المؤسسات السينمائية الرسمية ودورها المفتقد
يامن محمد
بدأ أسبوع السينما الصينية في الثالث من نيسان في صالة الكندي في دمشق، أقامته المؤسسة العامة للسينما في وزارة الثقافة بالتعاون مع السفارة الصينية وصالة الكندي هي الصالة الرسمية الناطقة باسم المؤسسة العامة للسينما، أي من خلالها تتم مخاطبة الجمهور الدمشقي المتعطش لعودة السينما إلى شوارعه.
هذه الصالة شهدت قبل شهر من ذلك التاريخ افتتاح مهرجان آخر للسينما، أيام سينما الواقع، الذي لاقت أفلامه (أكثر من أربعين فيلماً) إقبالاً ملفتاً، وذلك بجهد حفنة من المتطوعين الشباب ومحبي السينما كانوا ملفتين بقدرتهم على التنظيم في هذا المهرجان “المستقل”. في المقابل نلاحظ إخفاقاً ملفتاً أيضاً للنشاطات الرسمية التي تقف وراءها مؤسسات رسمية، مهرجانات، تظاهرات، عروض… ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول أداء المؤسسات الرسمية والخيارات البديلة، ودور البنية اللوجستية والتنظيمية في إنهاض الحالة السينمائية بشكل شامل وهو ما يجب أن توفره المؤسسات الرسمية كأضعف الإيمان، عداك عن الأهداف الثقافية العليا والخطط والبرامج المتعلقة بها.
![]() |
أهم ما حدث في أسبوع السينما الصينية، هو المقارنة الدائمة من قبل صحفيين ومهتمين بالشأن السينمائي، وجمهور عادي، وهم بالجملة قلة قليلة مع المهرجان “التسجيلي” قبل شهر،. بين الأداء في كلا المهرجانين “أو الفعاليتين” بالأحرى؛ فأسبوع السينما الصينية هو مجرد أسبوع للسينما الصينية، وعدد الأفلام المعروضة فيه لا يتجاوز الستة أفلام: هي بالإضافة إلى فيلم الافتتاح كما وردت أسماؤها في البروشور: المشي إلى المدرسة، رجل أي بي IP Man، أيام في الأزقة، ماي ماي تي في 2008 maimaiti’s، مفتون للأبد، الجلد المرسوم. فلأي درجة يبلغ تعقيد عرض ستة أفلام تقف وراءها مؤسسة رسمية بعتادها وعديدها كالمؤسسة العامة للسينما؟!
مفاجآت للجمهور المتشوق
لقد تميز أولاً أسبوع السينما الصينية بالعديد من المفاجآت، ولا نتكلم بعد عن الأفلام ذاتها، موضوعاتها أو سويتها، بل لا نزال هنا في إطار التنظيم، فمن الملاحظ عادة في سينما الكندي، وعندما يكون حضور الأفلام مأجوراً، أن الفيلم لا يتأخر دقيقة أو دقيقتين فحسب، بل ولا حتى عشر دقائق فقط، بل أحياناً ربع ساعة، ثلث ساعة، أو نصف ساعة. فما التوقيت الذي سيبدأ الفيلم فيه في صالة الكندي كما يتوقع المر الحصيف إذا علم أن الدعوة عامة (وقد بلغ عدم احترام الجمهور هذا المبلغ؟!) المفاجأة: سيبدأ الفيلم قبل خمس دقائق من موعده الأصلي… وهذا ما نفذ بالفعل.. فالذين لم يتفاجأوا من الحضور الداخلين في السابعة تماماً وقد لاحظوا أن الدقائق الأولى والأهم من الفيلم قد ولت، هم بالتأكيد ممن يفتقدون إلى حس الفكاهة، ولا يقدرون المفاجآت حق قدرها، ولكن مهلاً، هناك مفاجآت أخرى تنتظرهم، عل أحاسيسهم المتبلدة تستيقظ، “فالتبكير” في عرض الفيلم ليس قاعدة؛ فيلم “رجل آي بي” تأخر عن موعده كثيراً، لحصول خطأ بعرض فيلم آخر كان يجب أن يعرض في اليوم التالي وهو “أيام في الأزقة”.. لذلك حصل الجمهور على فرصة مشاهدة فيلم رجل آي بي كاملاً بعد أن انتظر لأكثر من ثلث ساعة، مع العلم أن العديد “من غير الفكهين” غادروا دون رجعة في فترة الانتظار هذه.
المفاجأة الأخرى تعلقت بالترجمة، أي الترجمة إلى اللغة العربية حصراً، فهي تغيب، تغيب، تغيب، وقد لا تعود، لكنها تعود، بل أحياناً تعود بشدة وبسرعة، نعم لم تتجاوز المؤسسة العامة للسينما أزمة الترجمة حتى الآن، وقد اعتدنا سماع الأفأفة وإشارات التبرم من “حفنة” الجمهور المتواجدة في الصالة، وهم من “المتنّحين” المصرين على حضور هذه التظاهرات “الثقافية” بالرغم من كل شيء، متحدّين كل أنواع المفاجآت. حتى لو كان من بين هذه المفاجآت مشاهدة السينما الصامتة، والسينما الصامتة هو مصطلح يختلف عند الجمهور “السينمائي” السوري عن معانيه في العالم، فلقد اعتاد جمهور مهرجان دمشق السينمائي في دورات عديدة سابقة، على إطلاق هذه التسمية على العروض السينمائية التي يختفي فيها الصوت فجأة أو يضمحل في الأفلام الناطقة. كما تسميات أخرى على عروض بصفات مختلفة مثل “صامت ورجاج” عندما يرافق الصمت اهتزاز الصورة على الشاشة الفضية، أما الزيادة التي قدمها لنا أسبوع السينما الصينية وهو إنجاز جديد؛ اختفاء الصورة أيضاً أو اضمحلالها مع بروز ماركة ربما sony أو ماركة أخرى لم نعد نذكر ما هي للأسف.
وأما البرد في الصالة غير المكيفة، وأما البعوض المنتشر فيها والذي كان يعض بلا هوادة المتفرجين، ويشاركهم أيضاً في حضور الفيلم، فهذه أمور لا يمكن إرجاع المسؤولية فيها إلى مؤسسة السينما، بل هي غالباً ظواهر متعلقة بالبيئة و المناخ ودورة الفصول.
وتبقى أهم المفاجآت، سوء الإعلان عن التظاهرة، وقلة الحضور، بالرغم من وجود بوكيهات الورد الضخمة المقدمة من قبل السيد محمد الأحمد عند المدخل الرئيسي للصالة.
فهل من الممكن بعد كل ذلك مناقشة الأفلام ذاتها وما قدمته؟! نعم، وهي مفاجأة من قبلنا هذه المرة: فلقد اتفق معظم من حضر، أن الأفلام بغالبيتها لا ترقى إلى المستوى المطلوب، ولا تلقي الضوء على السينما الصينية وروائعها كما يجب، وقد غلب على معظمها طابع “الكليشيه” في الموضوعات وطريقة معالجتها.