ندوة الوثائقية في مهرجان موريتانيا السينمائي
محاولة في مساءلة المسلمات الفنية
حسن المرزوقي – نواقشوط
سعيا منها لإنجاح مهرجان موريتانيا السينمائي الخامس أو ما يسمى رسميا “بأسبوع الفيلم الوطني” حاولت الجزيرة الوثائقية أن تساهم في إنجاح هذه الدورة بمنح الجائزة الأولى للفيلم الوثائقي وبالمشاركة في فعاليات المهرجان بندة مفتوحة حول السينما في الدول محدودة الموارد وتبادل التجارب مع المخرجين الموريتانيين بعرض تجربة الجزيرة الوثائقية باعتبارها القناة العربية الوحيدة المتخصصة في إنتاج الأفلام الوثائقية.
بمجرد الإعلان عن الندوة لم يتوقف هاتفي الخاص عن الرنين من المخرجين والمثقفين الموريتانيين يسألون عن الموعد والمكان. مبدين الإعجاب بالوثائقية خاصة وبالجزيرة عامة منتظرين من الندوة ما يشفي الغليل ومتعطشين إلى الإفادة.
حضر الندوة بعض المثقفين الموريتانيين من شعراء وسينمائيين ومسرحيين إضافة إلى الزملاء الإعلاميين في الصحافة المحلية والدولية وكذلك ضيوف المهرجان وأعضاء لجنة التحكيم وأعضاء دار السينمائيين الموريتانيين. والذي كان لافتا فعلا إقبال الشباب من الطلبة والهواة الذين كانوا متحمسين للنقاش والحوار. لاسيما وأن الندوة تجاوزت قضايا الوثائقي إلى الفن وصناعة الثقافة في موريتانيا إلى القضايا التي تشغل بال المهتمين بمجال الفن في بلد المليون شاعر.
![]() |
جمهور الندوة كان حاضرا بشكل فاعل |
الوثائقي فن …
نظرا لما لاحظناه في أغلب الأفلام الموريتانية المشاركة من تصور مشوش للوثائقي (وقد تعرضنا لهذا الموضوع في التقرير السابق الذي نشرناه في الموقع) فقد آثرنا قبل الحديث عن تجربة الجزيرة الوثائقية في الإنتاج، أن نطلق حوارا حول مفهوم الوثائقي وخصوصيته وعلاقته بفن السينما. وقد حاولت أن أناقش مع الشباب وجوه الفن في الفيلم الوثائقي.
وكان مدار الكلام في هذا المجال حول المقارنات بين المبدع في مجال الفن عموما ومخرج الفيلم الوثائقي للوقوف على وجوه الشبه والبرهنة للطلاب وهواة الفيلم الوثائقي على أن ما يقوم به صانع الفيلم الوثائقي هو نفس العمل الذي يقوم به الشاعر أو رجل المسرح أو أي مبدع آخر. ومن الضروري التفريق بين الوثائقي وبين أشكال أخرى من التوثيق الصحفي بواسطة التقرير والخبر…
وقد عقّب المخرج المسرحي الموريتاني التقي عبد الحي ليشرح فكرة البعد الجمالي وعلاقة الخيال بالواقع في العمل الإبداعي ويحث الشباب على نزع الفكرة الشائعة بأن الوثائقي يصور الواقع تصويرا مباشرا وأن المطلوب هو تقديم رؤية جمالية لذلك الواقع.
أخذ هذا الموضوع حيزا كبيرا من الندوة لأنه كان فرصة لنقد جوانب من المهرجان والتصورات التي تغلب على المشاركين فيه وهو ما اصطلحنا عليه بالسلبيات المرتبطة بعقلية التوثيق.
![]() |
المخرج التقي عبدالحي المرزوقي -يمين- وولد عبدالله اثناء إدارة الندوة |
اختيارات المواضيع..
موضوع البعد الجمالي في الفيلم الوثائقي جعل النقاش يتركز حول اختيار المواضيع منطلقين من النماذج التي تم عرضها في المهرجان. فكانت مناسبة لنقد بعض الأفلام التي بدت متشابهة في الموضوع والمقاربة. وركزنا على الفقر كتيمة غالبة في الوثائقي الموريتاني ليبدأ الشباب تبريراتهم بأن الفقر ظاهرة موضوعية في مجتمعهم ولا يمكن القفز فوقها ومن الطبيعي أن يكون موضوعا غالبا على إنتاجاتهم.
وكانت الفكرة التي تهدف إليها الندوة هي تكسير النمطية في موضوع الفيلم الوثائقي وخاصة فيما يتعلق بتيمة الفقر. فناقشنا سبب استسهالها وتطرقنا إلى النظرة الاستشراقية إلى أفريقيا على أنها قارة الفقر والحرب والغرائب. فحاولنا الدفاع عن فكرة مفادها أنه لا عيب ولا ضير في اتخاذ الفقر موضوعا للوثائقي ولكن الإشكالية في المقاربة السينمائية لهذه الظاهرة. وضرورة التفريق بين الفقر في المجتمع والفقر كما تراه عدسة المخرج. أي كيف يمكن أن يكون الفقر موضوعا للجمال. وهنا تكمن قوة الفن. نحن لا ننتج الفقر لنرسخه وإنما نصوره لنتجاوزه. وفكرة التجاوز هي التي تؤسسها فكرة الجمال وترسخها.
الأفكار المسبقة…
في هذا الإطار أيضا كان الحديث منصبا عن ضرورة ابتعاد الفيلم الوثائقي عن الأفكار المسبقة وتحويل عملية إنتاج الوثائقي من عقلية التوثيق المباشر إلى مبدأ الاكتشاف. أي أن المبدع يذهب ليكتشف الجديد في موضوعه وليس ليبرهن على ما هو راسخ في ذهنه حول الموضوع. وهنا كان من الضروري التنبيه من خطورة الانزياحات الإيديولوجية ومسايرة الأحكام المسبقة.
الوثائقي ليس دائما مسايرا للمشترك بين الناس أو لما نظن أنها حقيقة متفق عليها. لأن له رؤية فنية لا تخلو من الذاتية والتفكير خارج دائرة ما تمليه المجموعة وهنا يكون الوثائقي مؤسسا على فلسفة الفن ودوره.
وبمناقشة فكرتي اختيار الموضوع والابتعاد عن تنميط الفيلم الوثائقي انفتح النقاش على الآفاق الحضارية والتحديثية لهذا الفن والمساهمة في تخطي العقليات السائدة والتي آن أوان تغييرها. وهذا ما بدا جليا كطموح مختبئ وراء الأفلام الموريتانية المعروضة ولكن بخطاب مباشر وصريح.
![]() |
تجربة الجزيرة الوثائقية…
هذا المحور كان أكثر المحاور تفاعلا من قبل الحضور خلال الندوة وحتي في اللقاءات الجانبية التي عقبتها. حيث حاولنا تقديم فكرة ضافية عن تجربة الجزيرة الوثائقية وأهدافها والصعوبات والوسائل التي تنتهجها لتخطي العقبات لإنتاج أفلام وثائقية هادفة ومفيدة.
كما تطرقنا إلى مشاريع القناة وكيفية اختيار المشاريع الجيدة لإنتاجها والمقاييس الفنية والجمالية المعتمدة. وكانت بعض التساؤلات تصب في حدود حرية الإبداع لدى الجزيرة الوثائقية. فأوضحنا المحاذير التي لا نقبلها كقناة لها سياسة تحريرها وتوجهاتها الفنية وتصوراتها الحضارية كالمحاذير الأخلاقية وتجنب الدعايات السياسية وإثارة الفتن الطائفية إلى غير ذلك من مبدئيات العمل الإعلامي.
وقد تدخل الزميل في قناة الجزيرة الإخبارية داده ولد عبد الله ليوضح الفرق بين إنتاج موجه إل جمهور عبر مؤسسة إعلامية وإنتاج فيلم مستقل لمبدع له الحرية المطلقة في تصوير ما يريد ما دام محتفظا به لنفسه ويعبر عن مواقفه. وبالتالي فهناك مشترك فني وإبداعي بين مطلق حرية الإبداع وضوابط العمل الإعلامي المتفق عليها.
انتهت النوة بحلقات نقاش بين الشباب وبين الضيوف لاستكمال تبال الأفكار والآراء وذلك في نهاية الأمر ما كانت تهدف له النوة إنه طرح السؤال للتفكير بشكل مختلف عن السائد.