اختتام المهرجان السينمائي الدولي لحقوق الإنسان

رفع الستار يوم الخميس الماضي على المهرجان السينمائي الدولي لمنظمة العفو الدولية في العاصمة الهولندية لاهاي تحت شعاره المعروف : “الفلم عين مفتوحة على حقوق الإنسان”. ينتظم هدا الحدث كل ربيع ويعرض ما لا يقل عن 70 فلما إضافة إلى لقاءات ونقاشات مع ضيوف من كل أنحاء العالم. ولمّا كانت فلسفلة المهرجان تقوم على اعتبار أن الفلم قادر من خلال مخاطبة المشاعر والأحاسيس على أن يرسخ الوعي بالحقوق الجوهرية للبشر, فان الجانب الفني قد يبدو أحيانا منسيا نسبيا في النقاشات أوفي اختيار بعض الأفلام.
والمتأمل للأفلام المبرمجة لدورة 2010 يرى أنها ترسم بشكل ما خارطة الألم في العالم وكلها تقع في القسم الجنوبي للكون. وتتوزع مجمل الأفلام سواء كانت وثائقية أو روائية حول محورين وهما السياسة والفقر. لذا تجد أهم المناطق المعنية هي تلك التي تعيش ظروفا اقتصادية متدهورة كأمريكا الجنوبية وأفريقيا من خلال أفلام تتناول قضايا الفقر واختلال التوازن الاجتماعي في مجتمعات تعاني من آثار العولمة وتداعيات الامبريالية.

قضية التيبت

القسم الآخر من الأفلام يتناول المناطق التي تعاني من أزمات سياسية معقدة كالصين و قضية النبال والتيبت إضافة إلى مسألة الحريات على مستوى داخلي مثل إيران والأزمة السياسية التي يتخبط فيها المجتمع. ويعتبر هذا الموضوع مركزيا في الدورة الحالية للمهرجان فإضافة إلى التركيز عل أعمال المخرج الملتزم بهمان غوبادي حيث خصصت له فقرة خاصة لعرض مجمل أعماله كما عرضت أفلام أخرى تسلط الضوء على مسائل حساسة للمجتمع الإيراني.
وفي نفس هذا الإطار يتنزل فلم الافتتاح لا أحد  يعرف القطط الفارسية للمخرج الإيراني بهمان غوبادي. ويصور الفلم مجموعات الشباب في طهران الذين يهتمون بموسيقى البوب الحديث وما يسمى بموسيقى الأندر غراوند. ويركز غوبادى على نقطة محددة ألا وهي المقاربة بين هؤلاء الشبان ونظرائهم في مجتمعات أخرى (غربية) من خلال اختلاف رئيسي ألا وهو مساحة الحرية المتوفرة للبعض وانتفائها للآخرين وضرورة اختبائهم في الأقبية والمزارع وكل الأماكن التي تنأى عن رقابة حراس الثورة والآداب. من هده الناحية يتجاوز الفلم حتى الخطاب السياسي بالمعنى الضيق للكلمة ويتناول الصراع العميق بين الإبداع الفني والعقليات المتكلسة لا فقط الأنظمة السياسية المتشددة. وهنا يكمن سوء الفهم للمبرمجين وحتى الجمهور وهو ما عبرت عنه شيرين نجفيان إحدى هؤلاء الشبان أثناء حوار حول الفلم حيث قالت ثائرة بأن الجمهور الأوروبي يرى حتما النظام الإيراني ولا يعير أي انتباه للجانب الفني وللعمل الذي يقوم به هؤلاء الشبان.

من العالم العربي نسجل حضورا مميزا للفيلم الجديد ليسري نصرالله  أحكي يا شهرزاد  في إطار إطلالة على ما يسمى بواقع المرأة في العالم العربي  في مجتمع يحكمه الرجال. في نفس البرنامج نجد فلما إيرانيا نساء في سرود من اخراج فربد هايرينجاد. من الجزائر أيضا يركز المبرمجون على أكليشيهات أخرى من خلال فلم أغنية من أجل أمين من إخراج ألبرتو بوغلو. يتعلق الأمر هذه المرة بتداعيات الأحداث الدامية التي عاشها البلد في التسعينات حيث مات أكثر من 6000 شخص دون أن يعرف من يقف وراء هده المجازر. واللافت للنظر هو أن المخرج إيطالي الأصل. فلسائل أن يسأل إن كان الفلم ممكنا لو أنه كان جزائريا.
ولعل ما ينقض المهرجان من الغرق في مستنقع الأفكار المسبقة هو مساحات الحوار التي تسمح بالتجوال بين القضايا الإنسانية من ناحية والمسائل الفنية حيث أن الأفلام مشفوعة بنقاشات يدعى لها ممثلون عن الجانبين. فلمناقشة الفلم الإيراني حول النسوة تم إشراك كل من المخرجين الإيرانيين إضافة إلى شادي صدر وهي حقوقية ومناضلة إيرانية نسوية. كذلك الأمر بالنسبة للفلم الجزائري حيث يلتقي المخرج الايطالي مع كريم طرايدية المخرج الجزائري الأصل والمقيم بهولندا حول الشخصية الرئيسية للفلم نصيرة دي تور. ويدير النقاش في كل مرة صحفي هولندي.
بهذا البرنامج المتنوع يأمل المنظمون بناء جسور بين القضايا الحقوقية والتناول الجمالي في حقل تعمل منظمة العفو الدولية على التأسيس له. ولكن الجانب التنموي الإعلامي  ظل طاغيا على  الجانب الفني. ويبقى السؤال المطروح هو :  أليست أفضل طريقة لدعم الفكر الحقوقي وقيم التسامح هي دعوة المتفرج إلى الانفتاح على عالم الفكر والفن دون غسل الدماغ، الشيء الذي غالبا ما يحمل في طياته لغة امبريالية تحت غطاء ما يسمى بحقوق الإنسان؟ 


إعلان