فيلم One off : الحرب في أربعِ دقائق !

أسماء شاكر

لم تكن حكاية   one offهي ذاتها القصة الحقيقة التي كانت وراء الفيلم الحاصل علي الجائزة الأولي في
 ” منظمة الصحة العالمية ” ، لأفضل فيديو قصير عن الطواقم الطبية في الحرب ِعلي غزة 2008، إضافة إلي حصوله علي الجائزة الأولي في مهرجان غزة للأفلام الدولية هذا العام  .
فكرة الفيلم الذي لا يتعدي الأربع دقائق، كانت في واقع الأمر .. صورة مصغرة للحرب التي شهدها مخرج الفيلم : عماد بدوان، عن كثب .
و رغم أن الفيلم لا يشي بتجربة المخرج تلك، إلا أنه تمكّن من إسقاطها علي شخصية الناشطة و الصحفية الكندية ايفا بارتليت، والتي روت احدي حوادث الاعتداء المتعمد، علي سيارة إسعاف كانت تقلها أثناء تنقلات المسعفين الخطرة بين أماكن القصف، حيث تم توثيق الحادث بالصورة .
فيلم ( واحد من ..) اعتمد علي مادة أرشيفية كبيرة لصور الحرب، خاصة تلك التي تم تصويرها في أكثر المواقف صعوبة و قسوة، والتي كانت في الغالب مشاهد لمحاولة إنقاذ مصابين في مباني قيد القصف، أو انتشال الجثث و الجرحى من تحت ركام البيوت التي سقطت بساكنيها، إضافة إلي صور سيارات الإسعاف المقصوفة  .. بعد أن باتت كومات من حديد منصهر، حتى يسقط الشاهد و الشهيد في آن . 
الصورة الحية و المباشرة في الفيلم ، كانت تكفي في دلالتها علي ذلك الموت المجاني الذي تعمده الجيش الإسرائيلي في غزة، ومحاولته الدائمة و الممسوسة لاستهداف كل ما يقع تحت خطوط “الإنسانية” الحمراء ، مبررا إياها في المحافل الدولية !

ورغم كثافة الحركة في مشاهد ( ONE OFF )  إلا أن المخرج بدوان استخدم تقنيات الفيديو آرت في معالجة الصورة و إيقاعها، الأمر الذي أوقعه في إشكالية  جدوى استخدام هذا الأسلوب في فيلم وثائقي .
أما الخط السردي للفيلم، كان موفقا ً مع استخدام بعض المؤثرات الصوتية و البصرية، حيث تظهر الكندية ايفا وهي تكتب رسالة لامها ، تصف لها ما تراه في غزة تحت سماء ٍ من حرب وموت، لكن الأمر يبدو غير منطقي إذا ما تصاعدت وتيرة الأحداث في الفيلم، حيث تروي ايفا حادثة الاعتداء علي سيارة الإسعاف، وكيف تمكن الطاقم من النجاة بأعجوبة من إطلاق النار، دون الربط بين الرواية و رسالة ايفا لامها بطريقة أو بأخرى، الأمر الذي يضفي نوعا من الرمزية الغير مقصودة علي أحداث الفيلم .
كما أن نهاية ( واحد من ..) ، جاءت عامة وغير مخصصة إطلاقا ً ، إذا ما قورنت ببداية الفيلم، مع حفاظ المخرج علي توازن السرد طوال الأربعة دقائق .

ملصق الفيلم

عماد بدوان لا يضع ذاته تحت كرسي ” المخرج “، خاصة وأنه خريج كلية الفنون الجميلة، لكنه كان يري أن اللوحة مفهوم ناقص لا يمكنه أن يعبر عن إحساسه التفاعلي باللون، الأمر الذي دفعه لاستخدام تقنيات أخري أكثر مرونة و استيعابا ً له، وهو ما لامسه في تجربة عمله سابقاً كمصور و مونتير في وكالة رامتان
 للإنتاج .
أما الحكاية الحقيقية وراء فكرة الفيلم، فقد كانت من ذاكرة الحرب التي عاشها بدوان، عندما ُحجز في جنوب القطاع في زيارة لعائلته، بعد أيام صعبة قضاها في عمله بمقر وكالة رامتان أثناء الحرب، لتكون عودته إلي غزة المدينة مخاطرة لابد منها، حيث ترجي عماد أحد المسعفين للعودة به إلي عمله بسيارة إسعاف في طريقها إلي المدينة،  بعد الاجتياح البري وفصل شمال القطاع عن جنوبه، تلك الرحلة التي كادت أن تكلف المسعف و عماد حياتهما .. بعد إطلاق النار الكثيف علي سيارة الإسعاف، وهو ما وطد العلاقة بينه وبين المسعف الذي كان يحكي له عن اشتياقه لعائلته وخوفه علي أمه الكبيرة في السن، راويا ً قصص الموت والحياة التي عاشها منذ بداية الحرب، ومحاولا ً حمايته من الرصاص المميت طوال الطريق الصعبة .
تفاصيل تلك التجربة شغلت عماد طيلة مدة عمله في الحرب، وهو ما جعله يفكر  فعليا ً بطريقة  يشكر فيها ذلك الضابط يوما ما .. بعد انتهاء الحرب.


إعلان