نصري حجاج: عن الشعر والموت في المنفى 1

كان واقفا في “فيليب ستريت”

أمير العمري

عرفت الصحفي والناشط الفلسطيني، ثم المخرج نصري حجاج منذ 25 عاما. فقد التقينا للمرة الأولى في عام 1984 في لندن. وكنت قد حللت حديثا على هذه المدينة، للإقامة والدراسة والعمل. وأظن أن اللقاء الأول كان إلى حد ما، عابرا، أثناء مروري قرب “فليت ستريت” (شارع الصحافة لمئات السنين قبل أن تنتقل أشهر الصحف البريطانية إلى أماكن أخرى). وكان العرب الذين يؤسسون صحفا، أو يفتتحون مكاتب صحفية في العاصمة البريطانية، يميلون عادة إلى اتخاذ “فليت ستريت”، مقرا لها، وهو ما حدث مثلا مع الدار العربية التي كانت ولا تزال تصدر صحيفة “الشرق الأوسط” وأخواتها من المطبوعات الأخرى، قبل انتقالها إلى مبنى آخر اشترته الشركة في منطقة هولبورن التي لا تبعد كثيرا عن “فليت ستريت” على أي حال.
كان نصري حجاج هناك، واقفا، يلف “الكوفية” الفلسطينية الشهيرة على رقبته للاحتماء من برد شتاء لندن القارص، وكان يقف ضمن صف من الشباب العربي المضرب عن العمل، أو بالأحرى، الذي يمارس حقه “الديمقراطي” حسب قوانين بريطانيا، في الاحتجاج على الاستغناء عن خدماتهم من قبل وكالة الأنباء الليبية أو ربما تأخر دفع رواتبهم لعدة أشهر وقتذاك، عن طريق إقامة ما يسمونه بالإنجليزية picket line (أو الخط الحاجز) وقد شرح لي عادل درويش وقتها معنى هذا التعبير فقال إن القانون البريطاني يمنح العاملين حق الوقوف أمام مكان العمل لدعوة ما بقى من عاملين أو العاملين الجدد الذين أتت بهم المؤسسة، لترك العمل والانضمام لهم في احتجاجهم، والتوجه في الوقت نفسه، إلى الرأي العام في الشارع والحصول على تأييده. وقد قدمني الصحفي عادل درويش إلى نصري حجاج. وكانت بداية التعارف، ثم التقينا بعد ذلك في عدد من المناسبات، وفهمت أن نصري صحفي وناشط فلسطيني، ولكن سرعان ما غادرنا نصري بعد أن أبعدته السلطات البريطانية عن البلاد، بسبب تدهور علاقتها في ذلك الوقت مع منظمةالتحرير الفلسطينية. واظن أن ذلك حدث في 1986 أي في أعقاب عملية اختطاف الباخرة الإيطالية “أكيلي لاورو”.
وكنت ألتقي بنصري حجاج بعد ذلك، كلما زرت تونس لحضور مهرجان قرطاج السينمائي. وكان نصري قد التحق بالعمل في دائرة الثقافة الفلسطينية مع الشاعر أحمد دحبور. وكنت وقتذاك قريبا من النشاط الفلسطيني الثقافي بحكم عملي في صحيفة “القدس العربي” التي لاتزال تصدر في لندن التي التحقت بها من البداية، أي في 1989، إلى حين غادرتها عام 1994.

نصري حجاج وأمير العمري في مهرجان دبي

وكان نصري شغوفا بالسينما، وكان يتابع الأفلام التي تعرض في مهرجان قرطاج، وكنا نجتمع في بيته أحيانا، نناقش القضايا السينمائية، مع لفيف من الأصدقاء، وكان بيته يقع في بقعة ساحرة تطل مباشرة على البحر المتوسط.
والتقيت بنصري أيضا عدة مرات، في بعض مهرجانات السينما التي كانت تقام في المغرب، مثل مهرجان تطوان، وملتقى الدار البيضاء، وأظن أيضا، في مهرجان آخر في الرباط، وكان ذلك في إطار مصاحبته لعدد من الأفلام التي كانت تمثل فلسطين في تلك المهرجانات، فلم يكن نصري قد أصبح سينمائيا بعد، بل ولم أكن أتصور أنه سيكون.


إعلان