المرئيات الموجهة إلى الأطفال
المضامين البعيدة عن الواقع .. والأفلام التسجيلية غائبة
عاصم الجرادات
بينما كنت أتجول في أحد الأسواق باحثاً عن أشرطة أفلام قديمة، استوقفني أحد المحلات المُوضوع في واجهته “سيديات” لأفلام أطفال قديمة أمثال جورجي، وساندي بل، وسالي، وكابتن ماجد، وغرندايزر وغيرها الكثير، وعندها عادت بي الذاكرة إلى الطفولة حيث كنت مهووسا بذاك الشريط المُسمى جورجي، اشتريت جميع حلقاته وشاهدتها بمنظور مختلف لأجد نفسي أمام مشكلة ثقافية كبيرة كنا نعاني منها وما زلنا، لكن بوجه مختلف إنها الابتعاد بأطفالنا نحو الخيال في القصص وزرع أفكار لا تتناسب مع عادات ومعتقدات مجتمع شرقي، مما يشكل انفصام في شخصية الطفل التي تشاهد واقعاً مغايراً تماماً لما تبثه بوابته الإعلامية الأولى (برامج الأطفال)، وتسوق له فيبدأ الطفل في رحلة البحث عن الواقع الصحيح.
ففي السطور القادمة سأحاول تسليط الضوء على الأفكار التي تبثها أفلام الكرتون، ومحاولة الإجابة عن السؤال التالي لماذا لا تحمل برامج الأطفال طابعاً تسجيلياً حتى لو في جزء بسيط منها، وما أسباب غياب الفيلم التسجيلي العربي الموجه للأطفال، ولماذا لا يشاهد أطفالنا الأفلام التسجيلية؟.
مضمون أفلام الكرتون:
لابد قبل الخوض في مضمون أفلام الكرتون، أن نتحدث عن عدم وجود أفلام كرتونية بالقدر الكافي من إنتاج عربي، إنما تعتمد الفضائيات العربية على الإنتاج الغربي، وإن شاهدنا إنتاج عربياً فإننا أمام منتج متواضع من حيث الشكل والمضمون، باستثناء القليل من الأفلام، ولكن للأسف هي ذاتها لا تُعرض على الفضائيات العربية بل يقتصر عرضها في المهرجانات مما يجعل الطفل العربي بعيداً عنها.
يتضمن المنتوج الفيلمي للأطفال العديد من الأفكار التي يغلب عليها الابتعاد عن الواقع الموجود.
– الخيال الممزوج بالعنف: فسابقاً عندما يتوجه الطفل نحو شاشة التلفزيون ليشاهد غرندايزر، فمن المؤكد أنه سيحاول تقمص تلك الشخصية الخارقة التي من الصعب التغلب عليها فتشاهده يمارس جميع طاقته العنفية في فرض سيطرته على أصدقائه، وجيرانه من الأطفال فما بالكم أن هذا الشريط كانت منتشر وكل طفل في ذاك الزمان يريد أن يصبح غرندايزر، ويعد ذاك الشريط الكرتوني واحد من سلسلة كبيرة انتشرت حتى الآن في مكونات برامج الأطفال المبثوثة على الشاشة العربية.
– قصص اجتماعية: طالما سعت أفلام الكرتون إلى الخوض في القصص الاجتماعية البعيدة عن الواقع الاجتماعي العربي، مما يضع الطفل أمام جملة من التساؤلات عن عدم وجود هذه الحالات في واقعه المجتمعي، وتفنيدها ضمن ثقافة العيب، فعندما شاهدت مسلسل جورجي الكرتوني الاجتماعي وجدت نفسي مندمجاً، وكأنني أشاهد أحد المسلسلات الدرامية العربية من حيث المضمون وكيفية الطرح، ولكن في طفولتي كنت أحاول تطبيق ذاك المسلسل على حياتي الواقعية، وأسقطه بطريقة كادت أن تجعلني أسير في طريق يُعد خطيراً ومن الصعوبة العودة منه ظنا مني أنه مسلسل عربي، وموجود في مجتمعي نتيجة الدوبلاج، وهذا يعد نموذجاً واحداً ويقاس عليه العديد من الأفلام الكرتونية، وجاءت تلك الأفلام في خضم غياب المنتج العربي.
– أفلام رياضية: تعد هذه النوعية من الأفلام الأكثر شعبية، ويعتبر تأثيرها أقل خطورة، على الرغم من المضمون الخيالي لكن الطفل قادر على اكتشاف خيالية تلك الأفكار من خلال التطبيق وممارسة رياضة معينة.
تسجيل الواقع في أفلام الأطفال
لا تحمل معظم أفلام الأطفال طابعاً تسجيلياً لأن الأطفال يحبذون الخيال غير الملموس، لكن هذا لا يبرر لمن أنتج تلك الأفلام أن يبتعدوا عن المضمون الواقعي التسجيلي من خلال تطبيق نموذج “الدوكودراما” لكسر الرتابة والملل، والقدرة على جذب الأطفال. فالواقعية في الطرح تساعد الأطفال على التعايش مع المجتمع بسلامة وصحة نفسية، وأعيد وأُكد على أن المطلوب ليس فيلماً تسجيلياً للأطفال، إنما مسلسلاً كرتونيا يُحاكي رغبات الأطفال لكن بطرح واقعي أو أقل تقدير خيالي بإسقاطات موجودة في الواقع المُعاش.
وبالانتقال إلى شق آخر بعيد عن أفلام الكرتون، وهو الأفلام التسجيلية البحتة الموجهة للأطفال حيث يفتقد الشارع العربي لأفلام تسجيلية عربية جمهورها هو فئة الأطفال، وقبل الخوض في أسباب غياب الفيلم التسجيلي الموجه للأطفال لابد من الحديث عن فوائد الفيلم التسجيلي بالنسبة للأطفال حيث يساعد الفيلم التسجيلي الطفل في تركيز الانتباه، وسرعة في التعلم، وتقوية ذاكرة الطفل، وكذلك بناء المشاعر الوجدانية لدى الأطفال، وتعزيز قدرة الطفل على التخيل، وصناعة القدرة على فهم الواقع بالطريقة المثلى بعيداً عن تبني الأفكار الخيالية التي تشتت ذهن الطفل وتقوده إلى عدم التوازن في حياته الاجتماعية، ولكن رغم كل تلك الفوائد يجب على صانع فيلم الأطفال التسجيلي أن يُعير انتباهه إلى جملة قضايا أهمها، أن يضم الفيلم الجوانب الجمالية في الصورة وطغيان تلك الألوان الجذابة القادرة على استحواذ تفكير الأطفال، الابتعاد عن طغيان أسلوب الحوار في عرض الفيلم لأنه يسبب الملل لدى فئة معينة من الأطفال، وبذلك لابد من التركيز على جانب الصورة التي تشد انتباه الأطفال وتكسب مشاهدتهم.
![]() |
من سلسلة جورجي |
– ما مبررات هذا الغياب؟
يعيد البعض غياب الأفلام التسجيلية إلى عدم وجود صناعة سينمائية تسجيلية عامة حتى يكون لدينا صناعة تسجيلية موجهه إلى الأطفال، وفي ذات الوقت نجد أن الأفلام التسجيلية تُعاني من تضييق، وتشكل خطورة على أصحاب السلطة لذلك فإن الرقابة ستكون في مقدمة المواجهين لفيلم تسجيلي يساعد في توعية الأطفال على مواضيع ترفض الحكومات العربية دخولها عقول الأطفال حيث تجد أن بقاء الأطفال حبيسي تلك الأفلام الكرتونية القادمة من الغرب أفضل بكثير من توعيتهم على واقع مرير.
والمبرر الثالث هو عائد إلى طبيعة الأطفال وتركيبتهم التي ترفض أي شيء لا يقدم لهم التسلية والترفيه لذلك فإن الفيلم الوثائقي تجده يقدم الفائدة مع ضعف في عوامل التسلية، فالحل في صنع سينما تسجيلية ممزوجة بطابع كرتوني، ويعد فيلم “كان يا ماكان الحياة ” من أفضل الأفلام الموجهة للأطفال، وكذلك مسلسل “اسألوا لبيبة”، ولكن هذه النوعية من الأفلام قلة بالنسبة لتلك الشرائط التي تحوي على كميات هائلة من التسلية مع وجود هدف واحد أن الخير ينتصر في النهاية كي يزرعوا في مخيلة الطفل هذا الهدف، الذي وصل الطفل إلى حد الإشباع منه، حتى أن بعضهم يؤيد ذاك الشرير في المسلسل لأنه يتعاطف مع الفاشل والخاسر لذلك فإن ترسيخ فكرة أن الخير ينتصر في بعض الأحيان لا تروق للطفل.
وأخيراً نقدم رسالة مختصرة لكل شركات الإنتاج الأفلام الكرتونية العربية وشركات إنتاج الأفلام الوثائقية ومفادها عليكم إذا كانت أهدافكم تتعدى في لحظة من اللحظات الجانب المادي “أن تُعيروا اهتماماً لذاك الطفل المتمترس خلف الشاشة، وتقدمون له إنتاجاً مرئياً يساعده على بناء العقلية الصحيحة وينمي له المقدرات الفكرية”.