سؤدد كعدان : للمخرج المستقل نصيب على الشاشة
فاز الفيلم الوثائقي “سقف دمشق وحكايات الجنة” بالجائزة الثانية للمهر الذهبي في مهرجان دبي السينمائي. والفيلم من إنتاج الجزيرة الوثائقية وإخراج سؤدد كعدان. وهو الفيلم الثاني للمخرجة من إنتاج الوثائقية. ويبدو أن هذا الفيلم يمثل حالة وجدانية خاصة بالمخرجة وجزءا من ذاكرتها الفردية في مكان مكتظ بالمعنى الجمعي. لذلك سكبت فيه من جمال روحها فاختلطت فيه أبعاد المكان الموضوعية (دمشق القديمة) مع نبض الذاكرة الفردية.. وفي هذا الحوار ستحاول سؤدد أن تضيء شيئا من اختياراتها الفنية في فيلمها..
*******
كيف جاءت فكرة الفيلم؟
كلما مررت تحت سقف مدحت باشا أذكر لأصدقائي حكاية والد جدي الحداد الذي رمم السقف. وعندما مررت منذ سنة في ذات المكان، اكتشفت أن السقف قد اختفى، و اختفت كذلك ممرات الإضاءة السحرية التي كانت ترافقه، و لم يبق سوى سقف جديد حديدي بشع. شعرت عندها أنني فقدت حكاية ومكانا معاً. وشعرت أن الحكايات مرتبطة بالأمكنة، وأن الذاكرة الفردية والجمعية تتأثر باختفاء ملامح المدينة. و عندها قررت أن أجمع في هذا الفيلم، ما تبقى من حكايات وأساطير المدينة، داخل بيوتهم القديمة والعريقة، لعلني أحتفظ بها في فيلمي قبل أن تتلاشى.
إذا كانت هي حكاية واقعة ووجدان شخصي فما مبرر الفني و الموضوعي لاستخدامك الرسوم المتحركة في الفيلم؟
كنت أريد أن أسرد الفيلم ببنية تشابه بنية حكايات الأطفال الخيالية، والتي تكتسب معنى رمزيا ما إن تتحدث عن الحاضر. كنت أريد أن أمازح الفيلم بنوعه (وثائقي) لكي يتسلل إلى الدرامي ورسوم التحريك. أردت أن أمازح الشخصيات، و حتى ذاكرتي التي تحاول أن تبني حكايات تبدو في بعض الأحيان سريالية. والرسوم المتحركة كانت الخيار الأفضل. حاولت أن تكون حتى تقنية التحريك جديدة، بما يناسب الهدف الدرامي في الفيلم. فاللوحات مرسومة بالألوان المائية وقد رسمتها نادين كعدان، و من ثم محركة. أي أن معظم العمل كان يدوي، للمحافظة على طبيعة الألوان المائية الحالمة. و هي تعتمد على تقنية تحريك بطيئة لكي يشبه الفيلم كتاب الحكايات، و الأساطير التي يقرأها الأطفال. و فجأة تتحرك هذه الرسوم، لكي نشعر بعلاقتها مع الحاضر، و لكنها تتحرك كما لو أنها صفحة في كتاب، للتأكيد على أنها مجرد حكاية. هنالك حركة دائمة بين الجد و المزح، و بين الواقع و الخيال في الفيلم.
![]() |
سؤدد كعدان وراء الكاميرا
دائما في المستوى الفني والإخراجي لاحظنا أن الفيلم يكاد يخلو من أية مؤثرات صوتية عدا مؤثرات المكان…هل هو اختيار جمالي مقصود؟
هناك أسلوبان للتعامل مع المؤثرات الصوتية في الفيلم. عندما يكون المشهد وثائقيا يتم تضخيم بعض المؤثرات الصوتية الطبيعية و إضافتها لمنحها معنى درامي، وكأنها مفتاح العودة إلى الماضي : مثل خطوات الأقدام، صوت السلحفاة تأكل الخص، صوت درج خشبي يفتح، و أبواب قديمة توصد. أما عندما يكون المشهد عبارة عن رسوم متحركة، فقد اخترت ألا تكون هناك أية مؤثرات واقعية، بل أن ترافقها الموسيقى فقط. حتى يتحول إلى مشهد حالم على صعيد الصوت والصورة. حاولت مع المؤلف الموسيقي ناريك عباجيان، أن تكون الموسيقى بسيطة، طفولية، حالمة، و أن تعتمد على آلة واحدة فقط : البيانو، لكي تشبه علب الموسيقى ذات الزنبرك، التي يحب أن يفتحها الأطفال. فقط في مشهد السمكة، تتدخل عدة آلات موسيقية، و تتحول الموسيقى إلى جاز، و تتحول إلى نوع من اللعب والفرح. فحكاية السمكة الطائرة، تكسر كل قوانين مشابهة الواقع.
أغلب الفيلم يدور حول ما يشبه الوقوف على الأطلال … هل هو مرثية للماضي؟
بالنسبة إلي يتكلم الفيلم عن الحاضر، تماما بنفس المستوى كما يتكلم عن الماضي. والفيلم يحاول أن يكسر حالة النوستالجيا عبر الكوميديا، و المبالغات السريالية، و الرسوم المتحركة. صحيح أن الفيلم فيه عودة قوية و حالمة إلى الماضي، وإلى الإرث العريق لهذه البيوت، لكن المشهد التالي، يكسر فوراً هذه الحالة. مثل إعلان معظم الشخصيات بأن المدينة هي الجنة، و مركز الكون. إن مسحة الجنون في السرد تشكك إن كانت الحكاية قد حدثت فعلاً أم لا. وقد استطاع مدير التصوير كريم غريب أن ينقل هذا الشعور الغريب في الصورة. إذ أنها صورة فوتوغرافية جميلة، تجمد الشخصيات في حالة الحنين إلى الماضي، لتبدو عندها المفارقة الكوميدية مع الواقع.
![]() |
بناء على مهاوي الذاكرة |
الجزء الأخير الذي تتم فيه نقد عملية الترميم كان قصيرا جدا وسريعا مما أربك الإيقاع العام للفيلم ..
الجزء الأخير بدا سريعاً، لعدة أسباب: أولاً الشخصية ذاتها ديناميكية، وتقتحم المكان بجرأة، وتجوب المدينة مهرولة على الرغم من عمرها (85 سنة) و لأن الحكاية التي ترويها حاضرة وملحة، ويكاد السقف يقع على رأسه إن لم نساعده، بالإضافة إلى أنني أردت أن أخرج المتفرج من الحالة الحالمة للحظات، وأزجه في عالم الواقع الكوميدي، قبل أن أعود إلى حكايات أخرى. و إن بدا إيقاع الفيلم غريبا أحياناً، فذلك لأنني في الحقيقة استمتع حتى ببمازحة بنية فيلمي و كسرها أحياناً.
ماذا تمثل لك جائزة المهر من مهرجان دبي؟
لمهرجان دبي مكانة خاصة عندي. إنه المكان الذي عرض فيه أول فيلم لي، وكنت جديدة على كل هذه الوجوه السينمائية من حولي. و لكن بما أن فريق المهرجان يعامل المخرجين الجدد بدفء وبحفاوة ، فإنك تشعر في النهاية أن المهرجان بيتك، وأنك جزء من عائلة سينمائية. يتميز هذا المهرجان عن غيره بأنه يحاول أن يبحث عن الأفلام الجديدة، والمخرجين الجدد ولا يكتفي بالأسماء المكرسة. أما الجائزة فهي نوع من التشجيع بأن نستمر بخلق حكايات جديدة على الرغم من الظروف الصعبة. فليس من السهل أن تتجه نحو الوثائقي في الشرق الأوسط.
و في النهاية يجب أن أشكر قناة الجزيرة الوثائقية التي أنتجت آخر فيلمين لي: البحث عن اللون الوردي، وسقف دمشق وحكايات الجنة… ولعل هذا يفند نسبيا من يقول إن المخرج المستقل ليس له مكان على شاشة التلفاز..؟؟؟