ستون عاما لمهرجان برلين..احتفاء بأعمال خالدة
هذا العام يلتحق مهرجان برلين الدولي بالمهرجانات الأقدم في العالم. بعدما تربع مهرجان البندقية على عرش العراقة والقدم. حيث يحتفل المهرجان الألماني بمرور 60 عاما على انبعاثه سنة 1950 من قبل الجيش الأمريكي المرابط آنذاك في ألمانيا الغربية وذلك لللاحتفاء بصمود المدينة أمام المطامع السوفييتية.
انطلقت الدورة الستون للمهرجان في جو مليء بالرمزية السياسية. فدورة هذا العام ليست فقط احتفالا بستين عاما مرت على الانطلاق. ولكن احتفلت أيضا بمرور عشرين عاما على توحيد شرق وغرب ألمانيا وسقوط جدار برلين عام 1989. ومن الرمزي أيضا تنظيم حفل الافتتاح في عمق برلين الشرقية سابقا. وبالتالي ليس من الغريب أن يكون المهرجان استفزازيا فمنذ انبعاثه اكتسب المهرجان سمعة لنصرة الأفلام السياسية والاستفزازية.
المهرجان في الهواء الطلق البارد
ولعله في هذا الاطار يمكن إدراج عرض فلم المخرج البولندي الأصل رومان بولانسكي الذي اقترن اسمه مؤخرا بالفضيحة التي فجرتها المخابرات الأمريكية حين طلبت من العدالة السويسرية القاء القبض عليه نهاية العام الماضي. ويعود المخرج الذي فر من قضية أخلاقية في الولايات المتحدة الأمريكية منذ ثلاثين عاما بفلم جديد بعنوان الكاتب الشبح حيث تم عرضه لأول مرة في العالم في غياب المخرج الذي يبقى رهن الاقامة الجبرية في سويسرا.
ولكن ان كان هذا الحدث قد يجلب انتباه المتتبعين والمغرمين بالأخبار الجانبية فان المهتم بالسنما لا يمكن أن يغفل عن برمجة فلمين لاثنين من أهم المخرجين الألمان في تاريخ السينماالعالمية وهما فريتز لانغ وراينر فارنر فاسبيندر. ولسائل أن يسأل ما الحدث الذي يمكن أن يكمن وراء اسمي مخرجين قد ماتا منذ زمن بعيد فالأول برز في الثلاثينات والآخر في السبعينات.
عرض فلم ميتروبوليس لأول مرة سنة 1927. بعد 83 سنة يعاد عرض هذا الأثر الفني الرائع الذي شغل عشاق الفن السابع لما يقارب القرن في جو احتفالي استثنائي. فالى جانب عرض الفلم في نسخة جديدة مكتملة من 120 دقيقة لا النسخة التجارية من 90 دقيقة التي استعملت للعروض التجارية. تولت الفرقة السنفونية لاذاعة برلين عزف المسيقى الأصلية للفلم (الفلم صامت). ومما زاد الحفل سحرا إقامة العرض في الهواء الطلق بساحة قصر فريدريك.
![]() |
من فيلم “ميتروبوليس” |
الفلم من نوع الخيال العلمي ويعالج الصراع بين الطبقة الشغيلة من جهة والرأسماليين من جة أخرى في عالم الواقع المرير. وللعمل بعد جمالي أخاذ حيث يستند الى نماذج الفن الشعبي في ذلك الوقت والمدرسة التعبيرية لألمانية. ولعل هذا ما جعل مدينة لانغ تصبح نموذجا لغيرها من العوالم الخيالية التي نجد منها الكثير في الأفلام الكلاسيكية والحديثة مثل بلاد رنر لريدلي سكوت. كما أن فكرة المعركة بين الانسان والتكنولوجيا من المواضيع التي ألهمت أكثر من مخرج شهير كستانلاي كوبريك في 2001 : أوديسا الفضاء وفارتيغو لهيتشكوك.
أما الحدث الثاني لمحبي الفن السابع في بداية الدورة الستين لمهرجان برلين الدولي فقد اقترن باسم آخر لأحد أعلام السينما الألمانية لنهاية القرن الماضي: رٍاينر فارنر فاسبندر حيث عرض المهرجان أحد أعماله المنسية : العالم في خيط. الفلم عمل من جزئين انجز خصيصا للتلفزة الألمانية ووقع بثة مرة واحدة سنة 1973 وهو اقتباس لأثر روائي بعنوان سيمولاكرا ثلاث من تأليف الكاتب دانييل إالويي. ويمكن اقتناء نسخة من القرص دي.في.دي منذ يوم الخميس المقبل 18 فيفري 2010.
![]() |
من فيلم “العالم في خيط”
تدور وقائع الفلم في بداية السبعينات ولكن لا يركز المخرج على الأحداث بل يحاكي الجوانب السفسطائية والفلسفية للعقل البشري والعبثية في التعامل مع نتائج البحث العلمي وكيفية الاستفادة منها. من هنا يمكن اعتبار الفلم مرجعا للعديد من الأعمال اللاحقة التي تعنى بالخيال العلمي كماتريكس والعديد من الأعمال التي تعتمد على تحريك الصورة في عالم افتراضي. سنة 1999 تم اقتباس العمل من جديد في نسخة قريبة من الأصل ولكن دون بلوغ العمق الذي أدركه فاسبندرمما يجعل الكثير يتحدث عن مظلمة فمنذ وقع بث الفلم على الهواء مرة واحدة لم يقع عرضه في قاعات السينما وبث لاحقا في مناسبات نادرة على شاشة التلفزة.
بهذا يكون المهرجان قد جعل من هذه الدورة الستين مناسبة للاحتفال بالملحمة التي اقترنت بتاريخه كحدث سياسي ولكن أيضا كواجهة للابداع الألماني. وهذا هو المعنى المنشود من اقتران تاريخ هذا المهرجان بظروف بعثه ثم التحول التاريخي الذي تمثل في اعادة توحيد الألمانيتين سن 1989 وذلك باعادة الاعتبار لأعمال مهمة لمخرجين تركوا بصمات لاتنسى.