“عروس العواصم”: أوبريت فلسطينية من 22 لهجة

 
لم يكن من السهل الجزم بأن الفرق الاستعراضية التي شاركت  في أوبريت ” القدس عروس العواصم”  للمخرج الفلسطيني حازم أبو حميد هي فرق غزية، فقد اختلفت أزياؤهم ولهجاتهم، أو حتى لون بشرتهم في كل لوحة راقصة.. الأمر الذي أدهش الجمهور لما يقارب الساعتين – وهي مدة العرض-، خاصة وأن الرقصات التراثية التي قدمت على مسرح رشاد الشوا توالت بتناسق جميل، ودقة كبيرة لحركة 50 فنان .
هذه الأوبريت التي استغرقت عشرة أشهر من العمل المتواصل لتتألق على المسرح، كانت تحت رؤية تحمل عنوان “احتفاء بالقدس .. وجع وعاصمة وهوية”. والذي أراد القائمون عليها أن تكون من أهم الأعمال الفنية التي تشارك في فعاليات القدس عاصمة للثقافة العربية والتي تتواصل على مدى هذه السنة بين الضفة والقطاع.
 
” القدس عروس العواصم ” عنوان مباشر لفعالية تعبيرية، اعتنت بالتاريخ العربي للمدينة العتيقة، فقد كانت اللوحات الاستعراضية تحاكي عاطفة العروبة، بتنوع لهجاتها، إضافة إلى محاكاتها رقصات الفلكلور والدبكة الشعبية لاثنين وعشرين دولة عربية، يربطها تاريخ إسلامي أصيل ووثيق بالقدس .

 لم يقتصر العمل على الرقصات التراثية المنفصلة، وإنما تجاوزه لابتكار خط تسلسلي للأوبريت عبر إسقاط صورة القدس برسم أحد جدران السور العتيق المحيط بها على المسرح. حيث أحاط بالقدس كل من الفنانين الرئيسيين من كل دولة عربية، بزيهم المميز، لكن السيد “التاريخ” يباغت مواويلهم الممزوجة بالوجع ليحرمهم منها، بعد ما أصابها وهن الاحتلال والتهويد، وما اعتراهم من شوق للمشي في حواريها و شوارعها المحظورة على أصحابها.
فالسيد “التاريخ” يحاول مواساتهم بحكايا عروبتها الأصيلة، ومكانتها التي لا تغيب، رغم كل شيء، ومن ثم يبدأ حفل “عروس العواصم” بالعروض الفلكلورية، ابتدءاً من الدبكة الشعبية الفلسطينية، انتقالا إلى بقية الدول العربية المجاورة، من المشرق إلى المغرب.

لغة الجسد العالية، والإحساس بالإيقاع الموسيقي، وضع الفنانين الاستعراضيين على محك التجربة المختلفة لتقمص عوالم مختلفة، أما صعوبة اعترضتهم وهي قلة المصادر المتوفرة للتعمق في دراسة التراث الموسيقي لكل دولة، لمراعاة ألحانها الشعبية لمحاكاتها على أحسن وجه.
تلك المحاكاة التي لم تكن على القدر الكافي من الحرفية، خاصة وأن القائمين على الأوبريت : اعتمدوا على معالجتهم الافتراضية، في دراسة الألحان المناسبة وتصميم الرقصات وتوفير الأزياء والإكسسوارات، ومدى تطابقها مع الواقع التراثي العربي، فحاولوا قدر الإمكان جمع المعلومات بالوسائل السانحة، سواء أكان ذلك بالقراءة والمشاهدة، أو المتابعة بالانترنت، مما شكل صعوبات كبيرة  في تفادي الكثير من الأخطاء .
 رغم ذلك فقد لاقى العمل استحسان النقاد والفنانين، خاصة. وجدير بالذكر أن “عروس العواصم” ، لم يكن العمل الشبابي الأول لملتقي الإبداع الفكري “إبحار”. وقد جاءت هذه الأوبريت بعد سنوات من الجهد الفني والمحاولات المبتكرة المجسدة على خشبة المسرح خاصة فيما محاولة توظيف فن “الاستعراض المسرحي”،  وتوجيهه نحو الاصطدام بالواقع الشائك.
تلك هي الرؤية المختلفة لإثبات الذات بشجاعة الرؤية، وتوضيح الالتباسات المزمنة التي سببها الواقع المغترب للشباب الغزي، وجدلية السياسة والوطن .  
“القدس عروس العواصم” جاء بعد سلسة أعمال فنية للمخرج حازم أبو حميد، ومنها :العمل المسرحي “وطن ” والذي عرض ما سماه “سادة  الاقتتال الداخلي ” لمحاكمة صارمة، أما “المقلوب” : فقد انتقد اضطهاد المجتمع الغير مبرر للمرأة ، محاولا توسيع أفق الرؤية بمعادلة بسيطة، حيث تقلب الأدوار كلا من الممثلين والممثلات، ليعيش كلاهما حياة الآخر وقهره .
أما ” كان زمان” ، فقد كانت مقارنة ما بين ” أيام زمان” و أيامنا، وما اختلف بين الزمنين ، وصراع الأجيال فيما بينها .

 ورغم كون تلك الأعمال تتخذ طابعا كلاسيكيا فيه كثير من التقليد، إلا أنها تعبر عن حالة فنية حقيقية، بوجودها وإمكانياتها، تكمن أهميتها في وعي الفنانين الفلسطينيين الناشئين بضرورة ابتكار أساليب مختلفة للتعبير عن هويتهم وتراثهم، وإيصاله عالميا بتأطيره المنظم، في مواجهة تصطدم بشكل مباشر بالدعاية الإسرائيلية الصهيونية، التي تحاول فبركة ” تهويد ” الأرض العربية و تراثها .