحة عن حياة الناس في العراق ، وحصل هذا الفيلم ( القصة الاخيرة لشهرزاد ) على الجائزة الذهبية في مهرجان تونس للاذاعة والتلفزيون 2009 .

مع الكاميرا

 
وحقيقة الوهم … ام وهم الحقيقة ؟
حقيقة وهم ، احيانا نقنع انفسنا باوهام كانها حقيقة ، او شبيهه باحلام اليقظة ، هي قصة شاب يحب فتاة ميتة ، ولا يريد أن يصدق أنها ميتة ، مما يجعله يحلم بوجودها ، حتى يكاد ان يصدق تلك الأحلام ، ويخالها حقيقة ، وينتهي الحال بنصيحة طبيب صديق (له) ، بأنه (يستطيع)  أن يرى الأشياء التي يحب ، لكن بشرط ان تكون لديه ثقة بها ، في محاولة لاعادته الى سابق وعيه .

عادة تصنع افلامك مع مجموعة محددة ، ام بمفردك ، فانت مصور ومونتير ، كما اعلم ؟
العمل الفني يحتم عليك  العمل الجماعي ، (ففي) فيلم ( بدون سيناريو ) استخدمت خمسة مصورين ، لتسجيل الحدث حال وقوعه ، وفي اماكن مختلفه ، ولان الاحداث كانت تتوالى بوقت واحد واماكن متعددة ، لذلك يكون العمل الوثائقي اشد صعوبة من غيره ، واكثر خطورة ، ورغم ذلك اجد العمل في الوثائقي اكثر صدقا .

مستقبل السينما العراقية ، مرهون بماذا ؟
الانتاج ، سبب نجاح اي سينما ، واغلب اعمالنا هي انتاج شخصي ، او مجموعة اصدقاء ينتجون فيلما ، ورغم هذا يحققون جوائز عالمية وعربية ، ولو اتيحت ميزانية للافلام ( مثلما في بعض الدول العربية ) لحققوا المعجزات ، والسبب الثاني : قلة الخبرة لدى الكثير ممن ولجوا هذا المجال ، بسبب الحروب ، وسنوات الحصار ، التي ساهمت بشكل كبير في تاخر السينما العراقية ، لكن رغم ذلك ظهرت مؤخرا اسماء مهمة لشباب سينمائيين مثل ( محمد الدراجي – عدي رشيد ) وغيرهم ، وهذه دلائل على ان الفن العراقي حي ، و ممكن ان  تولد تجارب جديدة كثيرة ، لو تم دعمها ورعايتها وتسليط الاهتمام عليها من قبل المؤسسة الرسمية او المنظمات المعنية بالسينما .
الاحظ انك ومخرجين اخرين من الشباب تعولون كثيرا على دعم المؤسسة الرسمية ، او تطالبون بذلك ؟
صحيح ، لانك تعلم ان العراق خالي تماما ، تقريبا من شركات الانتاج السينمائي ، التي ممكن ان تتبنى انتاج فيلمك ، وفي هذه المرحلة بالذات ، وان وجدت هناك نوايا بسيطة  تبني انتاج ما ، لكن يبقى موضوع التسويق ( عراقيا ) عقبة كبيرة ، لاننا لانمتلك دار عرض مؤهلة للعروض ، كذلك عزوف الناس ، عن ارتياد هذه الدور ، مرة لاسباب امنية ، وسابقا لاسباب اقتصادية ، جعل امر انتاج فيلم سينمائي عن طريق هذه الشركات ، ضربا من الخيال .

سبق وان عملت ( في دول عربية ) على الدوبلاج ، هل ترى لهذا النوع وجودا في العراق ؟
العاملون في هذا المجال من العراقيين ، هم السباقين ، وتشهد لهم بذلك ، ستوديوهات ( بيروت  وعمان ) بالخصوص ، لكن طبقا لظروف العراق السابقة والراهنة صار من الصعب اقامته ، برغم اني قدمت طلبا لكثير من الفضائيات العراقية ، لكن – للاسف – فان بعضهم كان لايعرف معنى ( دوبلاج ) وهذه بحد ذاتها ( كارثة ) والبعض الاخر يخشى اضاعة امواله على شيء غير مضمون ، بينما ( للدوبلاج ) سوقا رائجة . واعلم ان افضل المذيعين هم من عملوا في الدوبلاج ، كذلك فكرت في اقامة هذا المشروع في العراق وعمل ورشة لتدريب كادر  يكون متخصصا  بهذا الفن ، لكني اصطدمت بجدار التمويل ، ثانية .

ملصق فيلم حقيقة وهم

كيف تقيم الفيلم الوثائقي العراقي ؟
الاحداث التي جرت في العراق ، اعطت للمخرج الوثائقي مساحة كبيرة للتحرك ، بسبب كثرة الاحداث وتنوعها وسرعتها ، ومن المؤسف ان اغلب هذه الوثائقيات اقتصرت على الاحداث ، ولم تلتفت الى مواضيع اخرى لاتقل اهمية عن الاحداث ، او تناول جوانب انسانية لتفاصيل صغيرة مهمة ، كذلك اجد اغلب الوثائقيات قريبة من لغة التقرير ، وتحسب على الفيلم الوثائقي ، من الجيد ان نشاهد محاولات جديدة ، لكنها ( لاتسمن ولاتغني ) مشكلتنا اننا لانفهم بشكل كامل معنى ( فيلم وثائقي ) وهذا النوع من الافلام من الصعوبة بحيث لايمكن استسهاله ، او لصق كل مايعتقد انه وثائقي به ، فهو يحتاج الى حبكة والى عناصر مرتبطة مع بعضها والى بداية ووسط ونهاية ، شانه شان الروائي ، كذلك له اشتراطاته الخاصة في تداخله مع الروائي .وحتى الموسيقى التصويرية تعطيك صورة عن نوعية الوثائقي وتبين لك زمنه ، اي زمن الحدث ، واعتقد ان جزأ من نجاح اعمالي ، هو التاليف الموسيقي لها ، لكن برغم ذلك لدي تفائل بقدرة بعض الشباب على ارساء مفاهيم الفيلم الوثائقي ، من خلال تجاربهم ومتابعتهم الدائمة للفيلم الوثائقي ، عبر دراسته ومشاهدته على بعض القنوات المتخصصة بذلك .