الحرازي: نجاح الفيلم اليمني جزء من مشروع مجتمعي

بعد انجاز عدد من الأفلام الوثائقية لمعالجة بعض القضايا الاجتماعية مازال هناك هم وإحباط شديد لدي المخرجين الشباب في اليمن لكن بقدر من الدهشة إزاء هذه الأعمال كظل التساؤل مطروحا بقوة ماذا بعد؟ من سيعمل على تكرار التجربة ؟ وهل أن إخراج مثل هذه الأفلام كاف لإقناع قطاع الأعمال والحكومة في اليمن ليسهموا في تمويل تجارب سينمائية جديدة تؤسس للسينما في اليمن ؟ أم الأمر مازال بحاجة إلى إصرار من يملكون مشروعاتهم السينمائية أمثال مخرجنا “جميل الحرازي ” وهو من المخرجين الشباب الطموحين الذين  يتحملون عناء المواجهة في سبيل الخروج بمشروعاتهم إلى النور متجاوزين كل المعوقات معتمدين على سعيهم
الدؤوب لتوفير كلفة الإنتاج , ملتزمين كل التفصيلات الإنتاجية بالمواصفات المحلية.
الجزيرة الوثائقية التقت جميل الحرازي وأجرت معه خوارا حول إنتاجه وحول السينما في اليمن وهو من الذين يعتبرون أن مشاكل السينما في اليمن ليست مفصولة عن أزمة السينما في العالم الثالث بشكل عام وإن بمستويات متفاوتة بين الدول.

 * بدءا نرجو منك أخ جمال أن تعرفنا بإنتاجاتك  للجمهور العربي ؟؟

يمكن ان اقول أن أغلب افلامي تتناول مشاكل مستعصية في المجتمع اليمني. فيي ” مذكرة آمال ” تحدثت عن العنوسة في اليمن , وفي ” سرطان الثدي”  حاولت إيصال الرسالة للمجتمع للانتباه لهذا المرض، والفحص المبكر كما تناولت أزمة المبدعين اليمنيين في “يوم في حياة صبري” كما تناولت العنف ضد الأطفال في أحد أفلامي وفي فيلم آخر طرحت مشكلة الإدمان..

 * أنت إذن مشغول بقضايا الإنسان اليومية في المجتمع اليمني وتريد أن يساهم الفن والسينما في جزء من الحل ؟؟
طبعا المبدع هو ابن واقعه ولكنه ليس بوسعه حل مشاكل هذا المجتمع. مثلا مشكلة العنوسة  شعرت بها وأنا في الجامعة , كظاهرة بدأت تظهر على السطح بشكل ملفت للنظر , وترجع الأسباب إلى العادات والتقاليد , وتزويج الفتاه من نفس الطبقة الاجتماعية والاقتصادية , بالإضافة إلى غلاء المهور في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وانتشار ظاهرة الفقر والبطالة في صفوف الشباب في اليمن. هذا الفهم للظاهرة ترجمته في الفيلم لأداء رسالة في هذا الاتجاه.

* وهل وصلت الفكرة ؟
أكيد وصلت الفكرة خصوصا  لفئات الشباب, وربما هذا ما دفعني إلى إخراج الفلم لم يتم التطرق له من قبل  في سينما .

*  لماذا لم يتطرق إليه من قبل ؟
ج: لأنه من المواضيع الحساسة في المجتمع ولقد تم التطرق بشكل قريب من معاناة الفتاه في اليمن. ولكن بشكل متواضح وغير جريء. والفن يجب أن يحمل قدرا من الجرأة. 

* وماذا عن فلم سرطان الثدي  ؟
حاولت في ” فلم سرطان الثدي ” معالجة قضية منتشرة في المجتمع اليمني , من خلال تشجيع المرأة اليمنية للانتباه لهذا المرض,
وإرشادات الفحص المبكر واكتشاف هذا المرض قبل الأوان خصوصا أن المجتمع اليمني يعاني من الأمية , والطريف أن هذا الفيلم لم يعرض في دور السينما ,  بل أول عرض له كان في قاعة المستشفي السعودي الألماني وكان في اليوم العالمي لمكافحة مرض سرطان الثدي .

 

* واضح من حديثك عن الجرأة في التناول أنك تجد صعوبات جمة فكيف يتعامل معكم المجتمع كمبدعين هل تلاقي المساندة والمساعدة أم تعول على إمكانياتك الفردية؟
تطرقت لسؤالك   في فلمي   “يوم في حياة صبري ”  الذي يتحدث عن احد الشباب المبدعين في مجال الشعر والأدب في جامعة صنعاء. ولكنه مهمش ولا يلقى أي دعم أو مساندة ورغم ذلك يشق طريقه.. والهدف من هذا الفيلم هو توصيل رسالة لدعم الشباب المبدع في جميع المجالات من قبل الجهات المختصة لتنمية مهارات الشباب .

* هذا جيد ولكن من خلال تجربتك هل تعتقد أن الشباب قادر على تحقيق طموحاته ضمن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع اليمني؟
الشباب يعاني من عدد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بشكل كبير تمثل عائقا أمام طريق التقدم والإبداع وقد عبرت عن ذلك في فيلمي “نهاية مدمن” حيث عالجت قضيه الإدمان من خلال  قصة شاب يمني عاش في السعودية ,أدمن على المخدرات, وحاولت إيجاد الأسباب الرئيسية ومعالجتها، أي رغم عمق المأساة حاولت أن أخرج بأمل للتجاوز. وقد تم عرض الفلم في السعودية في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات.

* هذا فيلمك الثاني الذي يعرض في السعودية فماذا عن صداه في اليمن ؟
لقد لقي الفلم صدى على مستوى الرسمي فقط حيث قدم وزير الداخلية اقتراحا لإخراج عدد من الأفلام ذات هدف التوعية وليس أفلاما بالمعنى السينمائي والفني.

* وهل تم تنفيذ هذه الأفلام أم لا ؟
 لا ,  لان ميزانية الفلم كبيرة وهذه هي الحجة التي نواجهها دائما… فيطلب منك أن تؤجل الموضوع إلى وقت آخر أو أن تتصرف بإمكانياتك الفردية وهذا صعب.

* وهل لديك أمل في تنفيذ ما تم الاتفاق علية من الجهات الرسمية ؟
الأمل هو الشعور الوحيد الذي يجعلنا نصبر على الأزمة …

*  لكن رغم ذلك يعتبر فيلم “نهاية مدمن” ناجحا نسبيا ويبدو أنه شجعك على إخراج فلم آخر ؟
فعلا هذا النجاح شجعني على فلم آخر أيضا يتناول قضية اجتماعية عن العنف ضد الأطفال خصوصا الفتيات وكان الفلم  بعنوان “جزء من الحل” ويعالج قضية الزواج المبكر الذي أصبح ظاهرة منتشرة بشكل ملفت, ولقد تم عرض الفلم في المركز الإعلامي للطفولة والشباب , وتم توزيع الفلم لعدد من المدارس والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني.

* وهل تظن انك نجحت في الخروج من بمشروعاتك الى النور ؟ إذا كان الأمر كذلك فهل نجاح التجربة الأولي كاف لإقناع أصحاب المشروعات بتحمل تبعات المواجهة والخروج بمشروعاتهم من دوائر الإحباط؟
لقراءة هذه النقطة كان لابد من تقدم صورة جانبية لرحلة محطة ,بشكله كجزء لا يتجزأ من مشروع الفنان

* أنت من جيل الشباب ورغم ذلك لديك إنتاج معتبر من حيث الكم فكم من الوقت استغرقت في إعداد هذه الأفلام ؟
 قضيت أكثر من خمس سنوات للعمل في أخراج هذه الأفلام لتوصيل رسالة للمجتمع في إطار الفن لأنه نقطة أساسية للإبداع . واشتغلت خلالها الوثائقي والروائي.

* ولكن أفلامك تقترب إلى الوثائقي  فما هو الفرق بين الفلم الوثائقي والروائي؟
الفلم الوثائقي يعكس الواقع بصورة حقيقة , وتصوير واقعي للإحداث الاجتماعية بشكل خاص , أما الفلم الروائي : فهو عبارة عن فلم تمثيلي يدخل فيه الخيال والتصور غير الواقعي في بعض الأحيان.

* كيف ترى الحركة السينما في اليمن والواقع والآفاق المستقبلية ؟
السينما في اليمن شبه منتهية على حد تعبيره ولكن الآمال في الأجيال القادمة في أعادتها وتطويرها, حيث يقول ” أعطيني سينما أعطيك شعبا . لأنها دور من دور الثقافة ووسيلة من وسائل التنشئة الاجتماعية إلى حد كبير.
يمر الفلم في اليمن بمشكلات عديدة , أولها كانت مشكلة تمويل إنتاجه , فصناعة فيلم فكرة جديدة على الحكومة وقطاع  الخاص  في اليمن وهو بلد لا تاريخ له في صناعة السينما , وبالتالي فقد كانت مهمة المخرج في الحصول على تغطية لتكاليف الإنتاج مهمة صعبة للغاية .
لكن في ظل بقاء الفنان مستلسما منتظرا فانه لا شيء مما ذكرناه آنفا يستحقق, فالوعي المجتمعي تجاه السينما لا يزال قاصرا, وفي مثل هذا الوضع فان خطوات التأسيس لإنتاج سينمائي يمني ستكون صعبة. وهكذا فالوضع يتطلب إصرارا وترسيخ قناعات, وهما شرطان لا يحملهما إلا مشروعا سينمائيا وطنيا تتكاثف فيه جميع الأطراف .. ما يجعل البحث مفتوحا عن فنان لهذا المشروع … بمعنى نحن مطالبون بالتفكير في الفنان “كمشروع مستقبلي”.. نسميه مشروع صناعة الفنان وهو غير مفصول عن مشروع صناعة الفن وهو غير مفصول عن مشروع بناء المجتمع..


إعلان