جوائز مهرجان مراكش ” تعكس” تشكيلة لجنة التحكيم
أحمد بوغابة – مراكش (المغرب)
لم يتوقع كثير من المتتبعين للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش فوز فيلم كوريا الجنوبية “مذكرات ميزون” للمخرج بارك جونكبوم بالجائزة الكبرى “النجمة الذهبية”، بل هناك من كان قد استبعده بصفة نهائية فإذا به يستحوذ على لجنة التحكيم الرسمية، فيما تقبلوا – إلى حد ما – باقي النتائج التي كانت على الشكل التالي:
جائزة التحكيم: مناصفة بين الفيلم المكسيكي “غيوم” للمخرج أليخاندرو كربر بيسسكي والفيلم المتعدد الجنسيات (بولونيا وبلجيكا وروسيا) “ما وراء السهوب” للمخرجة فانيا دالكانترا.
جائزة التشخيص: كانت بدورها مناصفة بين جميع الممثلين (رجالا ونساء) المشاركين في الفيلمين “مملكة الحيوان” الأسترالي و”عندما نرحل” الألماني.
لم تكن هذه النتائج غريبة، إذا أخذنا بعين الاعتبار تشكيلة لجنة التحكيم التي ترأسها الممثل والمخرج جون مالكوفيتش والتي استبعدت بعض الأفلام التي تم إخراجها ببعد تلفزيوني حيث تأطيرها واضحا بهذا العمق في الرؤية الفنية. نذكر على سبيل المثال لا الحصر الفيلم الإيطالي “حياة هادئة” رغم الأداء الجيد للممثلين فيه. كما استبعدت اللجنة، أيضا، الأفلام التي حظيت بإنتاج ضخم كالفيلم الروسي “الحافة” ليغلق الدائرة على الأفلام التي يمكن وصفها بأفلام المؤلفين فمنحها النجمة الذهبية وجائزته الخاصة. إنها السينما التي يدور في إطارها رئيس اللجنة وأعضاء آخرين من بينهم الممثل والمخرج المغربي فوزي بن السعيدي والمخرج الفرنسي بونوا جاكو والممثل الإيرلندي كابرييل بيرن.
إن خصوصية المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الذي يعتمد على الأفلام الأولى والثانية للمخرجين، تفرض على لجنة التحكيم أن تكون نتائجها صدى لهذا الاختيار السينمائي بنتائج تكب في نفس الإطار وهو ما تحقق في الدورة العاشرة. إن الأفلام الأولى تكون عادة مشحونة بالبحث في أشكال السرد عبر لغة سينمائية تعتمد على أدوات غير تقليدية، أو إعادة اللغة السائدة بتركيب جديد يجعلها متميزة بإبداعها.
وبالتالي فإن التوجه العام لأعضاء لجنة التحكيم في أعمالهم الشخصية لا يمكن إلا أن يسفر على النتيجة نفسها ولا ينبغي اعتبارها خارج المألوف أو أنها غير منتظرة.
• سينما المؤلف/الممثل
إذا تجرأنا للقيام بتقييم سريع وبعجالة للأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية فإن ما يميز أغلبها، في نظرنا طبعا، هو الحضور القوي للتشخيص بحيث جل الأفلام اعتمدت على الممثلين أساسا لإيصال تلك الروح الدفينة فيها وهذا ما وضع اللجنة أمام امتحان عسير لاختيار أفضلهم فارتأت أن تكرم الجميع بمنح جائزة جماعية للتشخيص.
حتى الأفلام التي عُرضت خارج المسابقة، سواء يوم الافتتاح أو الاختتام أو إبان تكريم بعض الأسماء السينمائية، لم تخرج عن هذا الإطار التي يجتمع فيها السينمائي المؤلف بالممثل الجاد فتكون النتيجة تحفة على الشاشة.
مثل جميع المهرجانات في العالم، يسود النقاش بين الحضور حول الأفلام المعروضة التي تتعارض حولها الآراء، انطلاقا من اختلاف المراجع والقدرة على التحليل السينمائي ومدى استيعاب خصوصية كل فيلم على حدة وليس النظر إليها جميعها بعين واحدة. فقد عرفت الفضاءات المحيطة لقصر المؤتمرات – كمركز للعروض السينمائية – نقاشات ثنائية أو جماعية، مُنظمة أو ارتجالية أو عفوية أو استفزازية، كلها تحاول أن تدافع وتقنع الآخر بوجهة نظرها وسدادة موقفها في هذا الفيلم أو ذاك.
![]() |
لجنة تحكيم المهرجان فرنسيس كوبولا |
وقد كان الفيلم المغربي المشارك في المسابقة الرسمية بعنوان “أيام الوهم” للمخرج الشاب طلال السلهامي أكثر الأفلام تداولا في هذه النقاشات، ككل سنة، حيث تم سل جميع أنواع الأسلحة لاغتياله في الوقت الذي يريد صاحبه تقديم رؤيته السينمائية الخاصة التي يزاوج فيها بين المحلي والعالمي في الشكل والمضمون للخروج بالإنتاج المغربي من حدوده الضيقة. لم تناقش جل الآراء الفيلم المغربي من داخله بقدر ما طافت حوله تبحث عن ثغرات ونواقص وعن هوية مفترضة في عقول أصحابها إذ أنها تُسقط عليه أفكارها المسبقة وليس العمل على اكتشاف مكوناته السينمائية من عمق كتابته. الأخطر في الأمر، أن تلك الأحكام السريعة تخرج من أفواه السينمائيين (كلهم مغاربة) ومن يلبس صفة “الناقد السينمائي” (؟!؟!؟!) ليتبين جليا أن الهدف هو النيل منه أكثر من اهتمامها بالمنتوج في ذاته.
إذا لم يتمكن الفيلم المغربي من إقناع لجنة التحكيم لنزع أحد جوائزه فإن المسابقة الخاصة بأفلام المدارس (قصيرة) كانت فقرة متميزة، التي تنبئ بجيل جديد من السينمائيين، بحيث ترك انطباعا جيدا عند المتتبعين. لقد فازت الطالبة/المخرجة/ الشابة محاسن الحشادي من المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش بالجائزة عن فيلمها “غفوة” (أنظر نصا سابقا نشرناه في موقع الجزيرة الوثائقية حول خصوصيات الجائزة ورهاناتها).
• “جائزة الجمهور” المُفترضة
اعتمد المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، بدوره، على النجوم والأسماء اللامعة للمبدعين الكبار فكان المخرج الأمريكي فرنسيس فورد كوبولا شعلتهم المضيئة بلا منازع، الذي شارك على هامش المسابقة بفيلمه الأخير “تيترو” (إنتاج سنة 2009) وكتب له السيناريو وهو منتجه أيضا. أعتبر هذا الفيلم من أفضل ما عرضه المهرجان على الإطلاق، تحفة العين والعقل والفن بكل محتوياته إذ أن الدقة الإبداعية فيه في منتهى الكمال حيث اعتنى بالتفاصيل في جزئياتها حتى لا تزعج بعض العثرات كنه الفيلم. إن الفرجة كانت ممتعة ومفيدة ومريحة في ذات الآن. لكن، لم يبرمجه المهرجان في عروض أخرى فتركنا أمام العرض الوحيد نتشوق لإعادته مرارا لو اقتضى الحال وبدون ملل. يستمد الفيلم قوته من مخرجه الذي أكد خلال الحديث معه أنه ينبغي الاستقلال المالي للتخلص من ضغوط الإنتاج حتى تبدع بحرية. ونعلم جيدا ما يقصده هذا المبدع بحكم أن سلطة المال في الإنتاج السينمائي الأمريكي بمثابة سيف دمقلس الذي يغتال عديد من الأفلام الجميلة.
فلو كان المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يخصص جائزة للجمهور لقدمها لفيلم “تيترو” حتى ولو لم يشارك في المسابقة. وإذا أجرى المنظمون استفتاء حول نجم المهرجان سيحتل المرتبة الأولى فرنسيس فورد كوبولا دون غيره. إن صورة كوبولا تنعكس جليا في الفيلم والعكس صحيح أيضا فهما معا وجهان لعملة فنية واحدة إذ يصعب الفصل بينهما وإلا سيكون فصلا تعسفيا خاصة وأن “العراب” تجاوز كثيرا في فيلمه هذا الجوانب التجارية التي مست أفلامه السابقة لينغمس أكثر في السينما الأمريكية الكلاسيكية حيث يذكرنا فيلمه “تيترو” بالأفلام الرائدة ذات البعد الاجتماعي بطعم سياسي مُؤطرة فنيا ويتبناها ممثلون أكفاء.
عرض المهرجان أكثر من 133 فيلما في مختلف الفضاءات الموزعة بين قصر المؤتمرات كمركز للمهرجان حيث يحتوي القصر على قاعتين الرئيسيتين، إلى جانب قاعة “الكوليزي” بوسط المدينة الجديدة والتي منها انطلق المهرجان في دوراته الأولى، فضلا عن ساحة جامع الفنا الشهيرة بالمدينة العتيقة. وقد انضم إلى الحفل المركب السينمائي ميكاراما الموجود خارج المدينة.
![]() |
الفائزة بالجائزة الكبرى بارك جونكبوم محاسن الحشادي |
• نقط ضعف في المهرجان
تتركز نقط ضعف المهرجان في كثرة الأسماء المُكرمة- في كل دورة- مما يفقد هذه الفقرة نكهتها إذ ينسى الحضور بسرعة الأسماء لأن كل إسم يمحي سابقه بل أحيانا يتم تكريم إسمين في نفس الوقت وبشكل عابر وسريع وكأن المهرجان يريد التخلص منهم عوض أن يختار إسمين أساسين فقط (واحد مغربي وآخر أجنبي) ليكون لهذا الحفل موقعه ويرسخ المكرمين. كما يمكن لإدارة المهرجان أن تبدع بدورها في أشكال الحفل مادامت تشتغل في الفن الذي يعتمد الخيال إذ ينبغي للمخيلة أن تؤدي واجبها الإبداعي المستمر. استدعاء “النجوم” لا يعني بالضرورة تكريمها بل يمكنها أن تشارك في أنشطة موازية قد يكون إشعاعها أهم وفي ذات الوقت تتسلم تذكار المهرجان.
كما ينبغي أن تفكر الإدارة المنظمة في فتح عدة أبواب لولوج القصر وليس اقتصارها على الباب المركزي للنجوم (على السجاد الأحمر) وباب آخر يلجه العامة والمدعوون ورجال ونساء الإعلام فيحصل الازدحام ويسبب في الإثارة والاشمئزاز تترتب عنه أحيانا ممارسات انفعالية، علما أن قصر المؤتمرات يتوفر على مداخل كثيرة وبذلك ستمص غضب الكثيرين.
كما أن البيانات التي كانت تعممها مؤسسة المهرجان حول خصوصية الاحتفال بالعقد الأول لم تكن في مستوى الطموحات المنتظرة وكأنها دورة عادية بنفس الهيكل في البرمجة والتنشيط. فهل ذلك يعني أن التغيير قادم في الدورات المقبلة؟؟ لابد من وقفة لتثمين الإيجابيات والتغلب على السلبيات كما حصل منذ خمس سنوات ليجدد المهرجان – عبر مؤسسته – بعضا من ثوبه. تتطلب مثل هذه المهرجانات الكبيرة الاشتغال اليومي على مختلف أجزائه. لقد ظهر جليا أن إضافة فقرة جديدة (في السنة الحالية) خاصة بأفلام المدارس السينمائية أعطت له دفعة أخرى تجاوزت الروتينية نفس الشيء حين برمجت عروضا للمكفوفين قبل ثلاث سنوات.
وينبغي أيضا إخضاع أفراد القسم العربي الخاص بالصحافة العربية والمغربية لتمرين جديد حول السلوك الحضاري في التعامل بتجاوز المحسوبية و”الشلة” وأن موقعها جد حساس في التواصل إذ أن كل هفوة تسيء للمهرجان ومؤسسته التي يترأسها الأمير مولاي رشيد لما لها من رمزية سياسية ومعنوية وأن المهرجان يُقام تحت الرعاية الملكية المباشرة. إن هذا القسم يحتاج لإعادة التكوين الصحفي وفي التواصل وفي التنظيم، وعلى أفراده أن يتعلموا بأنهم في مهمة وليس موقعهم امتياز شخصي.