اختتام مهرجان روتردام السينمائي بثلاثة فائزين

حسونة المنصوري- روتردام

أسدل الستار على الدورة التاسعة والثلاثين لمهرجان روتردام السينمائي 2010 حيث وقع الاعلان على الأفلام الفائزة في حفل اختتام رسمي كما جرت العادة. والعادة أيضا أن تستمر العروض ليومين آخرين بعد الختام حتى يتمكن أكبر عدد ممكن من الجمهور من متابعة ما تيسر من الأفلام قبل أن تغادر المدينة نهائيا. والمتأمل للبلمراس يلاحظ دون أي تردد التوجه العام للمهرجان ومواطن التجديد في خارطة السينما العالمية. ففي حين يتأكد الحظور المتزايد لسينمائيات آسيا الشرقية وأمريكا اللاتينية يبقى الحضور العربي والإفريقي موضع استفهام جاد. والأمر في الحقيقة يتعدى هذا المهرجان ويعكس مدى تعقد العوامل المحدد للتوجه نحو هذا الركن من العالم أو ذاك.
الواقع أن الأفلام المتوجة، وهي ثلاث دون أي  ترتيب تفاضلي، ليست من تلك التي يمكن التقليل من قيمتها أو شرعية فوزها. وقد تكونت لجنة التحكيم لهذه السنة ممن يشهد بحرفيتهم ودرايتهم بالسينما وخفاياها كالممثلة الفرنسية جان بيلابار والمخرجة الهولندية والبولندية الأصل أورسولا أنتونياك والناقد فيليب شيا من سنغافورة والمخرج المكسيكي المتألق أمات أسكالانتي والممثل الأوغندي أوكلو كيلو سام. من بين خمسة عشرة فلما وقع الاختيار على ثلاثة عناوين. الأول من المكسيك الى البحر لبيدرو غونزاليس روبيو والثاني من كوستاريكا للمخرجة باز فابريغا بعنوان ماء البحرالبارد والثالث قصة موندان للتايلندية جاوونوك كراجوك.  حصل كل منهم على تمثال رأس النمر, رمز المهرجان, إضافة إلى خمسة عشرة ألف يورو من إهداء شبكة تلفزيونية هولندية.
 ولئن اشتركت هذه الأفلام في كونها تروي قصصا ذات علاقة بالبحر فأنها أيضا تطرح أساليب طريفة في معالجة المحتوى. فالمكسيكي يتعرض لتبعات الطلاق لدى الأطفال ولكنه لايقع في فخ الميلودراما الساذجة بل يتناول القضية بكل واقعية في أطار طبيعي شاعري. وتلعب الطبيعة دورا مهما أيضا في فيلم ماء البحر البارد حيث تمتزج العلاقة الغريبة بين امرأة وفتاة صغيرة بالجمال الساحر للغابة المخظرة أين يتجول نظر المتفرج كأنه بفضل عملية المونتاج يدخل في حوار غير معهود معها. أما التايلندية جاوونوك كراجوك فانها ترقى بخطابها الى قراءة فلسفية للواقع المعيشي من خلال وصف ذكي للحياة اليومية ببلدها حيث ينتقل المتفرج تلقائيا من صور مغرقة في الواقعية الى أبعاد ذهنية وفكرية شديدة العمق والارتفاع حتى أنها تعانق نوعا من الروحانية.

فيلم إلى البحر أحد الفائزين الثلاثة

لكن أن كانت هذه السينماءات القادمة من ربوع بعيدة قد فرضت نفسها كتجارب رائدة في عالم الفن السابع فلسائل أن يسأل  : أين تقف السينماءات العربية من كل هذا ليس فقط من هذا المهرجان فحسب بل أيضا من الساحة السينمائية العالمية عموما. وقد نخلص سريعا إلى أنها تبقى تتجول في فضاءات هامشية كما هو الأمر في مهرجان روتردام الدولي حيث تجري العادة كل سنة بأن تختار إدارة المهرجان ، أفلاما عربية تعد على أقل من أصابع اليد الواحدة لعرضها في تظاهرتها بعيدا عن المسابقة الرسمية أو حتى على الأقسام المركزية الأخرى..
عرض المهرجان هذه السنة وضمن تظاهرة “الطيف” ، فيلمين عربيين طوليين ، هما فيلم كل يوم عيد لديما الحر من لبنان، وكان قد عرض في الدورة الأخيرة لمهرجان دبي السينمائي ، وفيلم المخرج الفلسطيني ايليا سليمان الباقي من الزمن ، والذي بدأت عروضه في مهرجان كان السينمائي ثم بمهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبو ظبي. كما عرض أيضا في قسم مخصص لاكتشافات الجديدة فيلم البارونات  لنبيل بن يدير المخرج المغربي الأصل والقاطن ببروكسيل. وقد نتفهم عدم برمجة الفلم الفلسطيني بالمسابقة باعتبار أنها حكر على الأعمال الأولى أو الثانية. ولكن لفلمي ديما الحر ونبيل بن يدير من الجمال والحرفية ما يؤهلهما للمنافسة في أكبر المهرجانات العالمية.
أما ايليا سليمان فان فيلمه يلخص تاريخ التراجيديا الفلسطينية من خلال نظرة خاصة جدا وأسلوب يمزج المرح الساخر بالحس العميق بعبثية التاريخ. حيث يتخذ من الصمت صرخة ثائرة في وجه الزمن المتغطرس والظالم. ونجد أيضا نوعا من العبثية في فيلم المخرجة اللبنانية الشابة. فلديما الحر خطاب نسوي ثائر على التقاليد الرجالية التي لم تجلب إلى المجتمع العربي إلا الحروب والمهازل التي لا معنى لها. فتتخيل مجموعة من النسوة يردن الالتحاق برجالهن في سجن خارج العالم الآهل وخارج حتى الزمن.  يحمل الفلمين قراءة لواقع الشرق لأوسط الممزق بصراعاته ومفارقاته.
أما البارونات لنبيل بي يدير فله خطاب مغاير كليا. فقد اختار هذا الشاب ميكانيكي التكوين طرحا فكاهيا طريفا  فيه من الذكاء وعمق النظر الكثير. قصة الفلم تبدو في ظاهرها بسيطة وسطحية : مجموعة من الشبان ذوي الأصل العربي في إحدى ضواحي العاصمة البلجيكية يعانون من وقع البطالة ويضيعون كامل وقتهم في عمل لاشيء. الواقع أن وراء الوضعيات المرحة التي يصورها المخرج بكل أريحية وطرافة نظرة عميقة لأزمة الهوية التي تعيشها الجاليات العربية المهاجرة  وخاصة أولائك الشبان الذين ولدوا وتربوا وترعرعوا في مجتمعات ومدارس الهجرة والغربة. كما يتعرض الفلم أيضا إلى مسائل أكثر كونية كانعكاسات الأزمة العالمية على الشباب وصراع هؤلاء من اجل تحقيق أحلامهم إلى جانب قضية العلاقة بين الثقافات المختلفة وإمكانات التعايش في كنف الاحترام المتبادل والتضامن من أجل التصدي للتبعات السلبية للعولمة وغرق الإنسانية في مستنقع المادية ونسيان القيم الأساسية كاعتبار الاختلاف ثراء  لا عائقا للتواصل.

ديما المر وإيليا سليمان ومشاركتان متميزتان

قد يستغرب البعض عدم وجود لأفلام العربية في المسابقة وهو سؤال مشروع ويعكس إشكالا حقيقيا بين الثقافات العربية والعالم الغربي. فحتى الأفلام التي ذكرناها فأنها أن لم تكن غربية الإنتاج كليا كالبارونات لنبيل بن يدير فهي وليدة الشراكة في الإنتاج كالفلمين الآخرين. المخرج العربي لا يقل ذكاء ولا حرفية عن الغربي. الفرق هو الإطار العام لعملية الإبداع. أن تطالب الآخر بأن يجعل لك مكانا شيء مشروع ولكن الأمر يزداد تعقيدا عندما لا يجد المبدع العربي فضاء للتحرك والإبداع في مجتمعه وأرضه. وفي نهاية المطاف قد يبدو السؤال مغلوطا.    


إعلان