مهرجان وثائقي في المغرب مهدد ب … الموت

أحمد بوغابة – المغرب

كان الإسم المتداول لمهرجان الشريط الوثائقي الذي يُقام في أكادير، في بدايته، قبل وعند دورته الأولى (خاصة باللغة الفرنسية) هو “فيدا سوس” (Fida Sous) بمعنى “المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بأكادير- سوس”. ونشرح لقرائنا العرب وبالعربية بأن مدينة أكادير تحمل رمزية العاصمة لجهة سوس بجنوب المغرب كمحور مدني أساسي ومركزي بالمنطقة إذ لكل جهة مدينة تكون بمثابة القاطرة.
لكن تعثرت إنطلاقة هذا المهرجان منذ بداية فعالياته لأسباب ذاتية في الدرجة الأولى. فانعكست، بالتالي، على محيطه لتكون النتائج في غير صالح منظمي التظاهرة حيث اصطدموا بجدار العزلة الذي هو من صنعهم قبل أن يفرضه عليهم الواقع نفسه. ولم يفلحوا في تجاوزه نظرا لإصرارهم على نفس الخط رغم وعيهم به ظنا منهم سهولة فرضه عنوة وهو ما كاد يعصف بالدورة الثالثة إلى أدراج الرياح. وكانت مديرته ورئيسة الجمعية المنظمة للمهرجان قد وزعت بيانا وعقدت ندوة صحفية ترسل رسالة استغاثة باحتمال إلغاء الدورة الثالثة بسبب العجز المالي رغم أنها طرقت جميع الأبواب. ثم عادت بعد أسبوع لتعقد ندوة صحفية جديدة قدمت فيها البرنامج العام للدورة التي تنطلق هذا الأسبوع بأكادير (من يوم 9 نوفمبر الجاري إلى غاية 13 منه) وأن هذه الدورة ستنعقد بفضل الدعم الأوروبي والوزارة الأولى المغربية بينما لم تستجب لها الهيئات العمومية المحلية بجهة سوس.

• الدريسي: ” لم نحسم في نقل المهرجان إلى مدينة أخرى”

طغت هذه المعطيات في النقاش خلال الندوة الصحفية التي عقدتها بمدينة الدار البيضاء حيث لمحت مديرة المهرجان دون أن تؤكد ذلك أو تنفي – بصريح العبارة – بإمكانية نقل تظاهرتها إلى مدينة أخرى أو أن يصبح مهرجان متنقل بين المدن وذلك بارتباط بمن يتبناه ماديا، ويوافق على أن يرعاه معنويا، ويوفر له شروط النجاح. فهل ستضيع إدارة المهرجان زمنها في البحث عند كل دورة عن متبن لها دون أن تكون متأكدة من فعله حقا؟ خاصة وأنه سنوي؟
“لم يتم الحسم في هذا الموضوع بصفة نهائية إلى حد الآن” قالت السيدة نزهة الدريسي “بل هي مجرد أفكار من بين أفكار عدة تتداولها لكي يستمر المهرجان في الحياة”.
فربما هذه الخلفية هي التي أثرت في حذف إسم جهة “سوس” من إسم المهرجان وتحويله إلى “فيدا دوك” (Fida Doc) رغم أن حرف الألف “أ” الذي يحيلنا إلى مدينة أكادير مازال محتفظا بموقعه في إسم المهرجان أو ربما لم يحن بعد وقت حذفه مادامت نفس المدينة هي التي يُقام فيها إلى حدود الدورة الثالثة خلال هذا الأسبوع.
تنفي مديرة المهرجان والمدافعين عليها وعلى المهرجان من المقربين إليها أن يكون قد حمل يوما ما إسم الجهة، وإنما كان اجتهاد صحفي تداولته بعض الأقلام ليصير عندها معطى قائم بينما يؤكد الزملاء الذين واكبوا التظاهرة قبل انطلاقها وأثناء الدورة الأولى بشكل قطعي بأن إسمه الأول كان هو “فيدا سوس” وهو ما عايناه شخصيا في وثائق المركز السينمائي المغربي بما فيها اللائحة الأخيرة برسم سنة 2010 للمهرجانات والتظاهرات السينمائية المُنظمة بالمغرب التي وُزعت إبان انعقاد اليوم الوطني للسينما (أنظر مقال سابق نُشر حول الموضوع بموقع الجزيرة الوثائقية). وقد طالبت حينها مديرة المهرجان بشكل حِبي من القسم المُكلف بالمهرجانات في المركز السينمائي المغربي بتصحيح هذا “الخطأ”… المتداول في نظرها بدون علمها.
تطرقت مديرة المهرجان في الندوة الصحفية إلى أن مثل هذه التظاهرات ذات بعد تربوي، التي يمكن وصفها بالنفع العام، ينبغي أن تحظى بالعناية وأن تتمتع بتمويل مستديم.

السيدة نزهة الدريسي


وعن سؤال إن كانت هناك دراسة من قبل لاختيار مدينة أكادير؟ أجابت السيدة نزهة الدريسي بأنه لاحظت، عند تفكيرها في تنظيم المهرجان، أن جميع المناطق والجهات المغربية تتوفر على تظاهرات سينمائية بل تؤكد على أن بعض الجهات تم فيها التركيز أكثر من مناطق أخرى حيث تتكثف فيها طيلة السنة لذا ارتأت اختيار الجنوب ومدينة أكادير خاصة التي لم تحض بما تستحقه حتى تساهم هي في لامركزية الثقافة.
وقد اختار المهرجان شعارا لدورته الحالية يتمحور حول “الاستمرارية والانفتاح والتعميق” وهو ما يفسر ويؤكد في ذات الوقت ما سبق كتابته أعلاه.
يتضمن الشعار في طيه رغبة، غير مُعلنة صراحة، المرور إلى مرحلة جديدة للتغلب على صعوبات التأسيس التي اصطدم بها منظموه.
لكي “يستمر” ويعيش عليه أن يترجم “الانفتاح” الحقيقي على تربته أولا التي سيتقوى بها لينمو طبيعيا دون أن يعني هذا إغفال المحيط العام المنتج للفيلم الوثائقي. إذ لا يمكن أن يكون رجله “هنا” ورأسه “هناك”. فهذه المعادلة لن توصله إلى “تعميق” رؤيته وإيمانه بكون “السينما الوثائقية تشكل أداة للتربية الشعبية، بمعنى النبيل للمفهوم، وللتفتح المدني والتحرر الاجتماعي” الذي جاء في وثائق المهرجان.
وعن سؤال صحفي آخر طُرح إبان الندوة الصحفية حول مميزات مهرجان الفيلم الوثائقي بأكادير عن تظاهرة أخرى في المغرب تعتني هي أيضا بالفيلم الوثائقي؟ كان رد السيدة نزهة الدريسي أن مهرجانها أكثر احترافية وتدرك حيثيات الفيلم الوثائقي بحكم اشتغالها في هذا الجنس السينمائي لمدة 20 سنة كمنتجة – حسب تصريحها – مضيفة أنها لا تكتفي بلَمِ بعض الأفلام اعتباطيا ثم عرضها كما تفعل تلك التظاهرة. وأضافت قائلة إن إدارتها “توصلت بأكثر من 500 شريط وثائقي أنجزت في القارات الخمس، وقد شاهدتها جميعها لجنة الانتقاء، واختارت من بينها حوالي أربعين فيلما… “موزعة على مختلف الفقرات” فيما “التظاهرة الأخرى – تضيف مديرة المهرجان –  تجمع 12 فيلما اعتباطيا ثم تعرض 10 منها في المسابقة”.

شعار المهرجان

• الدرسي: “لا وجود للفيلم الوثائقي في المغرب”

وفي نفس الكلمة المنشورة في الملف الصحفي للمهرجان نقرأ في آخر الفقرة “أمل انبثاق إنتاج وثائقي وطني قادر على ولوج حلبة المنافسة حول جوائز الدورات القادمة” إذ تقر السيدة نزهة الدريسي، في الندوة الصحفية نفسها، بعدم وجود الفيلم الوثائقي بالمغرب مؤكدة على أن “المخرجين المغاربة المقيمين بالخارج هم الذين يهتمون بتاريخ وقضايا بلادهم أكثر من زملائهم في داخل الوطن لسوء الحظ” لذلك لا وجود لفيلم مغربي في المسابقة وهذا ما دفع “المهرجان الدولي الثالث للشريط الوثائقي بأكادير” إلى تنظيمه ورشة تقول بأنها مخصصة للسينمائيين الشباب الذين تقدموا بمشاريع سيناقشونها مع محترفين في الفيلم الوثائقي. كما يشهد المهرجان في هذا الإطار نفسه، بتلك العقلية المشار إليها أعلاه، تنظيم مائدة مستديرة موضوعها “جدوى الشريط الوثائقي”
يتضمن هذا المهرجان مسابقة رسمية توزع ثلاث جوائز (الجائزة الكبرى وجائزة لجنة التحكيم وجائزة الجمهور) وهي جوائز رمزية وليست عينية حسب ماذكرته مديرته لكون ميزانية المهرجان وإمكانيته المالية لا تسمح إلا باستقبال السينمائيين والتكفل بإقامتهم خلال مدة التظاهرة وتتمنى أن تصبح الجوائز في المستقبل بقيمة مالية مهمة.
ويشترك في المسابقة الرسمية 12 فيلما من جنسيات ومدارس سينمائية مختلفة بدون المغرب لأن إدارة المهرجان لم تجد فيلما في المستوى ليمثله إنطلاقا من الرؤية التي حددتها مديرته أعلاه لذا اكتفت بعرض بعض الأفلام المغربية على هامشه مثل فيلم “بين العشق والتردد” لعبد القادر لقطع (مخرج مقيم في فرنسا) في حفل الاختتام وهو فيلم وثائقي عن السينما المغربية. وكذا فقرة “نافذة على المغرب” ستطل بها بفيلمين تاريخيين الأول “الخاسرون” لإدريس دباك (مخرج مقيم في إسبانيا) حول الجنود المغاربة الذين تم تجنيدهم من طرف ا��جنرال فرانكو في حربه الأهلية بإسبانيا. والثاني هو “عبد الكريم الخطابي وحرب الريف” من إخراج دانييل كلينغ (من فرنسا)   
تتكون لجنة التحكيم من 5 أعضاء من بينهم المخرج المغربي لحسن زينون. كما يتضمن البرنامج عروض أفلام وثائقية قصيرة وفقرة صباحية خاصة بالأطفال ستتمحور حول الفيلم الفرنسي “أرسم صورتك” من إخراج جيل بورط الذي يشارك في ذات الوقت بمعرض فوتوغرافي للأطفال ورسومهم. وأيضا عروض للطلبة وأخرى في الهواء الطلق رغم أن السيدة الدريسي أكدت في الندوة الصحفية، كما ذكرنا سالفا، بأن إدارة المهرجان لا تريد تشتيت الجمهور القليل أصلا إلى فضاءات متعددة ومختلفة ومتباعدة حيث قالت “إننا بالكاد نملأ الصفوف الأولى لقاعة واحدة بحكم أن جمهور الفيلم الوثائقي محدود جدا ولا يهتم به عامة الناس وبالتالي لا حاجة إلى عروض إضافية التي قد تتم أمام كراسي فارغة”.
يبقى السؤال المطروح والمفتوح حول هذا المهرجان المتخصص في الفيلم الوثائقي الذي طرح على عاتقه نشر ثقافته هو: إذا كانت إدارة المهرجان الدولي للشريط الوثائقي بأكادير قد أفلحت في تنظيم الدورة الثالثة الحالية بعد تردد فهل ستعقد الدورة الرابعة؟ أين؟ ومتى؟ وكيف؟ وبمن؟ ومع من؟ وبماذا؟و…؟ و…؟ لا نريد لهذه التظاهرة أن تتوقف أو تموت وإنما أن تتطور بتقييم تجربة دوراتها الثلاثة وترجمة شعارها بالملموس على أرض الواقع لأننا في حاجة لمثلها ذات الاهتمام بالفيلم الوثائقي. 


إعلان