نشرة (المهرجان):هل تتحول إلى مجلةٍ سينمائية شهرية؟
صلاح سرميني ـ دمشق
في الأعداد الستة من نشرة الدورة الثامنة عشرة لمهرجان دمشق السينمائيّ الدوليّ التي انعقدت فعاليّاتها خلال الفترة من 7 وحتى 13 نوفمبر2010، تحظى بعض الأفلام الأجنبية، والعربية المُشاركة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة على ست صفحاتٍ لكلّ واحدٍ منها (السلوفاكيّ “ثعالب” لمُخرجته “ميرا فورنايوفا”، اليابانيّ “عن أخيها” لمُخرجه “يوجي يامادا”، الإيرانيّ “الرجاء عدم الإزعاج” لمُخرجه “محسن عبد الوهاب”، الألمانيّ “مُصففة الشعر” لمُخرجته “دوريس دوراي”، الروسيّ “كيف أمضيت هذا الصيف” لمُخرجه “ألكسي بوغريبسكي”، الفنزويليّ “فينيزيا” لمُخرجه “هايك غازاريان”، السوريّ “حراس الصمت” لمُخرجه “سمير ذكرى”، المغربيّ “الجامع” لمُخرجه “داوود أولاد السيد”، التركيّ “كوسموس” لمُخرجه “ريها إيردم”).
تكتفي هذه الموضوعات بسطورٍ قليلة عن فكرة الفيلم، فيما تُمثل الحكاية الباقي من الصفحات، وفعلياً، يسردُ الكاتب/ة الأحداث بإسهابٍ لا يُناسب صحيفةً، أو مجلة، وأكثر من ذلك، غريبة تماماً على نشرةٍ يبحثُ القارئ فيها عن كلّ شيءٍ ماعدا حكاية تفصيليّة، تُنفره، وتُفقده الرغبة بمُشاهدة الفيلم بعد أن تعرّف على كلّ تفاصيله من خلال كتابةٍ تشبه “مُعالجةً سينمائيةً” تسبقُ السيناريو، تلك التي يقدمها المخرج عادةً لفريق العمل، والمُنتجين، وصناديق الدعم (ومن المُفيد التذكير بأنّ سرد حكايات الأفلام من الأمور الغير مُستحبة إطلاقاُ في الصحافة السينمائية).
![]() |
العدد الخامس من نشرة(المهرجان) |
وفي خطوة إيجابية مُوازية، تقدم النشرة (ربما من كتابة نفس الكاتب/ة) في صفحتيّن لكلٍّ منهما قراءةً مُركزة، ومفيدة لفيلميّن، الفرنسيّ “أميرة مونبنسييّه” لمُخرجه “برتران تافرنييه”، والمصريّ “الوتر” لمُخرجه “مجدي الهواري”) وهو منهجٌ كنتُ أتمنى تعميمه على كلّ الأفلام .
في جميع الأحوال، وأحسنها، كان الأفضل الاكتفاء بصفحةٍ واحدة للاحتفاء بكلّ فيلمٍ من أفلام المُسابقة، تكتفي بالخطوط العامة، ولا تقتصر على مجموعة أفلامٍ دون غيرها، حيث لم تتحدث النشرة إطلاقاً عن الأفلام الأخرى في المُسابقة (الإسبانيّ “الزنزانة 211″، الصينيّ “كونفوشيوس”، الرومانيّ “إذا أردت التصفير، سأفعل”، الإيطاليّ “حياتنا”، الأوكرانيّ/الهولنديّ/الروسيّ/الألمانيّ المُشترك “متعتي”، البريطانيّ “لا تدعني أرحل”، البوسنيّ “على الممر”، الدانمركيّ “الغواصة”).
وإذا افترضنا حاجة القارئ إلى التحليل، كنتُ أتمناه بعيداً عن الكتابات الخشبية التي تعلكُ مفرداتٍ نمطية، ومُتداولة يمكن أن تنطبق على أيّ فيلمٍ، مثل الفقرة التالية نموذجاً:
(فيلمٌ يُحاكي بأسلوبٍ مُوفق على مستوى السرد، والإخراج، والأداء…فعلى مستوى الأداء، تفوقت….في تجسيد شخصية…إلى حدّ الغوص في أدقّ عوالمها، والاقتناع بها…من حيث البعد الشكليّ، والنفسي، ولغة الجسد، والتعبيرات الخارجية، والداخلية على السواء، ومن ناحية الإخراج، خلق المخرج تفصيلاتٍ على مستوى التقنية، وإدارة الممثل، ملفتة للانتباه،…).
وعلى العكس تماماً من ذلك السردّ المُملّ للأفلام (ماعدا الفرنسيّ “أميرة مونبنسييّه”، والمصريّ “الوتر”)، يأتي الحوار مع الناقدة السينمائية السورية “ديانا جبور” في محله تماماً، وهي، على الرغم من مسئولياتها الإدارية، لا تزال مخلصة لعشقها الأول، وفي إشارةٍ ضمنية ذكية تُعيد الاعتبار للنقد السينمائيّ عندما تقول :
ـ ليس صحيحاً أن الفيلم يدافع عن نفسه، فبعض الأفلام تحتاج لمن يدافع عنها، ويقدمها للآخرين.
وهي بالضبط مهمّة الناقد السينمائي، وبدونه، لما تأسّست نوادي السينما، صالات الفنّ، والتجربة، والمهرجانات السينمائية، ولما ظهرت الثقافة السينمائية في الصحف، المجلات، المواقع، والكتب المُتخصصة، ولا حتى تلك النشرة التي أتحدثُ عنها، أو هذا الموقع الذي أكتب فيه.
![]() |
الممثل المصري حسن يوسف والناقدة السورية ديانا جبور |
وفي ملفيّن عن السينما التركية، الأول بعنوان “مخرجون، وأفلام حملوا السينما التركية إلى فضاء العالمية” (نشرة المهرجان، العدد2)، والثاني بعنوان “تاريخ السينما التركية” (نشرة المهرجان، العدد 4)، غريبٌ أن يحظى مخرجون على بعض السطور (محسن أرطغول، عمر كافور، بيلين أسمر)، وآخرون على صفحةٍ كاملة تقريباً (يلمز غونيه، نوري بيلج جيلان)، ومثيرٌ للدهشة أن يتلخص تاريخ، وحاضر هذه السينما الثرية في خمسة أسماء فقط، ومؤسفٌ حقاً أن يقتصر جهد المُحرر على النقل الحرفيّ من مصادر مختلفة، ومن ثمّ، ما علاقة الأسماء المُشار إليها بمجموعة الأفلام التي عُرضت في برنامج السينما التركية، هل تعجز إدارة المهرجان عن تكليف أحد النقاد العارفين (وبنفس المُكافأة المالية التي صرفتها للناقل)، بدل منح ثقتها لمُحررٍ يقصُّ، ويلصقُ معلوماتٍ عشوائية وجدها في صفحات الأنترنت، جمع منها مادةً مُخجلة لا ترقى للتكريم الذي خصصه المهرجان للسينما التركية، ألم يكن من الأفضل كتابة دراسة عن تلك الأفلام، أو على الأقلّ، المخرج الأكثر حظاً فيها “نوري بيلج جيلان”، وهل من الإنصاف أن يحصل ناقلُ هذه الملفات التي لم يبذل أيّ جهدٍ فيها على نفس المُكافأة التي حصل عليها آخرٌ من الواضح بأنه قضى ساعاتٍ في مشاهدة الأفلام، وتلخيص أحداثها، وتحليل بعضها (بغضّ النظر عن إسهابها).
ولم يكن الملف المُخصص للمخرج البوسني “أمير كوستاريكا” أقلّ انتحالاً، ونقلاً، وأتمنى من إدارة المهرجان بأن لا تتساهل أبداً مع هذه المُمارسات المُؤذية للثقافة السينمائية العربية مهما كانت الأعذار (من المُمكن إعداد ملفاتٍ بدون أسماء، ولكن ليس سرقتها حرفياً من مصادر مختلفة لم/ولن يتورّع الناقل/المُنتحل عن نشرها سابقاً، حالياً، ولاحقاً باسمه).
ما يُلفت الانتباه في النشرة، ويحثُّ على المُتابعة، والقراءة، ليست تلك السرديات المُمّلة لحكايات الأفلام، ولا ذاك الانتحال، والتجميع عن السينما التركية، و”إمير كوستاريكا”، ولكن، تلك المواد التي التقطت مباشرةً من المهرجان نفسه .
وبينما منحت النشرة مساحاتٍ كبيرة للسرد، والحكايات، تقلصت حصة الموضوعات المُفيدة (المؤتمر الصحفيّ مع الممثلة الهندية “شارميلا طاغور” مثلاً).
وكانت الصفحات المُخصصة للراحلين (كلود شابرول، توني كورتيس، أرثر بن، آلان كورنو، نورمان ويزدوم، عبد الله فرغلي) مبادرة نبيلة لإحياء ذكراهم، ولكن، هل هي مهمّة نشرة من المُفترض بأن تهتمّ بنشاطات المهرجان، وفعالياته حصراً، ألم يكن من الأفضل نشر بورتريهاتٍ، أو لقاءاتٍ مُوجزة عن المُكرمين من الشخصيات العربية (سلوم حداد، سلافة معمار، محمد ناصر السنعوسي، ناصر خمير)، والأجنبية (آنا بونايتو، فابيو تيستي، فلاديمير مينشوف، أوتار إيوسلياني) التي نسيتها النشرة.
وفي الجانب الإيجابيّ، حرصت النشرة على تقليدٍ متواصلٍ، ومهمّ بتقديم الكتب الصادرة عن المُؤسّسة العامة للسينما، هذه القراءات المُركزة جعلتني أفكر باسترجاع كلّ الكتب التي تكاسلتُ في حملها بسبب ثقلها (حوالي عشرين كتاباً)، وعادةً، تستثمرُ الإدارة فرصة انعقاد المهرجان كي تُوزعها على ضيوفه مجاناً، وتعتبرُ هذه الخطوة واحدةً من الإنجازات المُعتبرة للمُؤسّسة العامة للسينما.
![]() |
شارميلا تاغوري سمير ذكرى عبداللطيف عبدالحميد |
ولكن، من غير المفهوم إعادة نشر ملخصات الأفلام القصيرة (من 4 إلى 6 صفحات)، وكأنّ الدليل الرسميّ لا يكفيها، ويُوحي الأمر بإملاء النشرة أكثر من إثرائها بموضوعاتٍ مفيدة، حتى ولو كانت خفيفة.
ويُخصص كلّ عددٍ من النشرة صفحةً لمُلخصات الأفلام الطويلة التي نجدها في الدليل الرسميّ أيضاً، وأخرى للبرنامج التفصيليّ لعروض كلّ يوم، يعوّضه “البرنامج المطبوع” الأكثر تفصيلاً، ووضوحاً، ولا تنسى النشرة الضيوف الأجانب، حيث تقدم لهم مادةً تحريرية باللغة الإنكليزية (من 7 إلى 11 صفحة) مختلفة، أو متشابهة في مضمونها عن الصفحات العربية.
وهكذا، تتكوّن النشرة من 48 صفحة (مع الأغلفة الداخلية، والخارجية) كافية لأن تكون مجلة شهرية متخصصة تختلف في منهجها التحريريّ عن “الحياة السينمائية” الفصلية، أو الموسمية.
هذه المجلة المُفترضة (المأمولة)، يمكن أن تُواكب النشاط السينمائي المحليّ، العربيّ، والعالميّ بعيداً عن الموضوعات المُترجمة، والأخرى الغارقة في أكاديميّتها بحيث تصل إلى أكبر عددٍ من هواة السينما، ومحترفيها، وتجمع كتابات النقاد العرب أينما كانوا في الوطن العربي، وخارجه.
مالياً، لا أعرف كم يتكلف العدد الواحد منها، ولكن، يمكن الاعتماد على خطةٍ تمويلية مُعاصرة تُشارك فيها مؤسّساتٍ مختلفة بدعمٍ من الشركات الخاصة.
وهكذا، تؤكدُ القراءة الدقيقة، والمُتفحصة لأعداد النشرة أهمية تلك الحوارات المُقتضبة كما الحال مع الممثل القطري “علي حسن” (العدد3)، وفيه يُلخص واحداً من الأهداف المهمّة للمهرجان عندما يقول:
ـ “رأيتُ دمشق القديمة من خلال الدراما”.
وبشكلٍ عام، يحتاج متصفحُ النشرة، الهاويّ، والمُحترف على السواء إلى قراءة انطباعاتٍ، ونقدٍ، وتحليلٍ أكثر من سرد حكايات الأفلام، صفحة واحدة عن كلّ فيلم تكفي لإثارة الانتباه نحوه كما الحال مع التونسيّ “آخر ديسمبر” لمُخرجه “معزّ كمون”، والإماراتيّ “ثوب الشمس” لمُخرجه “سعيد سالمين”.
وقد خصصت النشرة صفحتيّن من الانطباعات التحليلية لبعض الأفلام العربية، القطريّ “عقارب الساعة” لمُخرجه “خليفة المريخي” (العدد 4)، والمصري “الوتر” لمُخرجه “مجدي الهواري”(العدد5)، بينما منحت الأفلام الأجنبية 6 صفحاتٍ من الثرثرة الكلامية كانت تحتاجها الحوارات كما حال اللقاء مع المخرج السوري”عبد اللطيف عبد الحميد” في حديثه عن فيلمه الأخير “مطر أيلول”(العدد 3).
من وجهة نظريّ، تتجسّدُ وظيفة النشرة في كلّ البورتريهات، اللقطات المُكبرة، المُؤتمرات، الندوات، والحوارات، حتى وإن كانت إعلامية، أو خفيفة.
ـ كلمة وزير الثقافة د.رياض عصمت في افتتاح المهرجان.
ـ كلمة محمد الأحمد مدير المهرجان، ومقابلة معه.
ـ المخرجون: عبد اللطيف عبد الحميد، رشيد فرشيو، سمير ذكرى، ريمون بطرس، سعيد سالمين، مأمون البني، موفق قات، جهاد مفلح.
ـ الناقدة السينمائية السورية دينا جبور، المُنتج، والمُوزع السوري مأمون سري.
ـ الممثلون: القطري علي حسن، السورية كاريس بشار، المصري حسن يوسف، اللبنانية هيفاء وهبي، ال��ركية توركان شوراي، المصرية ماجدة الصباحي، السورية نجلاء الخمري.
ـ المهرجانات العربية : الحبيب ناصري مدير مهرجان خريبكة الدولي للفيلم الوثائقي، عبد الحق منطرش مدير مهرجان الرباط السينمائي، عبد اللطيف العصادي مدير مهرجان سلا لأفلام المرأة(ملاحظة : كلها مهرجانات مغربية ؟) .
ـ المؤتمرات الصحفية: الممثلة الهندية “شارميلا طاغور”، الممثل المصري “حسن يوسف”.
ـ ندوات الأفلام : الفنزويليّ “فينيزيا”، الجزائري “خارجون عن القانون”، السوري “حراس الصمت”، الإماراتي “ثوب الشمس”.
ـ الندوة المركزية (من المُفيد تسجيلها، وتفريغها لاحقاً).
ـ تعريف بالموقع الرسمي لمهرجان دمشق.
ـ الراحلون: هاني الروماني، الطاهر شريعة، نبيلة النابلسي.
هامش : اعتمدت هذه القراءة على أعداد نشرة المهرجان (الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، والسادس فقط)
وقد زوّدني الزميل “ناصر ونوس” بقائمة محتويات العدد الأول، ومنها عرفتُ بأنه يتضمّن كتابةً تحليليةً للفيلم التركي “عسل” لمُخرجه “سميح كابلانوغلو” الذي عُرض في تظاهرة البرنامج الرسميّ، ورُبما هناك عددٌ سابعٌ لم أحصل عليه، ومن المُحتمل بأنّ محتوياته تُصححُ، أو تُكمل بعض المعلومات الواردة في هذه القراءة .