سينما رشيد بوشارب: سينما الاغتراب و الذاكرة

عندما التقيت رشيد بو شارب في كان في 2006 شعرت أنني أتحدث مع سينمائي له مشاعر لا يمكن أن تفصلها الضفتين  اللتين يعيش بينهما : الجزائر وفرنسا.

رشيد بو شارب

في ظل هذه العلاقة نشأ وعي هذا المخرج فوظف الإحساس بالترحال الذي لا ينتهي.  رحلته هي عبور نحو سينما واقعية جسدها بواسطة شخوصه الذين يقاسمهم أحيانا الم الاغتراب ووهم الاندماج  وأحيانا أخرى غموض الانتماء إلى “الدياسبورا” أو الشتات .
اكتشفت فيه مخرجا لا يتحدث عن كل شيء لان الصورة التي ينتجها هي جزء من عالمه الخاص  بالسفر.  يحاول العودة إلى  الجزائر التي لم يولد فيها في أول أفلامه  الطويلة في1991  “شاب”. يروي فيه قصة الشاب الذي يطرد من فرنسا نحو الجزائر وطنه الأصلي ليواجه واقعا لا و لن يتجاوب معه ليعود إلى المهجر حيث يتأكد بأنه مرفوض رغما عن إرادته.

فيلم “شاب”

فيلم أثار جدلا كبيرا و بدا وكأن الجزائريين يكتشفون نوعا آخر على خارطة السينما الجزائرية أفلام الفرانكو جزائريين الذين يحددون  الجزائر داخل كادر سينمائي… الكاميرا فيه تصور مشاهد سينمائية بوجهة نظر مختلفة تراقب المجتمع بحرية أكثر، مستوحاة من البيئة التي نشأ منها وفيها والتي تبيح المحظورات وتنتقد بقسوة وهي تترجم  الحالات الإنسانية  التي صدمت جمهورا تعود على أفلام بسيطة منذ بداية التسعينات بدأت هذه الموجة السينمائية تعرض تفاصيل عارضها الجمهور لان جوهرها لا يروق لكثيرين.
هذه السينما التي ينتمي إليها رشيد بو شارب و يقدم لجمهوره أسلوبا سينمائيا مزدوج الغموض في الرحيل ثم العودة  والبحث ثم الوصول إلى مفترق طريق يحاول من خلاله رشيد أن يقف طويلا عند الأحكام المسبقة عن الهوية فهذا الحوار الإنساني الداخلي ينطوي اختلافا في الطرح السينمائي عند رشيد بوشارب إنها خصوصية يبحث فيها عن حكايا “الدياسبورا” أو الشتات الذي امتلأت به الذاكرة المهجرية. وهي هي جزء من هواجس و ألم رشيد حيث يرى أولئك وهم يبحثون عن حقهم في  الحياة بين ضفتي المتوسط ..
هؤلاء الذين على الهامش هم أبطال سينما رشيد بوشارب .في “العصا الحمراء” يروي حكاية أبناء الضاحية حيث يقرر الأصدقاء الثلاثة الهجرة إلى أمريكا ليبحثوا عن حياة أفضل .
أما في “غبار الحياة ” الذي رشح للأوسكار  في96 فيروي قصة شاب كان ثمرة زواج  جندي أمريكي بفتاة فيتنامية إنها رؤية سياسية لخلفية حرب نتج عنها أسئلة أخرى حول وضعية إنسانية هزمها الانتماء و الشتات.
في العام 79 في” سينغال الصغيرة” يسافر بطل الفيلم “سوتيغي كوياتي” إلى أمريكا ليس بحثا عن حياة أفضل بل للبحث عن أحفاد السنغاليين الذين كان أجدادهم ضحايا القنا صين البيض هؤلاء الذين بنوا أمريكا حينها إنهم السود الذين لم يكونوا سوى رقيق في عالم لا يعرف العدالة.

“بلديون”

البطل كان يبحث عن هذا الجزء من أفريقيا هناك. رشيد لا يتوقف عن البحث عن الدياسبورا حيث نجح في “البلديون” أن يكشف عن مرحلة نستها فرنسا أو حاولت أن تمحوها من الذاكرة الجماعية.  إنه تاريخ رفاق رشيد الأفارقة الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية و كانوا في الصفوف الأولى  لمواجهة النازية.. هذه الحرب التي ربما ينظر إليها البعض على أنها لا تخصهم لكن عند رشيد، الحرب كانت من اجل تحرير فرنسا التي ولد فيها.
 إذا فهذا التاريخ هو جزء هام تختلف الأجيال بشأنه أو تتفق لكن رشيد مقتنع في داخله بأنه يبحث عن وجوده عبر الضفتين بفضل “بلديون” أعادت الحكومة الفرنسية النظر في مسالة منح هؤلاء الذين اختاروا فرنسا وطنا لهم.
في سنة 2005 يلتقي عصمان المسلم بإليزابيث المسيحية في لندن للبحث عن ابنيهما ولندن واقعة تحت صدمة تفجيرات لندن في تموز.. سيناريو رشيد في “نهر لندن” يختزن رحلة بحث مزدوجة: ليز وعصمان القادمان من أفاق مختلفة يبحثان عن ولديهما هذا اللقاء لم يوظفه رشيد من اجل الحدث الدامي في لندن .هذا البحث عن مفقودين يجهل مصيرهما كان مساحة للحوار بين امرأة مسيحية أحكامها مسبقة وعنصرية تجاه المسلمين الذين تجهل قيمهم الأخلاقية والدينية نظرا لسيطرة الأحكام المسبقة والدعاية المغرضة والتي كان ضحيتها المجتمع الذي لا يمكن أن يتخطى هذه العقبة إلا بالحوار. هذا الحوار الذي اعتمده رشيد بين ليز وعصمان للبحث عن طريق نحو السلام بكسر جمود الصمت إنه أسلوب سينمائي  يحرك عمق الألم المشترك بين البطلين.
 في “نهر لندن” سينما رشيد بو شارب هي سفر طويل في أعماق الذات الإنسانية شخوصه مسافرون دائما للبحث عن بقايا روايات الماضي.. هؤلاء هم أبطال أفلام بوشارب هؤلاء المهمشين الذين يصنعون الأحداث ولا يهتم بهم احد لكن رشيد يعتبرهم قضيته.
 من الجانب الشخصي تجمع رشيد بوشارب مع المنتج الفرنسي جون بريا علاقة خاصة فقد أنتجا معا أفلاما قصيرة في الثمانينات ومعا أسسا شركتهما في العام 83 حيث أنتجا معا فيلم” شاب” الذي أثار جدلا كبيرا في التسعينات. لقد كان تعرية للذات الجزائرية صدمت المشاهد العادي والمتخصصين في السينما معا أيضا أنتجا” سنغال الصغيرة” و”شرف عائلة” والرجلان التقيا في الثمانينات و جمعهما حب السينما والمغامرة.

من فيلم نهر لندن

بالنسبة لجون اللقاء مع رشيد كان مثمرا لأنه يعتبر نفسه شريكا مهمّا. تثيره أفكاره ورغباته في تحقيق هذه النوعية من الأفلام ذات الخلفية السياسية التي تستهويه. لقد أصبحا وجهان لعملة واحدة. سينما تجتاز  بعض الحدود تقف عند الجزء الساكن في الحياة والتاريخ  ليعرضا سينما بلا رتوش بلا حواجز.. سينما  لا تؤمن بالدعاية السياسية …  سينما صادمة أحيانا و واقعية في اغلب الأحيان ستقف  الأجيال عندها كثيرا لتعيد قراءة رموز السينما الفرانكو جزائرية.. هل اختار فيها طرفا دون آخر وناقش قضاياه باختيار وطن في الذاكرة خاص به..؟؟
رشيد ينتمي إلى الضفتين ومغامرته رحلة سينمائية جوهرها إنساني وهويتها عالمية في زمن أصبحت الهوية تعكس مزاج سياسيين هواة.


إعلان