مهرجان مراكش يحتفي بعقده الأول

أحمد بوغابة – مراكش (المغرب)

دأب المغرب، منذ سنوات، على إقفال سنته السينمائية بالمهرجان الدولي للفيلم بمراكش (في شهر ديسمبر من كل سنة) بعد سلسلة من المهرجانات والتظاهرات واللقاءات السينمائية، طيلة السنة على امتداد جغرافيته، بعد أن يكون قد افتتح السنة الجديدة (في شهر يناير) بالمهرجان الوطني للفيلم المغربي… وهكذا دواليك. فهذه الدائرة الطبيعية، لها دلالتها بالانطلاق من الوطني نحو الدولي للعودة إلى التراب ثم رحلة جديدة نحو العالم في علاقة جدلية منطقية تعطي للمتتبع والمهتم صورة شاملة.
إذا كان المهرجان الوطني سيحتفل في دورته المقبلة (من 21 إلى 28 يناير 2011) بثلاثة عقود (تأسس سنة 1982) فإن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش سيحتفي هذه السنة بعقده الأول (انطلق سنة 2001).

فطيلة هذا الأسبوع (من 3 إلى 11 ديسمبر الجاري)، سيكون للمهرجان في مراكش طعم خاص، حيث سيكون محطة للاحتفاء به – بالتأكيد – كأكبر مهرجان سينمائي في المغرب. لكن أيضا سيخضع للتقييم بعد أن أصبح متداولا في الأوساط السينمائية حتى يَقْدِم على خطوات أخرى في التجديد والتميز نظرا للمنافسة الكبيرة التي تحاصر المهرجانات الجديدة غير التقليدية.
من بين الفقرات التي يتضمنها برنامج المهرجان، بهذه المناسبة، استدعائه جميع الرؤساء السابقين للجن التحكيم، وجل الوجوه التي كرمها من قبل، وكذا أغلب المتوجين في دوراته السالفة، على مدار العقد كله. كما سيعرض فيلما وثائقيا، الذي بدأ عرضه في القاعات الفرنسية في مطلع هذا الشهر، حول المنتج والموزع ورئيس بعض المؤسسات السينمائية الفرنسية، “دانييل طوسكان دوبلانتي” مؤسس مهرجان مراكش قبل عشر سنوات.

• المكفوفون يشاهدون السينما في مراكش

وبدأ يعرف المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في السنوات الأخيرة، تطورا ملحوظا بعد هيكلته ومغربة جل أطره بتطعيمه بأسماء مرموقة لها وزنها الاعتباري والمعنوي في الحقل السينمائي الوطني، وتحظى بصيت دولي. نذكر على سبيل المثال الأستاذ نور الدين الصايل (المدير العام الحالي للمركز السينمائي المغربي وأحد مؤسسي الثقافة السينمائية بالمغرب) الذي يحتل موقع متقدم في مؤسسة المهرجان كنائب الرئيس، ليجد المبدع المغربي، بفضل هذا وهؤلاء، مكانه الطبيعي في هذه التظاهرة الدولية التي تُقام على أرض المغرب.
ففي كل سنة، وفي كل دورة، يحمل المهرجان جديدا في المضمون ويحاول في ذات الوقت تطوير نفسه تنظيميا. وقد خلق المهرجان فرصا كثيرة للقاء من خلال دروس السينما التي يعرضها كبار السينمائيين بحيث يقدمون رؤيتهم الشخصية للسينما ولأعمالهم لتصبح هذه الدروس بمثابة إحدى الأعمدة الأساسية… إلى جانب الأفلام طبعا كعنصر أساسي في أي مهرجان في العالم.
انطلقت منذ ثلاث سنوات تجربة جديدة في المهرجان، تتمثل في العروض الخاصة بالمكفوفين وضعيفي البصر، تحت عنوان ” كلام للرؤيا” حيث يتم برمجة مجموعة من الأفلام العالمية والمغربية بتقنية الوصف السمعي فيتمكن المكفوف من معايشة الفيلم بشكل “طبيعي”. وهذه الفقرة الخاصة بالمكفوفين جعلت مهرجان مراكش يتميز بها عن غيره من المهرجانات لأنه بهذه الخطوة يعمل على استقطاب عشاق السينما من هذه الشريحة ودمجها إنسانيا واجتماعيا في احتفال دولي. ألم يقل الفيلسوف اليوناني سقراط قرون قبل المسيح: “تكلم لأراك”؟. قد تحمل هذه القولة دلالات كثيرة وتجعل فن السينما في متناول جميع المواطنين.

• مراكش يتبنى طلبة السينما والأفلام الأولى

يقترح علينا المهرجان، هذه السنة، فقرة جديدة متمثلة في مسابقة خاصة بالأفلام القصيرة للمدارس والمعاهد السينمائية الموجودة بالمغرب. إذ خصص لها المهرجان لجنة للتحكيم مستقلة ولها مصداقيتها يترأسها المخرج الألماني فولكير شلوندروف الذي سبق له أن ترأس لجنة التحكيم الرسمية للمهرجان سنة 2003.
ولا تقتصر هذه المسابقة على إعطاء فرصة للطلبة السينمائيين فقط، أو إدماجهم في عالمهم الجديد بفتح لهم الأبواب للاحتكاك بمن سبقوهم في المهنة، بل يسعى المهرجان إلى احتضانهم وتشجيعهم وكذا تأطيرهم عمليا على أرض الواقع الملموس بتخصيص جائزة مالية مهمة جدا للمبتدئين، تصل قيمتها بالدرهم المغربي إلى 300 ألف درهم. لأن الجميل في هذه المبادرة، هو أن مؤسسة المهرجان هي التي ستسهر على تصريف هذه الجائزة/المنحة في إنتاج الفيلم القصير الجديد للفائز، منذ بدايته الأولى في كتابة السيناريو إلى حدود عرضه على الشاشة. وبذلك أرادت أن تتحمل مسؤوليتها في أن يصرف الفائز مجهوداته الفكرية في العمل السينائي وإبداعه عوض تشتيتها في هوامش الإنتاج وهي إحدى خطوات الاحتراف.

جون مالكوفيتش رئيس لجنة تحكيم الافلام الروائية الطويلة

ودائما في إطار البحث عن تميز عن المهرجانات القائمة الآن – في نفس الفترة – حتى لا يتكرر المشهد نفسه في مراكش وكأنه نسخ عن الآخرين، فإنه ارتأى أن تكون الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية جديدة في تاريخ إنتاجها طبعا. وأن تكون – أساسا – من الأفلام الأولى أو الثانية لمخرجيها في أفق البحث عن الأسماء الجديدة في عوالم الفن السابع بمختلف الأقطار، خاصة وأن الأفلام الأولى عادة ما يكون فيها بحث فني من لدن أصحابها الذين يسعون أن يطرقوا بها أبواب العالم وشاشاته. كما أن الأفلام الأولى – عادة أيضا – ما تخاف منها المهرجانات الكبيرة لأن الجمهور لا يكون متعود عليها بينما أرادت إدارة مهرجان مراكش أن تكون السينما الجديدة هي عمقها الاستراتيجي، وتراهن عليها حتى تكون منبرا لاكتشاف الأسماء التي سيكون انطلاقها من مراكش. وبالتالي ستحصل على شهادة الميلاد السينمائي من هنا وكثيرا ما يتذكرها أصحابها.
سيتبارى 15 فيلما من أفاق جغرافية وثقافية متنوعة في تعددها، لا تجمعها إلا جنسية الفن السابع والهم السينمائي والإبداعي والإنساني. هذه الأفلام ستُعرض أمام لجنة هي بدورها تتكون من حساسيات مختلفة يترأسها ممثل شاهدناه يقف أمام كاميرات ومخرجين تتعدد رؤاهم وبالتالي يعلم علم اليقين كيف يتفاعل معها ويتقبلها بالانفتاح الفنان الذي عاهدناه في أدوار غنية بالهم الإنساني ولا تشبه بعضها إطلاق حيث كل مرة يلبس شخصية مناقضة لسابقتها.
الفيلم العربي الوحيد في المسابقة هذه السنة هو من المغرب “السراب” ( العنوان الذي يحمله بالفرنسية) أو “أيام الوهم” (عنوان ثان بالعربية) للمخرج طلال السلهامي. لكن تشارك الممثلة المصرية يسرا في لجنة التحكيم إلى جانب المخرج والممثل المغربي فوزي بن السعيدي.

• مراكش يكرم مهد السينما ووجه مغربي

يحتفظ المهرجان الدولي للفيلم بمراكش بفقراته الأخرى، التي أصبحت قارة وجزء من مكوناته، كالعروض الموازية في قاعات المدينة وبساحة جامع الفنا وبعض الأفلام الناجحة عالميا والتي سبق لها أن عرضت في مهرجانات أخرى، حتى يتمكن جمهور المهرجان من مشاهدتها في ظروف احترافية جيدة، إذ أن العروض تبدأ في الصباح الباكر لتمتد إلى ساعة متأخرة من الليل حيث يكون الجمهور أمام اختيارات مختلفة تستجيب لأهوائه ورغباته وليست مقصورة على أفلام المسابقة فقط.
ومن جملة الفقرات القارة نذكر مثلا فقرة “التكريم” التي يتم فيها الالتفاف إلى بعض الأسماء وذلك في سهرات سينمائية جذابة سواء تعلق الأمر بالأسماء الدولية أو العربية أو المحلية. ومن الأسماء المثيرة هذه السنة نذكر الممثل المغربي الراحل العربي الدغمي الذي واكب السينما المغربية والمغاربية والعالمية حيث شارك في كثير من الأفلام ذاع صيتها دوليا مثل فيلم “الرجل الذي أراد أن يكون ملكا” للمخرج الراحل جون هيستون وفيلم “شمس الضباع” للتونسي رضا الباهي وغيرهما.

فولكير سلوندروف رئيس تحكيم القصيرة                                           غافراس رئيس الوفد الفرنسي                          

أما السينما التي سيتم ضيافتها هذه السنة فهي السينما الفرنسية بوفد كبير يترأسه المخرج غوستا غافراس، رئيس الخزانة السينمائية الفرنسية وصاحب أفلام متميزة بالتزامها السياسي، حيث أغنى السينما الفرنسية قادما إليها من اليونان طالبا منها اللجوء السياسي بعد أن كان هاربا من الدكتاتورية في بلده، لتحتضنه السينما الفرنسية بكل حب واقتناع. ثم تُتوِجُهُ رئيسا عليها ضاربة عرض الحائط بما يسمى “الجنسية”، وذلك قبل سنوات من تأسيس الاتحاد الأوروبي وفتح الحدود بين أقطارها وتوحيد العملة. وعليه فهذه الإشارة لا مغزى لها إلا واحد تتجلى في كون أن جنسية فن السينما هي واحدة أينما رحل بها صاحبها. يتضمن برنامج العروض الفرنسية نخبة من الأفلام تمثل مختلف المراحل لتي شاهدتها هذه السينما التي ازداد بها فن السينما قبل قرن ونيف.

ويحظى مهرجان مراكش منذ سنواته الأخيرة بتغطية صحفية وإعلامية مدهشة، حيث جميع وسائل الإعلام بمختلف تخصصاتها سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو إلكترونية تجعله الحدث الأبرز. بل منها أصبحت جزء من المهرجان وهو ما دفع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية (مؤسسة عمومية) بخلق قناة خاصة وكذا إذاعة لنقل أطوار المهرجان داخل المدار الحضري لمدينة مراكش التي تتوجه إليها جميع الأنظار. ستكون مراكش طيلة الأسبوع “غارقة” في السينما.                 


إعلان