مشاغل، وهموم الصحفيّين، والنقاد العربّ…
ضيوف الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائيّ في دبيّ…
صلاح سرميني ـ دبي
منذُ دورتِه الأولى، يحرصُ مهرجان الخليج السينمائي في دبيّ على تنظيم لقاءاتٍ ليليّة تتبعُ العروض الأخيرة مباشرةً، وذلك تحت عنوان (ليالي مهرجان الخليج السينمائي)، وخلالها يجتمعُ الضيوف في جلساتٍ حوارية ثرية الأهداف تطمحُ إلى تعزيز أواصر العلاقات المهنية، وتبادل الآراء، والأفكار.
وبمُناسبة الدورة الثالثة التي انعقدت خلال الفترة من 8 حتى 14 أبريل 2010 ، سعت إدارة المهرجان بأن تتحلى تلك الجلسات بالجدّية، والمنهجيّة، والأهمّ، بأن تتوافقَ مع الانشغالات السينمائية للضيوف الذين يُمثلون شريحةً مُعتبرة من المشهد السينمائي الخليجي، والعربي.
في هذا التحقيق الذي تمّ عن طريق المُراسلات الإلكترونية، نتعرّف على مشاغل الإعلاميّين، الصحافيّين، والنقاد العربّ، وهمومهم الفكرية، والسينمائية، ومن خلالها يطرحون أسئلة، وتساؤلاتٍ حول السينما الخليجية، والعربية، والسينما بشكلٍ عامّ.
أفكار، رؤى، وتطلعات…
تساءلَ الصحفي اليمنيّ “أحمد الأغبري”: ما هو الدعمّ الذي تُقدمه المهرجانات للسينما العربية، وما هي الفائدة التي تجنيها صناعة، وثقافة السينما في البلدان العربية.
بينما طرحَ الناقد البحريني “حسن حداد” تساؤلاً جوهريّاً: هل يُعتبر الفيلم السينمائي القصير طريقاً مُمهداً للفيلم الطويل ؟
وكتبَ حول هذا الموضوع :
“الفيلم القصير فيلمٌ سينمائيّ مُكتملُ الملامح الفنية، يقوم أساساً على فكرة لمّاحة، مُرّكزة، ومُختزلة في زمنٍ قياسيّ، يستثمرُ مخرجه كلّ ثانيةٍ فيه لتوصيل ما يريده مُبتعداً عن المُباشرة، ومتخذاً الصورة التي تقول، ولا تُفسر كوسيلةٍ لتوصيل ما يُريده من أفكار.
![]() |
نادر العجلي حسن حداد |
يُعاني الفيلم القصير من الظلم المُبرر موضوعياً، باعتباره محجوباً عن الجمهور العريض، بينما الفيلم الطويل يملأ صالات العرض، وهي نتيجة طبيعية لسيطرته على الساحة السينمائية، ودور العرض العامّة، بينما تقتصر عروض الأفلام القصيرة على المهرجانات، المُلتقيات، والمُناسبات الخاصة، مما جعل جمهوره مقصوراً على النخبة، وهكذا أصبحت ثقافة الفيلم القصير لدى الجمهور العريض قاصرة، بل فقد القدرة على التعامل مع هذا النوع من الأفلام، والغالبية تعتبره مرحلة تدريبٍ للمُخرجين كي يتمكنوا من إخراج أفلاماً طويلة .
إشكاليات النقد السينمائي العربي..
الصحفيّ السوري “إبراهيم حاج عبدي”، يشغلُه موضوع النقد السينمائيّ الراهن، وما يجري في كواليسه من اقتباسٍ، ترجمة، وسرقة، والفرق بين “الناقد المُبتدئ” الذي يحاول الصعود على أكتاف “الناقد الحصيف”، ومن ثمّ موضوعية الناقد في تناوله لفيلمٍ سينمائيّ، هل يحاول إرضاء صُناع العمل لاعتبارات الصداقة، أم التهجم عليهم لأسبابٍ شخصية، أم يكتب بشكلٍ مهنيّ دون أيّ اعتبارٍ غير الجماليّ، والفنيّ .
ودعا الناقد السينمائي المصري “نادر عدلي” إلى بحث إمكانية ظهور إصداراتٍ سينمائية مُنتظمة في العالم العربي، وسُبل تمويلها.
بينما ينشغلُ الناقد المصري “رامي عبد الرازق” بالثقافة السينمائية لدى الجمهور العربي، ويجد بأنّ إعداد المُتلقي، هي أحد أهمّ عناصر العملية السينمائية، والتعامل مع ثقافة الجمهور السينمائية أحد اقلّ اهتمامات العاملين في السينما، والمُتخصصين في مجال نقدها، وتحليلها، ويعتبر نفسه أحد المُناهضين لشعار “الجمهور عايز كده”، وأنّ جزءً مهماً من الارتقاء بالعملية السينمائية بأن يكون المُتلقي قادراً على التعاطي معه، ولديه الحدّ الأدنى من أدوات المُشاهدة، والفهم، خصوصاً فيما يخصّ الأساسيات الفنية، مثل الدراما، ويمكن الربط بين هذا المحور، والشرائح العمرية التي تشاهد السينما في الوطن العربي، والمستوى الثقافي العام لها، ومدى ما تتلقاه من خبراتٍ درامية، وفنية، يتيح لها مستوى تذوّق مرتفع، أو مُتدني، وبالتالي، تحكم هذه العناصر بحكم اتساع قاعدتها في الإقبال على الأفلام، وتحقيق الإيرادات من ناحية، وفي المستوى الفني للأفلام التي يتمّ إنتاجها من ناحيةٍ أخرى.
بدورها، شجعت الصحفية البحرينية “منصورة أمير الجمري” فكرة إصدار مجلة سينمائية سوف تُعوّض النقص الحاصل في هذا المجال، واعترفت بأنّ إشكالية الفارق بين عمل الإعلامي، الصحفي، والناقد السينمائيّ واجهتها كثيراً، وذكرت بأنها تُوصف بالناقدة السينمائية، وهي ليست إلا كاتبة صحفية أخذها شغفها بعالم السينما للكتابة عنها.
![]() |
مصطفى المسناوي خالد ربيع |
كما أكدت بأنّ النقد أمرٌ مختلف، وموضوع تودّ الإطلاع على تفاصيله، وسألت عن إمكانية الحصول على تدريب، أو دراسة في هذا التخصص.
كذلك، أثارها موضوع النقد السينمائيّ الراهن، وما يجري في كواليسه، وهي إشكالية كبرى في مجال الكتابة بشكلٍ عام، هناك الناقد الذي يتعمّد السرقة للصعود على أكتاف “الناقد الحصيف”، وهناك أيضاً الكاتب الصحفي الذي قد يواجه مشكلة من هذا النوع، بالنسبة لها، لا تعرف متى تصبح الكتابة مقتبسة، أو مسروقة، فهناك حالات تختلط فيها الأمور عندما لا تكون السرقة مباشرة.
أيضاً، قضية إرضاء صُناع العمل لاعتبارات الصداقة، يُواجهها الكاتب بشكلٍ مختلف، فالصحفي الذي يعمل في صحيفة تعتمد بشكلٍ كبير على الإعلانات، يتعرّض لضغطٍ من إدارة الصحيفة نفسها، لإجباره على الكتابة بشكلٍ معين استجابة لضغط شركة السينما التي تُعتبر أحد المُعلنين في الصحيفة.
تجربة السينما في الخليج 2000-2010
الناقد العراقي “ليث عبد الكريم الربيعي” (الذي اعتذر عن حضور المهرجان) أشار إلى دور القنوات الفضائية العربية في التعريف بالسينما الخليجية، وأكدّ على الحاجة إلى اتحادٍ لنقاد السينما الخليجيين، أو تكتلٍ يرعى الفعاليات السينمائية في دول الخليج العربي.
ورغب الصحفي العُماني “فيصل العلوي” بأن يتمحور النقاش حول فكرتيّن:
ـ توظيف الأسطورة الشعبية في السينما الخليجية.
وكتب حول هذا الموضوع :
“تتميز الدول الخليجية بالكثير من الحكايات الشعبية التي تحمل العديد من الأساطير، رُبما وقع بعضها حقيقة، وتمّ تأويله، وتهويله بمُختلف الروايات، وهذه الأساطير في الغالب لم يتناولها الكتّاب إلا القلة الذين استطاعوا التركيز على الفكرة دون الخوض في تفاصيلها بمختلف تلك التأويلات، لماذا يبتعد كتّاب السيناريو عن تلك الحكايات التي من المُؤمل أن تقدم للمُشاهد سواءً تلفزيونياً، أو سينمائياً صوراً من واقع مجتمعه، هل استطاع المخرجون تناول مثل تلك الحكايات الشعبية بالصورة المأمولة، ألا نحتاج لدراسةٍ متأنية، والحفر في أعماق تلك الأساطير من أجل فكرة لا تتوقف عند الحدود المعقولة، بل، تتجاوز اللامعقول ؟
وحول الفكرة الثانية، كتب :
“لماذا تشترك الكثير من الأعمال السينمائية الخليجية بثيمة “الموت”، سوداوية الواقع، أم تراكمات السقوط العربي في الفشل؟.
بينما أشار الناقد السينمائيّ السعودي “خالد ربيع” إلى مُعوقات الإنتاج السينمائي، ومُقترحات الحلول العملية لإعلاء صناعة السينما في الخليج، ولخصّ فكرته :
“الإشكالية الأساسية للسينما في السعودية هي ابتعاد القطاعيّن العامّ، والخاصّ عن دعمها، وما يتمّ إنتاجه ليس أكثر من تجارب فردية لمُبتدئين لا يمتلكون أيّ خبراتٍ عملية عميقة، أو أكاديمية، وهم لا يجدون موارد مادية تدعمهم لتحسين إنتاجهم، ويتحتمُ مناقشة المشكلة من جميع جوانبها، ضعف الإمكانات الفنية، والمادية، والتفكير بأن يُشكل مهرجان الخليج السينمائيّ حلقة وصلٍ بين شركات الإنتاج، والسينمائيين في السعودية، وغيرها بحيث يكون مشرفاً على عمليات التمويل، والإنتاج، أو منتجاً منفذاً، بحيث يتقدم من لديه سيناريو مدروس لإدارة المهرجان، وبدورها تكلف لجنة بمراجعته، والبتّ في إمكانية تنفيذه.
ومن المفيد أيضاً مناقشة إمكانية التحاق السينمائيين المُبتدئين بدوراتٍ تُنظمها إدارة المهرجان خلال السنة.
ويتفق ُالصحفي التلفزيوني العراقي “فارس خليل شوقي” المُقيم في هولندة مع زميله السعودي، بضرورة اهتمام مهرجان الخليج بعمل ورشاتٍ عن السينما مُوجهة للشباب .
![]() |
حميد العقبي عبد الله حبيب |
بينما رغب الناقد المغربي “مصطفى المسناوي” البحث عن لغةٍ خصوصية في السينما الخليجية.
بدوره، أراد الصحفي التلفزيوني اللبناني “خليل حنون” المُقيم في قطر الكشف عن صورة الخليجي في السينما العربية، والعالمية، وأشار بأنها صورة نمطية، سلبية، وغالباً ما يُختصر بها العرب جميعهم، ومن ثم تساءلَ : كيف يُمكن لصناعةٍ سينمائية تنطلق من الخليج تبديل هذه الصورة، خاصة، وأنّ الإنتاج السينمائي الهوليوودي بدأ يتطلع إلى مصادر تمويل، ودعمٍّ من الخليج (الإمارات، وقطر)، وقد تمّ إنتاج بعض الأفلام من خلالها.
بينما لم يبتعد الصحفي الفلسطيني “سعيد أبو معلا” المُقيم في مصر عن هذا الموضوع، وحدده بصورة الإمارات سينمائياً، وكيف يُقدمها المخرجون على اختلاف خلفياتهم، وأعمارهم، فهذه السينما الوليدة التي تتحرك بقوةٍ تعمل على تقديم صورٍ كثيرة، وهو يعتقدُ بأنّ صورة الإمارات السينمائية قيّد التبلور، والنضج، بعد أن طوّت مرحلة البدايات بكلّ ما فيها من عثرات.
وأشار الصحفي المغربي “ياسين الريخ” إلى سُبل تطوير تواجد السينما الخليجية في منطقة المغرب العربي.
وعبّر الصحفي اليمني “أحمد الأغبري” عن رغبته بالحديث عن السينما اليمنية، ودور السينمائيين المحليين في تجاوز واقعها المُتعثر.
بينما كانت رغبة المخرج، والباحث اليمني “حميد عقبي” المُقيم في فرنسا الحديث عن التجربة المُجهضة لمشروع مهرجان صنعاء السينمائيّ الدولي، وتعثر تطوّر السينما في اليمن بشكلٍ عامّ .
الصحفي العراقي “محمد موسى” المُقيم في هولندا منشغلٌ بقضية الأفلام، والمُسلسلات الأجنبية التي تناولت حرب العراق الأخيرة، ماذا تعني لصانعي الأفلام، والكتاب العراقيين، والعرب، هل أضاءت جانباً من الحرب كان غافلاً عنا، هل توجهت للمُشاهدين الغربيين فقط، أم للجميع بما فيهم العراقيين، كيف يمكن الربط بين أزمات أبطال هذه الأفلام، والمدنيين العراقيين، والحرب بالمُطلق، هل شكلت هذه الأفلام مخزوناً بصرياً عن الحرب، هل يمكن النظر لها كقيمةٍ أرشيفية، أم هي تسجيل لمزاجٍ عامّ في هذه اللحظة من الزمن.
السينما التسجيلية العربية..
الصحفي البحريني “أسامة الماجد” أبدى رغبته بالحديث عن الفيلم الوثائقي الخليجي، ماله، وما عليه، وذلك انطلاقاً من تجربته الخاصة.
بينما قدم الناقد السينمائي المصري “نادر عدلي” بعض الاقتراحات العملية لكيفية الوصول إلى سينما تسجيلية عربية ترصدُ الواقع العربي الفعلي، وكيفية إنشاء كيانٍ لدعم هذا الاتجاه، خليجياً في البداية على الأقل، ووُفق ما كتب:
تتمثلُ أهمّ المحاور لتحقيق هذا الهدف في:
ـ التدريب، وعقد ورش تعليمية نظرية حول مفهوم الفيلم التسجيلي، ودوره.
ـ دعم التكنولوجيا الرقمية في التصوير، واكتساب المهارات المختلفة لغير المحترفين، كي تكون السينما وسيلة التعبير المُثلى عن مشكلات الواقع في كلّ مجال.
– دعم وسائل العرض الرقميّ بمُستوياته كي تتمكن السينما من الوصول إلي أماكن بلا دور عرض تجارية، لجعل السينما وسيلة للتعريف بعناصر الواقع.
– الدعوة لإنشاء قناة تليفزيونية عربية تسجيلية تكون النافذة التي يُطلّ منها العالم العربي على كلّ إبداعاته العربية الناقلة لتفاصيل الواقع، وتنوّعه من المحيط إلى الخليج.