إبراهيم العريس : الصورة الملتبسة للسينما اللبنانية
فجر يعقوب
لايخلو كتاب الناقد السينمائي اللبناني ابراهيم العريس الجديد ( الصورة الملتبسة – السينما في لبنان : مبدعوها وأفلامها ) من مغامرة كبرى قوامها الانفراد بتوطئة في التأريخ لهذه السينما الاشكالية على درجة عالية من الأهمية بقوله ، إنه إذا كان ثمة مسار لفن في لبنان ، ولتاريخ هذا الفن يشبه تاريخ لبنان كله خلال السنوات الثمانين الأخيرة ، فإن هذاالمسار ، هو مسار تاريخ السينما كما حققت في لبنان ، سواء أكان ذلك في البدايات أو في الأزمان اللاحقة .
الكتابة هنا ، والسرد بالأرقام والمعطيات والأحداث والتحليلات تتعدى ليس فقط القدرة الموجزة على ادهاش أصحاب الحيازات النقدية إلى مدلولات أعلى في التبصر الأنثربولوجي ، إن جاز التعبير ، وهو ماشدد عليه العريس في هذه ( السينما الملتبسة ) ، ذلك أن التحول من فكرة السينما في لبنان إلى فكرة السينما اللبنانية أدى إلى ولادة تيارات سينمائية متقدمة جدا ، إن لم يكن على صعيد الانتشار الجماهيري المحلي والعالمي – ينبه المؤلف إلى أن هذا الانتشار نادرا ماحدث – فعلى الأقل على صعيد حضور السينما والسينمائيين اللبنانيين في زمن العالم ، وربما كجزء من حراك سينمائي عربي جديد خارج عن الاطارات السائدة .
بالطبع تحتاج ( الصورة الملتبسة ) إلى تصحيحات وتوضيحات لايبخل العريس بها باعتبار أن التأريخ لمسار هذا ( الفن الملتبس ) في لبنان يكاد في طريقه أن يكون وإن جزئيا تأريخا لبعض مسار المجتمع اللبناني ، ومن ثم دور لبنان على مدى تاريخه طوال القرن العشرين في الحياة العربية ، وهو وضع ربما تكون الصحافة وحدها كنتاج ذهني قادرة على مجاراة فن السينما ، ولهذا يدفع العريس بمغامرته النقدية إلى الحد الأقصى حين يؤكد من زاوية أنثروبولوجية بحتة أن الكتاب يقدم في طريقه نوعا من التأريخ لحراك المجتمع اللبناني نفسه ، ولالتباسات هذا الحراك وتبدلاته ، وهو مايعبر عنه العنوان نفسه الذي استخلصه العريس من مئات الصفحات التي اقتربت من جداول هذا الالتباس الذي تثيره أمامنا سينما لبنانية بمعقوفتين أو من دونهما استكمالا حرا للسياق الذي هلّت منه .
![]() |
الناقد ابراهيم العريس |
ومن المؤكد أن مغامرة العريس ( الكبرى ) تكمن في أن صفحات الكتاب الأربعمئة ( من القطع الكبير ، وصادر عن دار النهضة العربية ، بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية ، وهو ينشر ضمن فعاليات بيروت عاصمة عالمية لللكتاب ) لاتتوخى إزالة هذا الالتباس ، فهو يعتبر أن هذه ليست من مهمته ، ذلك إنها مهمة مستحيلة ، ولكن مايريده يكمن في مكان آخر يستجمع من خلاله كل رسومات وصور ومآلات هذا الالتباس الناشىء في السينما ، وربما في طريق السينما نفسها وصولا إلى أماكن أخرى أكثر وعورة و”التباسا ” ، وبحاجة إلى استقصاءات اجتماعية لمعرفتها ، إن في المقدمة ، أو في عناصر الصورة التي ولدت منها السينما اللبنانية نفسها ، وفرضت التقاط الفكرة ليتم البناء عليها وكسوها بالأفكار والفرضيات والطروحات التي انطلقت أساسا من واقع مرصود بالعين الخبيرة ذاتها التي أعادت تفسيرها في اتجاهات غير متوقعة ، وذلك ربما ماحدا بالعريس الولوج غير المتهيب في الموضوع من دون أن يحدد وجهته النهائية ، والتي تظل في عرفه قابلة للسجال دائما ، طالما أنه لاتوجد مراجع نهائية ، ولذلك ىثر المؤلف أن يضع عنوان الصورة الملتبسة مقرونا بالعنوان الفرعي ( السينما في لبنان : مبدعوها وأفلامها ) ذلك أن العنوانين يتكاملان هنا ، فالمرحلة الأولى من تاريخها هذا كما حقق طوال نصف قرن ( 1929 – 1975 ) لم تشهد إلا في مرات قليلة ولادات لسينما يمكن وصفها ب( سينما لبنانية ) .
العريس يتغلغل بالضبط بين الحدود الشفافة الفاصلة بين سينما في لبنان وسينما لبنانية . يقلب جلد التأريخ بمهارة وجرأة ، وهذا مايعتبر هو الأهم بالنسبة لهذا الفن في لبنان .
( الصورة الملتبسة ) ينطوي على فصول : جيل الرواد – سينما الهوية الصافية – استديوات مصر في ربوع لبنان – جيل المساعدين وسنوات الزمن الانتقالي – سينما تولد من رحم الحرب – الزمن القلق وجيل الورثة – دخول شرعي إلى زمن العالم – بالاضافة إلى فيلموغرافيا ب100 فيلم صنعت السينما اللبنانية ، علما أن فصول الكتاب سوف تظهر أن المشروع السينمائي اللبناني ليس إلا مشروع هويات وجنسيات ورؤى ، مايجعل دائما من المستحيل تحديد هذه السينما ، ذلك أن المشروع السينمائي اللبناني سار في غموض هويته بالتوازي مع مشروع الهوية اللبنانية والتباساتها ، وذلك بالتوازي الدائم مع مشروع البحث عن هوية لبنانية عاشت السينما اللبنانية هاجس البحث عنها على الدوام …!!